بعد شهرين من الآن، تُكمل إسرائيل عامها الثاني في حربها المستمرة على قطاع غزة، بالتوازي مع تصعيدها العسكري المتواصل في الضفة الغربية. ورغم حالة النشوة التي يعيشها اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية، المستندة إلى استهداف المدنيين والبنية التحتية في قطاع غزة وسعيه لتحويل ضلالات تهجير الفلسطينيين قسراً إلى الخارج لإعادة الاستيطان في قطاع غزة وتكثيفه في الضفة الغربية إلى واقع، فإن المتأمل في الداخل الإسرائيلي يُدرك بوضوح أن إسرائيل ما بعد 7 أكتوبر 2023 ليست كما كانت قبله. لطالما خضعت قرارات الحرب في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لعنصرين أساسيين هما: الاجماع الوطني، أو العمل برأي المتخصصين من قادة الجيش. وفي هذه الحرب المستمرة على قطاع غزة تخلت الحكومة الإسرائيلية عن هذين العنصرين لصالح بقائها السياسي حتى موعد الانتخابات المقبلة في العام 2026، وإرضاء لليمين المتطرف الذي يهدد يومياً بالخروج من الائتلاف الحكومي، الأمر الذي أدى إلى تنامي القلق على المستويين العسكري والشعبي من استنزاف إسرائيل عسكرياً واقتصادياً ونفسياً. أعطى هذا القلق زخماً لحركة الاحتجاج الشعبية التي تقودها عائلات الأسرى الإسرائيليين وأكسبهم تعاطفاً من مؤسسات، ونقابات، واتحادات، وحتى من ضباط سابقين وحاليين في الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى قوى المعارضة السياسية الذين يضغطون جميعهم على الحكومة الإسرائيلية للاستجابة لمقترحات الوسطاء المصريين الداعية إلى وقف نهائي للحرب وإعادة كافة الأسرى الإسرائيليين وفتح المعابر التي تغلقها إسرائيل وإدخال المساعدات والبدء في ترتيبات اليوم التالي من إعادة إعمار وترتيبات إدارة قطاع غزة فلسطينياً. لم يعد يخفى على حكومة اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو مقدار تآكل ثقة الجمهور في قيادتهم على كافة المستويات. فمع ضبابية أهداف الحرب واستحالة تحقيق ما هو معلن منها، تعمّق الانقسام بين المؤسسة العسكرية والحكومة، وتآكلت قوة الردع التي لطالما تباهت بها إسرائيل أمام مواطنيها، وإنهاك القوى البشرية للجيش وزيادة الانفاق العسكري على حساب بنود أخرى في الموازنة الحكومية، وانحسار السياحة، وتراجع النمو الاقتصادي، واختلال العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الدولة ومواطنيها خصوصاً مع إصرار أحزاب الحكومة الدينية على التهرب من التجنيد فبات عبء الخدمة العسكرية على فئة دون غيرها، وأهم من هذا كله هو تضرر صورة ومكانة إسرائيل على المستوى الدولي لانتهاكها المستمر للقانون الدولي والاتفاقات الدولية مثل اتفاقية جنيف الرابعة. يرى المحللون للشأن الداخلي الإسرائيلي أن الورقة المصرية الأخيرة لمقترحات وقف إطلاق النار هي السبيل الوحيد لإنهاء هذه الحرب العبثية. ففي مقال في صحيفة هآرتس العبرية صباح أمس، ناشد عاموس شوكن حكومته بالاستجابة للمقترحات المصرية لوقف الحرب، لأنها الجهد الحقيقي الملموس الذي من شأنه إخراج إسرائيل من ورطتها العسكرية في قطاع غزة، وأن الثقة بالورقة المصرية ينبع من الثقل الإقليمي الذي تحظى به مصر وقدرتها على التأثير كدولة وازنة في الشرق الأوسط. الشروخ والتصدعات في جدار الثقة بين المواطن الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية تتسع وتزداد يوماً وبعد يوم، فبات المواطن العادي يدرك أن حرب حكومة اليمين المتطرف على قطاع غزة لم تعد تخدم إسرائيل، بل تخدم أحزاب الائتلاف الحكومي الذين تتهاوى شعبيتهم في استطلاعات الرأي وباتوا رأس منفصل عن جسد المجتمع.