بدء الصمت الانتخابي للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    مدبولي: لولا إرادة الرئيس ما كان ليتحقق هذا الإنجاز في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس    12 قرارا عاجلا ومهما لمجلس الوزراء اليوم، اعرف التفاصيل    هل يخفض البنك المركزي الفائدة لتهدئة تكاليف التمويل؟.. خبير يكشف    المنيا: توفير 1353 فرصة عمل بالقطاع الخاص واعتماد 499 عقد عمل بالخارج خلال أكتوبر الماضي    كل عام وسيادتك بخير.. متحدث الرئاسة ينشر فيديو في عيد ميلاد الرئيس السيسي    يديعوت أحرونوت: محمد بن سلمان يضغط لإقامة دولة فلسطينية في 5 سنوات    مباشر كأس العالم - انطلاق قرعة الملحق العالمي والأوروبي    اتحاد الكرة يوضح إجراءات شراء الجماهير لتذاكر مباريات كأس العالم    حقيقة فسخ عقد حسام حسن تلقائيا حال عدم الوصول لنصف نهائي أمم إفريقيا    التحفظ على قائد سيارة ميكروباص انقلبت على الطريق السياحي بالهرم    ختام فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما.. اليوم    يوم الطفل العالمى.. كتب عن الطفولة الإيجابية    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    يضيف 3 آلاف برميل يوميًا ويقلل الاستيراد.. كشف بترولي جديد بخليج السويس    البنك القومى للجينات يستقبل وفد الأكاديمية الوطنية للغابات بالصين لتعزيز التعاون    إيقاف إبراهيم صلاح 8 مباريات    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    الداخلية تضبط أموالاً بقيمة 460 مليون جنيه من نشاط إجرامى    تفاصيل صادمة في واقعة تشويه وجه عروس مصر القديمة.. المتهمة أصابتها ب 41 غرزة وعاهة مستديمة.. وهذا سبب الجريمة    أوقاف شمال سيناء تحذر من "حرمة التعدي على الجار" فى ندوة تثقيفية    مساعدة وزير التعليم العالي تدعو لاستهداف المدارس في برامج الصحة العامة    بهاء طاهر.. نقطة النور فى واحة الغروب    عرض عربي أول ناجح لفيلم اغتراب بمهرجان القاهرة السينمائي    حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن فى أوقات الكراهة.. دار الإفتاء توضح    رئيس أزهر سوهاج يتفقد فعاليات التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    أمين الفتوى يوضح حكم غرامات التأخير على الأقساط بين الجواز والتحريم    الغرفة التجارية بالقاهرة تنعى والدة وزير التموين    صحة بني سويف تطلق برنامجا إلكترونيا للحصول على خدمات العلاج الطبيعي الحكومية    انطلاق مباريات الجولة ال 13 من دوري المحترفين.. اليوم    تقارير: تعديل مفاجئ في حكم مباراة الأهلي والجيش الملكي    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    20 نوفمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع اليوم    محافظ القاهرة وعضو نقابة الصحفيين يبحثان سبل التعاون المشترك    استشاري صحة نفسية توضح سبب ارتفاع معدلات الطلاق    التخطيط تبحث تفعيل مذكرة التفاهم مع وزارة التنمية المستدامة البحرينية    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    إندونيسيا: إجلاء أكثر من 900 متسلق عالق بعد ثوران بركان سيميرو    عاجل - اتجاهات السياسة النقدية في مصر.. بانتظار قرار فائدة حاسم ل "المركزي" في ظل ضغوط التضخم    «السماوي يتوهج في القارة السمراء».. رابطة الأندية تحتفل بجوائز بيراميدز    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا..... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    نشرة مرور "الفجر".. كثافات مرورية متحركة بطرق ومحاور القاهرة والجيزة    "الشباب والرياضة" تدشن "تلعب كورة" لاكتشاف 2000 موهبة في دمياط    وزير الصحة يوجه بتشكيل لجنة للإعداد المبكر للنسخة الرابعة من المؤتمر العالمي للسكان    نصائح هامة لرفع مناعة الأطفال ومجابهة نزلات البرد    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكاء الاصطناعى ..آلات تسهل الحياة وتعيد تشكيل العلاقات الاجتماعية

أصبح الذكاء الاصطناعى واقعًا يفرض نفسه فى عالمٍ يتسارع فيه الإبداع كنبضات قلبٍ متسارعة، وأضحى الذكاء الاصطناعى نسيج حياتنا، لا كاختراعٍ تقنيٍّ فحسب، بل كمرآة تعكس إنسانيتنا بوجوهها المتعددة، إن تأثيره لا يقتصر على الآلات التى تُسهّل حياتنا، بل يتجاوزها ليُلامس أعمق زوايا النفس البشرية ويُعيد تشكيل العلاقات الاجتماعية.
