" إذا أردت أن تكون بوقا دعائيا، اترك الصحافة واعمل فى العلاقات العامة" هذا اقتباس لنصائح قدمها الصحفى ديفيد راندال كبير محررى الأخبار فى صحيفة الإندبندنت فى كتابه الرائع "الصحفى العالمى" – ومن هنا أرى أن القائمين على أمر الإعلام الرسمى المصرى أصبحوا غير قادرين على التمييز بين الأمن القومى المصرى وأمن النظام لأنهم وببساطة تحولوا إلى مجرد كائنات مجبرة وخاضعة للجنة السياسات بالحزب الوطني، لا يملكون القدرة على الاختيار وغير قادرين على مقاومة الإغراءات المادية والمعنوية، ومن ثم فقد تحولوا إلى مجرد بوق أو موظفى علاقات عامة أو "كتبة أخبار". فقد أثبت هذا الإعلام من خلال تغطيته لهولوكوست غزة أنه ما زال يعيش زمن الإعلام الموجه لا موضوعية ولا مهنية ولا مصداقية، ففى وسط المجازر وحمامات الدماء التى تراق والدمار والأشلاء المتناثرة فى الطرقات وبين الركام والخرائب ورائحة الموت التى زكمت أنوف الشرفاء فى كل الأرض نجد هذا الإعلام وقد تفرغ لتصفية حسابات النظام مع خصومة السياسيين، إيران وحزب الله وحماس وسوريا والإخوان المسلمين الذين اعتبرهم أكثر خطرا على مصر من إسرائيل، كما أنهم راحوا يتاجرون بتاريخ مصر وبدم أبنائها الأحرار الشهداء ليحققوا نقاط ومكاسب سياسية وليدغدغوا عواطف ومشاعر الشعب. كما راحوا يهاجمون حماس وهى تدافع عن شرف وكرامة الأمة وعن دم شعبها الذى يراق أمام أعينها ويحملونها مسئولية ما يحدث من مجازر، وهذا ما استغلته ليفنى عندما قالت إن مصر وعباس يحملون حماس المسئولية، كما راحوا وفى تحدى سافر وفاجر للمشاعر يعايرون سوريا على الاحتلال الإسرائيلى لهضبة الجولان، وكأن ما يكتبونه لا يمس كرامة المصرى قبل السورى؟! وواصلوا هجومهم الشرس على إيران خصمهم اللدود، المثير للاستغراب إنهم يلومون إيران لعدم تقديمها يد العون لغزة ولا يسألون أنفسهم ماذا قدموا هم سوى الصمت واستجداء إسرائيل ومهاجمة الضحية ليل نهار وتحميلها مسئولية ما يحدث، لقد سقطت ورقة التوت عن الإعلام المصرى وأثبتت هذه الأزمة أنه إعلام بلا موضوعية لأن الموضوعية فى اللحظة الراهنة كانت تتطلب منه أن يقف بجانب الضحية لا بجانب الجلاد، كانت تتطلب منه أن يرتفع فوق الصغائر وأن ينحى تصفية الحسابات السياسية جانبا، فاعتقد أن الدماء التى تراق على أرض فلسطين وصراخ الأطفال وآهات الثكالى كانت تتطلب من كل ذى قلب وضمير حتى لو لم يكن مسلما أن يسموا بأخلاقه وقيمه وإنسانيته فوق المناصب والكراسى والمصالح الشخصية, وأن يقول كلمة حق فى وجه سلطان جائر، الإعلام الرسمى المصرى لم يكتفى بالمتاجرة بتاريخ مصر بل راح يتاجر بدم الضابط المصرى الذى استشهد عند معبر رفح فى تبادل لإطلاق النار مع الفارين من جحيم الصهاينة وإمعانا فى التضليل لم يذكر أن هناك شهداء أيضا من الجانب الفلسطينى، استغل هذا الإعلام الذى سقط أخلاقيا قبل أن يسقط مهنيا دم الشهيد وراح يشهر بحماس من أجل التحريض وتأليب الشعب عليها ومن أجل إخماد النيران المشتعلة فى قلوب الشعب المصرى مما يحدث فى غزة. الآلاف فى غزة يقتلون ويصب فوق رؤوسهم الجحيم والحمم البركانية تنزل فوق رؤوسهم ليل نهار، ونحن نحرض على الضحية وننسى أن إسرائيل قتلت جنودنا وأبناءنا بدم بارد ولم يحرك هذا الإعلام البطل ساكنا، الإعلام الرسمى المصرى تعدى وبشكل سافر على الثوابت العربية والإسلامية، لقد قلب هذا الإعلام الموازين والثوابت، وخلط بين الأمن القومى وأمن النظام، وحول الجلاد إلى ضحية والضحية إلى جلاد، لقد نال هذا الإعلام من هيبة مصر ومكانتها، وقوى من هيبة ومكانة وشوكة الكيان الصهيونى المغتصب، الإعلام المصرى الرسمى الذى بدا وكأنه يروج ويبرر العدوان على غزة بلومه الدائم وهجومه الشرس على حماس وجميع المقاومين والمناهضين للمشروع الصهيوأمريكى فى المنطقة، ألا يستحق ذلك وقفة من نقابة الصحفيين التى تنتفض على الصحف الخاصة والمستقلة والحزبية بتهم سب وقذف رموز الحزب الوطنى، أين مصلحة مصر فى كل ما يحدث؟ هل مصلحة مصر فى تقوية المقاومة أم فى إضعافها؟ هل سقوط حماس لمصلحة مصر أم لمصلحة إسرائيل؟. الإعلام الرسمى المصرى الآن يعيش مرحلة التخبط والفوضى، وعليه أن يعود إلى رشده وأن يراجع حساباته، وأن ينظر للمصلحة العليا للأمة لا للمصلحة الضيقة لصالح فئة معينة، إذا لم نغير استراتيجيتنا الإعلامية وخطابنا الإعلامى فسوف نبقى كالدبة التى قتلت صاحبها بدون أن تدرى، وهذا ما يفعله الإعلام الرسمى المصرى الآن.