لم يكن العدوان السافر على الشقيقة قطر سوى حلقة جديدة في مخطط قديم يسعى الاحتلال إلى تنفيذه في المنطقة للسيطرة على مقدراتها ورسم خريطة نفوذ جديدة، بمباركة صهيو- أمريكية. هذا المشروع الذي تعمل عليه أيادي الاحتلال منذ سنوات يستهدف فرض الكلمة العليا لقوى الاحتلال في المنطقة وتقويض أي صوت خارج سرب مخططاتهم. ما قام به الاحتلال من عربدة غير مسبوقة تحت ذريعة أحداث السابع من أكتوبر، التي هي في حقيقتها مقاومة مشروعة ضد احتلال غاصب تجاوز كل التوقعات السياسية والعسكرية. حجم القصف الذي طال عواصم عربية عدة، عبر طائرات وصواريخ تحمل عشرات الأطنان من المتفجرات، لم يكن مجرد استعراض قوة، بل رسالة واضحة بأن المنطقة كلها ستخضع لهيمنة الاحتلال، وأن من يجرؤ على الخروج عن هذا المسار فمصيره محسوم. ولا يبدو أن الكيان المحتل يستمتع بما يزرعه من خراب ودمار إلا حين ينجح في بث الفرقة بين الأشقاء، فهناك من يكتفي بالمشاهدة والصمت، وآخرون لا تسمع لهم همسًا، وهو ما يمنح الاحتلال مساحة أوسع لتمرير مخططاته المشؤومة". التاريخ يذكرنا بأن الانقسام كان دومًا أخطر ما يهدد الأمة، ففي عهد الدولة الفاطمية، تحالف «الوزير شاور» مع الصليبيين ضد قوات نور الدين محمود، وفق ما أورده المقريزي في كتابه «اتعاظ الحنفاء». لم يتردد «شاور» في إحراق «الفسطاط» بالكامل لحرمان جيش «نور الدين» من الاستفادة منها، انتهت هذه الخيانة بمقتله، وهو ما فتح الباب أمام «صلاح الدين الأيوبي» لتوحيد الجبهة الداخلية والانطلاق بمشروعه لتحرير الأرض من الاحتلال الصليبي. هذه الواقعة التاريخية تذكرنا بأن مواجهة أي عدوان خارجي تبدأ أولاً بإغلاق ثغرات الانقسام الداخلي، وهو الدرس الذى ما زال حاضرًا اليوم مع العدوان على قطر وسائر العواصم العربية. قال ابن الأثير في الكامل في التاريخ "ما دخلت الفرقة على قوم إلا أذلتهم، ولا اجتمعوا على كلمة إلا أعزهم الله"، فالشاهد هنا والرسالة الواضحة أن الوحدة هي السلاح الأقوى في مواجهة أي عدوان خارجي، وأن درس «شاور» وتاريخه يجب أن يبقى حاضرًا في الذاكرة كلما تعرضت الأمة لخطر يهدد وجودها.