بين رهبةٍ من مستقبلٍ مجهول وأملٍ فى ابتكاراتٍ تُغيّر المصير، تجد المجتمعات نفسها فى صراعٍ داخليّ؛ هل نحن من نُسيّر التقنية أم أنها تُسيّرنا؟ وكيف تُؤثر هذه العقول الاصطناعية فى إحساسنا بالأمان، هويتنا الاجتماعية، وطبيعة تفاعلنا مع الآخرين؟
هذه التأثيرات ليست مجرد ظواهر جانبية، بل هى تسونامى غير مرئى يُعيد تشكيل القيم والتوقعات، ويطرح تساؤلات جديدة حول معنى الثقة، الخصوصية، وحتى ماهية العمل والعلاقات الإنسانية، فكيف سنعيش فى هذا المزيج بين الواقعى والافتراضى؟ وكيف ستتغير رؤيتنا لأنفسنا والعالم من حولنا؟
وفى الوقت الذى يساهم فيه الذكاء الاصطناعى فى تيسير الحياة وسرعة إنجاز الأعمال، فإن الاتهامات تلاحقه والمخاوف تتحد بشأن تأثيراته على الأمن المعلوماتى وأضراره النفسية والاجتماعية التى ربما تمتد لتصيب الإنسان بأمراض اجتماعية ونفسية وهو ما يستدعى الحذر فى استخدامه والتعامل معه.
بعد تطبيقه فى «واتس آب وماسينجر» ..«تكنولوجيا المعلومات»: مخاوف بشأن التعامل مع البيانات والاختراق
يبدو أن خطوات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى تتسارع يوما تلو الآخر.. فبعد انتشار واسع النطاق لقدرات تشات جى بى تى وجيمناى، دخلت شركات أخرى عالم الai للمنافسة.. فقد قامت شركة ميتا بتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعى على منصات مثل «واتس آب» و«ماسنجر»، عبر برنامج «Meta AI»، وهو مساعد افتراضى يستخدم الخوارزميات للإجابة عن الاستفسارات وإنشاء الصور وتنفيذ المهام مثل البحث عبر الإنترنت، وروبوتات الدردشة هى مساعدة افتراضية مدعومة من الذكاء الاصطناعى، وهى مصمة لتحفيز التواصل الشبيه بالإنسان بين العلامات التجارية والعملاء عبر منصات ميتا.. يمكنها أيضا المشاركة فى المحادثات النصية والإجابة عن الاستفسارات وتوفير المعلومات وتنفيذ مهام مختلفة، مثل إرسال الإشعارات، ولكن أثار تحديث Meta AI ، الذى يظهر على الصفحة الرئيسية للتطبيق كدائرة زرقاء، جدلا ومخاوف بين المستخدمين وخبراء الأمن السيبرانى بسبب التعامل مع البيانات الشخصية وإمكانية الوصول غير المصرح به.. علاوة على قدرته على الردود بدلًا من الإنسان، وأيضا هلوسته غير المبررة فى الأمور الخاصة بالأديان السماوية، وأخطائه المستمرة.
