الصبر ليس انكسارًا كما يظنه العجولون، ولا هو انتظارٌ صامت بلا نهاية كما يتوهمه المتذمرون، الصبر هو فن التماسك حين تُصر الحياة على اختبارك، وهو القوة التي تلبسها القلوب لا الأجساد، والدرع الخفي الذي يحمي الروح من الانهيار حين تتكالب عليها الأيام. الصبر ليس استسلامًا، بل وعي عميق بأن الأشياء العظيمة لا تأتي على عجل، وأن ما يُطبخ على نار هادئة يكتسب نكهة لا تشبه استعجال اللحظات، هو أن تُمسك على الألم دون أن تصرخ، وأن تزرع الأمل في أرض قاحلة دون أن تسأل السماء متى تمطر. هو أن ترى الباب مغلقًا فلا تكسره، بل تنتظر من خلفه قدرًا أجمل، أن تتلقى الضربة دون أن تردّها، لا ضعفًا، بل يقينًا بأن العدل لا يغيب، وأن حسابات الله لا تُخطئ، وإن تأخرت في توقيتنا الأرضي. الصبر حكاية طويلة، تبدأ من أول وجع ولا تنتهي إلا على أعتاب الفرج، حكاية لا تُروى بالكلمات، بل تُكتب بالدمع المكبوت، بالنَفَس العميق، وبالابتسامة التي تخرج رغم الانكسار، من يصبر لا يعيش أقل، بل يعيش أعمق، لأنه يتعلم كيف يُرمم شقوق قلبه دون أن يُريها لأحد. في عالم يحترق بالسرعة، بات الصبر فضيلة من زمن نقي، أصبح من يصبر كمن يسبح عكس التيار، يحمل في صدره إيمانًا بأن الفرج لا يُستجلب بالضجيج، بل بالسكينة، أن التأخر لا يعني الحرمان، بل التمهيد لأجمل مما كنا نظن. والصبر لا يكون فقط على الألم، بل على الناس، على الأذى، على سوء الفهم، على الظروف التي تعاكس كل ما تمنيناه، أن تصبر يعني أن تحترف الانتظار دون أن تفقد نفسك في زحمة الحزن، أن تظل واقفًا حين يجلس الجميع، وتُكمل الطريق حين يتوقف الآخرون. الصبر مدرسة لا يتخرج منها إلا القادرون على كبح جماح الندم، على تقليم أظافر الغضب، على تمرير المواقف الثقيلة دون أن يفتحوا نوافذ الكراهية، من يصبر يعرف أن الانفجار سهل، لكن أن تُطفئ نيرانك بصمت، هذا هو الإنجاز الحقيقي. وأجمل ما في الصبر، أنه لا يذهب هباءً، لا دقيقة تُحتسب عليه تضيع، ولا دمعة تسقط في صمته تُنسى، هو خزنة من الدعوات المخبأة، تفتح حين تظن أن الأمل قد نفد، هو وعد سماوي بأن كل مُرّ له نهاية، وكل ضيق له مخرج، وكل غصة لها شفاء. فاصبر، لا لأنك لا تملك غيره، بل لأنه أقوى ما تملك، وكن واثقًا أن بعد كل صبر، هناك فرج لا يشبه شيئًا، يأتيك لا لأنك استحققت، بل لأنك احتملت.