شاءت الأقدار أن أبدأ حياتي العملية بعد التخرج من الجامعة، مدرسًا مؤقتًا في إحدى المدارس الحكومية، كانت تجربة مليئة بالتفاصيل والتحديات، خرجت منها بقرار واضح، إذا رزقني الله بأبناء، فسألحقهم بمدارس خاصة، تجنبًا لمشكلات عايشتها عن قرب، ولكن لسنا الآن في حاجة لفتح ملفاتها. مضت السنوات، والتحق أبنائي بالفعل بمدارس خاصة، عشت تجربة مغايرة تمامًا، وجدت فيها التزامًا أخلاقيًا وسلوكيًا وتعليميًا يستحق الإشادة، صحيح أن الضغوط المالية كانت حاضرة طوال الوقت، لكنها لم توقفني عن الاستمرار، كنت أعتبرها جزءًا من رحلة «الاستثمار في مستقبل أولادي». لكن الأوضاع تغيرت، الأزمة الاقتصادية لم تستثن أحدًا، ولم أكن خارج الدائرة، المصروفات الدراسية تحولت إلى هاجس يلازمني ليلًا ونهارًا، حتى بعد «المعافرة» ودوامة «الجمعيات»، ظل العبء أكبر من طاقتي. هنا اتخذت قرارًا صعبًا، أن أنقل أبنائي إلى المدارس الحكومية، بدأت رحلة التحويل منذ العام الماضي، لكنني اصطدمت بعقبة الكثافة، فإدارة أوسيم التعليمية في الجيزة لا تضم سوى مدرسة تجريبية واحدة بها فصول ثانوي، هي «دار الهدى التجريبية الرسمية للغات»، بعد جولات مرهقة انتهت محاولتي بالفشل، فخرجت مكرهًا متقبلًا ما كتبه الله، رغم إدراكي أن الضغوط المالية تجاوزت حدود الاحتمال. مع اشتداد الأزمة، قررت ألا أكرر أخطاء العام الماضي، وسلكت مبكرًا طريق التحويل هذا العام، سلسلة جولات لا تنتهي، من المدرسة إلى الإدارة، ومن الإدارة إلى المديرية، والوقت يقترب من إعلان نتيجة التحويلات، ومعه يتجدد السؤال، هل يرفض طلبي مرة أخرى؟ أم تنجح محاولتي هذه المرة؟..وهل من حقي كأب أن أجد مكانًا لأبنائي في المدارس الحكومية؟.