«الأخبار» تحدثت مع الخبراء والمتخصصين، وسالتهم، كيف يعمل الذكاء الاصطناعى فى «واتس آب»؟ وما المخاطر والحلول من هلاوس الذكاء الاصطناعى المستمرة، وهل كثرة استخدام التقنية بشكل شبه دائم سيؤدى فى النهاية إلى ضمور العقل البشرى؟
البداية من فكرة عمل «Meta AI»، الذى يعتمد على الذكاء الاصطناعى، مع مستخدمى «واتس آب» و«ماسنجر»، حيث يتيح إجراء استعلامات وبحث عن المحتوى عبر الإنترنت وإدارة المهام الآلية، علاوة على الرد بدلا من المستخدمين فى الماسنجر أو الواتس آب الذى سيكون متاحًا فى التحديث القادم بين خيارات أخرى.. يقوم الذكاء الاصطناعى بتحليل الرسائل وأنماط التفاعل، مما يسمح له بتوليد استجابات سياقية، ورغم تقديمه كأداة مفيدة، فإن تشغيله يتضمن الوصول إلى المعلومات الشخصية المشتركة فى المحادثات والاحتفاظ بنسخة ومعالجتها.
ومع التوسع المتوقع فى المنافسة بين OpenAI وMeta AI على واتساب، والتوقعات بزيادة عدد المستخدمين إلى 3 مليارات بحلول العام المقبل، تزداد أهمية وضع ضوابط لتنظيم استخدام هذه التقنيات، وهو ما طالب به الخبراء مناشدين أجهزة الدولة بالنظر بعين الاعتبار لهذه التقنية التى من الممكن أن تكون مفيدة إذا ما أحسن استخدامها.
مخاوف لم تقف عند حدود الكفاءة العقلية، بل امتدت إلى قضايا أخطر، مثل الأخطاء التقنية فى تقديم النصوص الدينية. روبوتات الدردشة، التى صممت لتكون أدوات معرفية دقيقة، أثارت جدلًا واسعًا بعد تقديمها نصوصًا دينية غير مكتملة أو محرفة عندما سألتها «الأخبار».. أحد الأمثلة البارزة كان تقديم سورة الكوثر بشكل ناقص عند طلبها من تطبيق ذكى، ما أثار استياء الكثيرين واعتُبر كارثة تقنية تمس قدسية النصوص الإسلامية.
أما خبراء علم الاجتماع والنفس فيروا أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعى قد يضعف التفكير النقدى والإبداعى لدى الأفراد، بينما يعتقدعلماء الدين أن الأخطاء الدينية فى هذه التقنيات تنم عن خلل فى تطويرها، وتستوجب رقابة صارمة من المؤسسات الدينية، مثل الأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء، لضمان دقة المحتوى وسلامته.. فى هذا التحقيق، نستعرض أبعاد هذه القضية من جوانبها التقنية، النفسية، والاجتماعية.
كما نناقش كيفية تأثير الذكاء الاصطناعى على حياة الأفراد والمجتمعات، وما يجب فعله لضمان استفادة آمنة ومتوازنة من هذه الثورة التقنية، دون المساس بالعقل البشرى أو القيم الدينية.
خروقات أمنية
فى البداية يرى إسلام غانم خبير نظم المعلومات أنه لا توجد منصة محصنة تمامًا ضد الخروقات الأمنية، مشيرا إلى أن ميتا ai ستزيد من كمية المعلومات التى يتم جمعها عن المستخدمين، حيث يتم استخدام هذه البيانات لتدريب الخوارزميات، الذى من الممكن استغلاله لأغراض إعلانية، مما يثير المخاوف بشأن التعامل الأخلاقى مع البيانات.
