في زمنٍ يموج بالتقلبات والأحداث السريعة، يظلّ الرضا بقضاء الله من أعظم القيم التي تمنح الإنسان قوة على مواجهة الصعاب وراحة في قلبه مهما كانت الظروف. فالإنسان لا يستطيع أن يتحكم في كل ما يجري من حوله، لكنه يستطيع أن يتحكم في نظرته للأحداث، ويختار أن يرضى بما قسمه الله له. الرضا ليس استسلامًا للواقع ولا دعوةً إلى السلبية، بل هو إيمان عميق بأن كل ما يقع في حياتنا هو جزء من حكمة إلهية لا ندرك أبعادها كاملة. قال تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" [البقرة: 216]، فربما يحمل البلاء في طياته منحة، وقد يُخفي الحرمان خيرًا أعظم من العطاء. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الرضا، فكان يحمد الله في السراء والضراء، ويعلّم أصحابه أن السعادة ليست بكثرة المال ولا بالجاه، وإنما في قلبٍ مطمئن راضٍ عن الله في قضائه. اليوم نحن في أمسّ الحاجة لاستعادة هذه القيمة في حياتنا، فالقلق من المستقبل، والحزن على الماضي، والتذمر من الحاضر كلها مشاعر تسرق طمأنينة القلب. لكن حينما يوقن الإنسان أن ما كُتب له لن يخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، تزول المخاوف، ويثبت القلب على الطمأنينة. إن الرضا لا يعني أن نكفّ عن السعي أو أن نرضى بالكسل، بل أن نبذل ما في وسعنا ثم نسلّم النتائج لله مطمئنين إلى حكمته. فالمؤمن الراضي يعيش في راحة داخلية تجعله أقوى من الأزمات، وأكثر قدرة على التعايش مع الآخرين بروح إيجابية وسلام. ويبقى الدعاء الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم خير ختام: "اللهم رضّني بما قسمت لي، وبارك لي فيه، واخلف عليَّ كل غائبة بخير بخيت الواحي مدرب وباحث بالمجلس القومى لحقوق الإنسان