في لحظة ما، نشعر وكأن الدنيا أغلقت أبوابها، وكأن الفرح ضلّ طريقه، وكأن الحزن كتب علينا إقامته الجبرية، تتوالى الخيبات، وتتزاحم الهموم، حتى نكاد نصرخ: "لماذا أنا؟"، ولكن، في كل ضيق حكاية فرج لا يُرى، وفي كل عتمة وعدٌ بنورٍ سيولد من رحم الألم. "ما ضاقت إلا وفرجت"، ليست مجرد عبارة تتردد على الألسنة، بل عقيدة خفية تسكن القلوب التي اختبرت القسوة وعرفت طعم الانكسار، كم من قلب ظن أن لا خلاص، ثم استيقظ ذات صباح على صوت فرجٍ لم يكن في الحسبان، وكم من روح كادت تيأس، فجاءها الفرج كرسالة مطوية من السماء، مضمونها: "اصبر، فالخير قادم". الله لا ينسى، ولا يغفل، ولا يُمهل ليُهمل، الجبر قادم، وإن تأخر في توقيتنا البشري، فإنه محسوب في توقيت السماء بالدقة والرحمة، لا شيء يضيع، لا دمعة، لا تنهيدة، ولا دعاء في جوف الليل، كل ما مررت به يُخزّن في ذاكرة القدر، ليعود إليك طمأنينة ورضا وهدوءًا لم تكن تتوقعه. لا تحزن إن ضاقت بك السبل، فالضيق باب من أبواب التغيير، يُعيد ترتيب أولوياتك، يُطهّر قلبك من التعلق، ويقودك ولو مرغمًا إلى حيث الخير الحقيقي، كل ما تظنه نهاية، قد يكون بداية لا تشبه أي بداية مضت، وكل منع، ما هو إلا حماية مغلّفة بالتأخير. والله، حين يمنع، لا يظلم، وحين يؤخر، لا يُقصي، هو فقط يخبّئ لك الأفضل، لأنك ربما لا تراه الآن، لكنه يراه لك من حيث لا تدري. اختياراته لا تُفهم في لحظتها، لكنها تُبهرك حين تكتمل الصورة. وما أجمل جبر الله، حين يأتي على مهل، كنسمة تُداوي جرحًا دون أن تفتح مكانه، كرسالة تُطمئن القلب: "لقد كنت معك، وسأبقى"، حين يُجبر الله قلبك، لا تعود كما كنت، بل أقوى، أهدأ، وأكثر يقينًا بأنك لم تكن وحيدًا أبدًا. نعم، ستُجبر، وستُضيء العتمة، وستفهم يومًا أن كل دمعة سالت كانت تمهيدًا لفرحة طاهرة، أن كل شيء تأخر، كان يفسح الطريق لما هو أروع، وأن الألم الذي أثقل صدرك، سيصبح قصة يُروى بعدها: "ما ضاقت إلا وفرجت". فلا تفقد إيمانك، لا بك، ولا بالحياة، ولا بالله، فالذي كتب عليك الضيق، هو نفسه من وعدك بالفرج، فاصبر، واطمئن، فإن لك ربًا لا ينسى، وإن طال الانتظار، فالثقة به أوسع من كل ضيق.