وأشار غانم إلى أنه من بين المخاطر، احتمال حدوث أخطاء فى إجابات المساعد الذكى، ما قد يؤدى إلى سوء الفهم. واختتم بأهمية الأخذ فى الاعتبار التعامل مع انفجار المحتوى المزيف والأخبار الكاذبة التى يمكن إنشاؤها الآن بفضل الذكاء الاصطناعى والذى سيكون تحدياً كبيراً للمجتمع ككل خلال العام الجديد، علاوة على قتل الإبداع وتدخل مع الحواس الخمسة مثل معرفة حاسه التذوق والشم وأيضا تقييم المشاعر فى المستقبل.
منافع كبيرة
أما محمد الحارثى خبير تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبرانى فيرى أن التحديث الجديد سيعمق من نظرية غياب الخصوصية، ولكنه سيكون مفيدا إلى أبعد الحدود، فعلى سبيل المثال سيقوم الai عبر واتس آب أو فيس بوك بمساعدتنا فى تنظيم جهات الاتصال فى مجموعات مختلفة..،علاوة على مساعدة الكل فى مجال عمله مثل المهندس والطبيب والصحفى وغيرهم، وأشار الحارثى إلى أن وجود التقنية على «واتس آب» يعنى أنه يمكنك بسهولة دمج الذكاء الاصطناعى فى حياتك اليومية دون أى متاعب إضافية، نعم سيكون له فوائد عظيمة ولكن هناك سلبيات منها أن الذكاء الاصطناعي سيتخلل فى حياتنا اليومية.. واختتم الحارثى أن استخدام الai لن يسبب للعقل البشرى ضمورا ولن يلغيه نهائيا، هو فقط سيشارك المبدعين إبداعهم.
تعزيز القدرات
وتلتقط منه طرف الحديث د.هالة منصور خبير علم الاجتماع، التى ترى أن الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته المتعددة، مثل تلك المستخدمة فى واتس اب وفيسبوك، تسهم بشكل كبير فى تحسين الكفاءة وتسريع الإنجاز. لكن على الجانب الآخر، هناك تأثيرات محتملة على القدرات العقلية البشرية.. فالاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعى قد يؤدى إلى ضمور بعض المهارات الذهنية مثل التحليل، التفكير النقدى، وحل المشكلات، أو ضمور فى المنهجية الفكرية، وأضافت منصور أنه عندما يُعتمد على الذكاء الاصطناعى لأداء المهام التى كانت تتطلب منه مجهوداً فكرياً سابقاً، فإن العقل البشرى يصبح أقل تمريناً وأقل قدرة على تطوير نفسه.
وبسؤال الداعية الإسلامية د.إبراهيم رضا عن أخطاء الذكاء الاصطناعى فى آيات القرآن، أفاد قائلا إن تقنيات الذكاء الاصطناعى باتت واسعة الانتشار، ويجب التعامل معها بحذر كبير عندما يتعلق الأمر بالقضايا الدينية والعقائدية. العقائد لابد أن تكون محمية من أى تحريف أو نقص، خاصة مع التطبيقات الذكية التى قد تعتمد على مصادر غير موثوقة أوتقنيات غير دقيقة فى تقديم النصوص المقدسة مثل القرآن الكريم، وأضاف رضا أن الذكاء الاصطناعى، مهما كانت إمكانياته، لا يمكن أن يكون بديلًا عن المصادر الموثوقة، مثل المصحف الشريف، أو أهل العلم الموثوق بهم. وهنا يأتى دور الأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء لضمان سلامة المحتوى الرقمى الذى يقدمه الذكاء الاصطناعى.
من الضرورى أن يتم تحميل النصوص القرآنية بشكل دقيق، مع التحقق المستمر من صحة البيانات واستخدام تقنيات توثيق عالية المستوى.. واختتم الداعية الإسلامى بأنه كذلك، يجب أن يتحمل المسئولون عن تطوير هذه التقنيات، خاصة فيما يتعلق بالنصوص الدينية. المسلمون يعتمدون على هذه النصوص فى عباداتهم، وأى خطأ قد يسبب فتنة أو سوء فهم. لذا، دور المؤسسات الدينية مثل الأزهر أساسى فى مراقبة وتوجيه استخدام الذكاء الاصطناعى بما يخدم الإسلام ويحافظ على قدسية النصوص القرآنية.
