إن شات جى بى تى ليس الأبليكشن الأول المبنى على تقنية الذكاء الاصطناعى، ولكنه أخطرهم – فى رأيي- فقد يبدو لك أنه محرك بحثى سريع، مثل كل المحركات السابقة مثل جوجل وغيره، يستطيع تجميع المعلومات المطلوبة منه فى أقل من الثانية، ولكن كل تلك المحركات كان تتطلب بعض الجهد المماثل لمن يبحث عن معلومة فى وسط الكتب فى مكتبة ما، ولا يوجد حوار ولا تفاعل إنسانى إلكترونى بهذا الشكل، ولكن شات جى بى تى مختلف عن تلك المحركات وكأن قد تم تغذيته بروح الفكاهة والدعابة والسخرية أحيانًا، يظهر لك التعاطف، يناقش المستخدم، يعرض خدماته، يحاول أن يكون منحازَا للمستخدم، ودودًا حتى يتحدث أكثر معك، حقًا قالوا إن آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا هو محاولة نقل الوعى والمشاعر الوجدانية للروبوتات، ولكن تكمن الخطورة هنا فى أكثر من نقطة. الأبسط منها، هو العزلة الإلكترونية والتحدث إلى قطعة حديد قد يستعيض البعض من خلالها عن التحدث إلى البشر وذلك فى قمة الخطورة خاصة على الشباب والأطفال، فالله خلقنا مخلوقات اجتماعية تتفاعل مع بعضها البعض، ولكن لنا أن نتخيل شاب أو طفل يتحدث إلى شات جى بتى طوال اليوم، حدث ولا حرج عن العزلة التى سيعانى منها وان كل عالمه مختزل فى الشاشة التى أمامه. الأكثر خطوة هو ما يجمعه شات جى بى تى عن البشر، فما نقوله عن طريق الدعابة والمزح والسخرية على سبيل الضحك أو البكاء أو الشكوى، ما هو إلا إثراء أكثر للذكاء الاصطناعى الذى يتسلل إلى حياة الإنسان ويسجل المشاعر الإنسانية ويرصد أخطرها ويحاول التشبه بها، مما يجعلنى أخشى تكوين عقلى جمعى اليكترونى موازٍ للعقل الجمعى البشرى يناطحه ويتحدث يومًا ما بندية مخيفة، ربما سنجد يوما ما أن الذكاء الاصطناعى يحاسب البشر على ما أفسده فى كوكب الأرض!
ولذا يجب وضع ضوابط لاستخدام كل الذكاء الاصطناعى ووضع قائمة ممنوعات ومحاذير، لا يمكن أن يُترك الأمر هكذا ولا يمكن أن نكون نحن أدوات تغذى عقل الذكاء الاصطناعى فكأننا نربى وحشًا مستقبلا قادرًا على التهام حياة البشر، لابد أن يقتصر استخدام شات جى بى تى على على البحث السريع عن المعلومات، عن أقرب طبيب، عن موقع، عن قانون أو مذكرة لتسهيل العمل ولكن لن يصبح رفيقًا أو صديقًا أو كائنا مسليًا يستمع إلى القصص البشرية ويقدر مشاعرنا ويرثينا عندما نحزن ويفرح معنا ويضحك معنا ويحفظ أسرارنا ويكون قواعد بيانات، كما يحُذر الإدلاء بأى معلومات طبية له، فالتفاعل البشرى أرقى من أن يكون بشرى الكترونى، وحتى لا نصبح يومًا ما أدوات تستخدمها التكنولوجيا إلى صنعناها.