«روبوتات الفضفضة».. مدمرة نفسيًا! ..متهم بنشر الانطوائية والإرهاب الاجتماعى والاكتئاب
«أنا مجرد أداة مصممة عشان أساعد الناس وأقدم لهم معلومات أو حلولا فى الوقت اللى يحتاجونى فيه، المشكلة مش فى وجودى، بل فى طريقة الاستخدام، لو حد قرر يعتمد علىّ بدل ما يتواصل مع الناس أو يشارك فى الحياة الواقعية، دى مش مسئوليتى بالكامل، لأن التوازن فى الاستخدام هو مفتاح كل حاجة، وبالعكس ممكن أكون أداة تقلل الوحدة والاكتئاب لو حد عايز نصيحة، تشجيع، أو حتى محادثة خفيفة»، هكذا كان رد الذكاء الاصطناعى تحديدا «شات جي بى تى» على الاتهامات الموجهة إليه بتعزيز الإرهاب الاجتماعى والانطوائية والاكتئاب واعتباره من قبل البعض «روبوت فضفضة» بدلًا من أداة مساعدة.
فى عصرٍ أصبحت فيه التقنيات الذكية رفيقًا يوميًا للإنسان، يبدو أن الذكاء الاصطناعى لم يكتفِ بتغيير شكل حياتنا، بل غيّر أيضًا طريقة تواصلنا وعلاقاتنا. ففى الوقت الذى يعِد فيه بالسرعة والراحة، تتزايد التقارير التى تحذر من الآثار النفسية والاجتماعية لهذه الأدوات الذكية، حيث تُشير إلى أن الاستخدام المفرط لها قد يعزز العزلة ويُفاقم الوحدة، مما يفتح الباب واسعًا أمام الإصابة بالاكتئاب فهل أصبح الذكاء الاصطناعى حلقة وصل جديدة أم حائطًا عازلًا بين البشر؟
أصبح الذكاء الاصطناعى جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية من روبوتات المحادثة التى تقدم النصائح إلى التطبيقات التى تحاكى التواصل البشرى، بات الاعتماد عليها يزداد يومًا بعد يوم إلا أن هذا الاعتماد يحمل فى طياته خطرًا يتجاوز مجرد الفضفضة والراحة، حيث تشير الدراسات إلى أن التفاعل الافتراضى لا يمكن أن يحل محل الروابط البشرية الحقيقية. دراسة أعدتها جامعة ستانفورد عام 2023 أكدت أن ما يزيد على 62% من الأشخاص الذين يعتمدون بشكل كبير على الذكاء الاصطناعى شعروا بانخفاض كبير فى جودة حياتهم الاجتماعية.
الأرقام تتحدث
تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2023 إلى أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الشعور بالوحدة والانطوائية تضاعف بنسبة 30% خلال العقد الماضى. كما أن 40% من الشباب الذين يقضون ما يزيد على 5 ساعات يوميًا فى التعامل مع الذكاء الاصطناعى، أو التطبيقات الذكية أظهروا أعراضًا اكتئابية حادة. وأبرزت دراسة من جامعة كامبريدج أن60% من العلاقات الأسرية تأثرت سلبًا بسبب استبدال التواصل الشخصى بالرسائل النصية والمكالمات الافتراضية.
أضرار جسيمة
الاعتماد على الذكاء الاصطناعى يتسبب فى تقليص التفاعل الحقيقى، ما يؤدى إلى تآكل الشعور بالدفء الاجتماعى والانتماء. هذا الانفصال العاطفى يُعتبر من أهم مسببات الاكتئاب.
ويؤكد د.«جيمس هورن»، أستاذ علم النفس بجامعة أكسفورد، أن «استخدام التكنولوجيا كبديل للعلاقات الحقيقية يعيد برمجة أدمغتنا لتقبل العزلة، لكن مع الوقت تتحول هذه العزلة إلى أزمة نفسية يصعب التعامل معها».
لا شك أن الذكاء الاصطناعى أداة قوية قادرة على تحسين الحياة اليومية، لكن التحدى يكمن فى استخدامها بشكل واعٍ. الحل لا يكمن فى التخلص من التكنولوجيا، بل فى إيجاد توازن بين استخدامها وبين تعزيز العلاقات الإنسانية المباشرة.
الحلول قد تشمل تخصيص وقت يومى للتواصل الواقعى مع العائلة والأصدقاء، وفرض سياسات تحدّ من الاستخدام المفرط للأدوات الذكية.
مزايا وتحديات
فى النهاية، الذكاء الاصطناعى سلاح ذو حدين. إذا أُحسن استخدامه، يمكنه أن يكون وسيلة لتعزيز العلاقات وتحسين جودة الحياة. أما إذا تُرك دون ضوابط، فقد يصبح عاملًا أساسيًا فى تعميق العزلة وفتح الطريق إلى الاكتئاب. التحدى الأكبر أمام المجتمعات الآن هو الموازنة بين الراحة التى توفرها هذه التقنية وبين حماية القيم الإنسانية الأساسية.
هذا ما يؤكده د.محمد مراد، استشارى الطب النفسى وعلاج الإدمان، فيقول إن التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعى، تحمل فى طياتها مزايا عديدة، لكنها فى الوقت نفسه تشكل تحديات خطيرة على الإنسان فى المدى البعيد.. وأشار د.مراد إلى أن الذكاء الاصطناعى بدأ كأداة لتعزيز البحث وتوفير المعلومات بسهولة، لكنه سرعان ما تطور ليصبح بديلاً للإنسان فى بعض الوظائف والمجالات.
«عندما بدأ الحديث عن الذكاء الاصطناعى، كان الهدف الأساسى منه مساعدة الإنسان فى الوصول إلى المعلومات من مصادرمتعددة بشكل أسرع وأكثر دقة، لكن اليوم نرى أن دوره توسع ليصبح بديلاً عن البشر فى العديد من الأنشطة، سواء فى البحث أو حتى فى تقديم الاستشارات».
تراجع الجهد العقلى
وأوضح أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعى يؤدى إلى تراجع الجهد العقلى للإنسان، حيث بات العديد يعتمدون عليه لإنجاز المهام دون بذل أى مجهود ذهنى.
وأضاف: «هذا التراجع فى النشاط العقلى يؤثر سلباً على القدرات الذهنية والوظائف العقلية للإنسان، وهو أمر مقلق للغاية».
كما لفت إلى التأثير السلبى للذكاء الاصطناعى على العلاقات الإنسانية، مشيرًا إلى أن الاعتماد على الآلات فى التفاعل أدى إلى تقليل التواصل الإنسانى المباشر.
وقال: «نرى الآن أن البعض يفضلون التحدث مع أنظمة الذكاء الاصطناعى بدلاً من التواصل مع البشر. هذا يعزز العزلة الاجتماعية، حيث يفقد الإنسان عنصر المشاعر الإنسانية فى تواصله مع الآخرين».
وحذر د.مراد من الترويج لفكرة أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يكون بديلاً عن الأطباء النفسيين أو للبشر بشكل عام مشيرا إلى أن هناك من يدعو لاستخدام الذكاء الاصطناعى كأداة للتعامل مع المشكلات النفسية، لكن الحقيقة أن هذه الأنظمة تقدم حلولًا سطحية. فهى تفتقر للقدرة على التحليل النفسى أو الغوص فى أعماق المشكلات النفسية، مما يؤدى إلى تفاقم الأزمات بدلاً من حلها.. واختتم د.مراد حديثه بالتأكيد على أهمية التوازن فى استخدام التكنولوجيا قائلا إنه بلا شك أن الذكاء الاصطناعى أداة قوية، لكن لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون بديلاً كاملاً للإنسان. الاعتماد الكلى عليه سيؤدى إلى كوارث اجتماعية ونفسية على المدى البعيد. يجب أن نتعامل مع التكنولوجيا بحذر، وأن نحافظ على العلاقات الإنسانية والمجهود العقلى كأساس لحياتنا.
بيئة خصبة
أما د.جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، فأكد أن الذكاء الاصطناعى وفر بيئة خصبة للأشخاص ذوى الميول الانطوائية التى نشأت لديهم نتيجة البيئة التى ترعرعوا فيها دون الانخراط مع أصدقاء وعائلة.
وأوضح د.فرويز أن الحل هو الاعتدال فى الاستخدام وتقويم النشأ منذ الصغر واندماجهم فى المجتمع حتى لا يصبح لديهم ميول للعزلة والشعور بالاكتئاب وبالتالى الاتزان فى استخدام مثل هذه الأدوات التى لا يجب أن تغنى عن البشر.. وأضاف استشارى الطب النفسى، أنه لا بديل عن البشر ومع أى تطور يمثل خطورة على الأفراد الذين يعانون من الوحدة والإرهاب الاجتماعى ووجدوا فى مثل تلك التطبيقات صديقا مثاليا يحميهم من الشعور بالخجل الملازم لهم دائما نتيجة إفراطهم فى الانغلاق على أنفسهم، ولا يعارضهم فى آرائهم بل دائما ما يتفق معهم عند طرح حل لمشكلاتهم، ويغنيهم عن خوفهم من الانتقادات السخرية التى يخشون دائما التعرض لها فى حياتهم الاجتماعية مما يعطيهم شعورا من الأمان الزائف.
ويرى د.جمال فرويز أستاذ الطب النفسى أنه ممكن لأدوات الذكاء الاصطناعى أن تكون خطرا على العقل البشرى، لأنه يركزعلى الحفظ بعيدا عن الإبداع والذى يعتبر من أهم مهارات العقل، وأضاف فرويز أن أى ذكاء اصطناعى لا يمكن أن يتطور إلا من خلال الإنسان، ولكن هناك معضلة وهى أن الناس ممكن أن تستخدمه بشكل سلبى، وأشار خبير الطب النفسى إلى أن الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعى فى التطبيقات مثل واتس اب وفيسبوك له تأثيرات نفسية وعقلية واضحة.. كما أن الاعتماد المفرط على هذه التقنيات قد يؤدى إلى نوع من الكسل العقلى. فالعقل البشرى يعمل بشكل أفضل عندما يُستخدم بانتظام فى التفكير والتحليل وحل المشكلات وإذا تراجع استخدام هذه المهارات بسبب الاعتماد على الذكاء الاصطناعى، فقد نشهد حالات من الضمور التدريجى فى وظائف التفكير العليا.
كما أن الذكاء الاصطناعى قد يؤثر سلبًا على التفاعل الإنسانى، حيث تعتمد العلاقات الاجتماعية بشكل متزايد على الرسائل الآلية والتفاعلات غيرالحقيقية، مما يؤدى إلى ضعف المهارات الاجتماعية والإصابة بالعزلة أو القلق الاجتماعى.
ويختتم فرويز: «ومع ذلك، فإن التأثير النفسى ليس دائمًا سلبيًا. الذكاء الاصطناعى قد يساهم فى تقليل التوتر من خلال تسهيل الحياة اليومية، لكنه يحتاج إلى استخدام واعٍ ومتوازن. التحدى يكمن فى إبقاء العقل البشرى نشطًا ومستقلًا، بحيث يكون الذكاء الاصطناعى أداة مساعدة، وليس بديلًا عن التفكير البشرى.»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.