عندما يدرك الإنسان منا المفاهيم المرتبطة بعقيدته بصورة صحيحة وفق السياق الواردة به، وعندما يمارس ما من شأنه يترجم ماهية تلك المفاهيم فى تعاملاته، وسلوكياته مع ذاته، والآخرين من حوله؛ ومن ثم يتكون الإيمان الخالص بثمرتها، وضرورتها فى حياته، كونها تنير له الطريق، وتنقذه من براثن الظلام، والضلال، وتعينه على إعمال الفكر فى ضوء براهين، وشواهد ترقى لمستوى اليقين؛ فإن هذا فى مجمله يشير إلى صورة للوعى الديني. الوعى الدينى أبعاده المعرفية، والسلوكية، والوجدانية متناغمة، ولا تنفصل عن بعضها البعض؛ لذا يؤدى الإنسان منا ما عليه من واجبات، فى ضوء معرفة صحيحة بها، وهذا يرسخ المعتقد فى الوجدان، ويضبط الانفعالات، والمشاعر، فى الاتجاه القويم، الذى من شأنه يزيد من مراحل الإيمان، وهنا لا نربط عمق الإيمان، ودرجته بالوعى فى مجمله؛ لكنه مؤشر نحكم به على تجذر المعتقد فى النفس. ماهية الوعى الدينى أرى أنها تنظم حياتنا فى صورها المختلفة؛ فيجعل تعاملاتنا جاذبة للآخرين، وتوحد صفوفنا حتى أثناء أداء الشعائر، وتقوى الروابط بين المجتمعين، وإن لم يكن هناك صلة للدم؛ ومن ثم تشكل حالة من الاندماج المجتمعي، والعقائدى على حد سواء؛ لذا تجد حالة من التكيف مع سبل البر، والتقوى، ورأى جامع لكل ما من شأنه أن تنفر من النفوس التى جبلت على الطيب من الفعل، والقول. تعاليم العقائد لها قدسية لدى من يمتلك هذا النمط من الوعي؛ فنلاحظ أن الوازع الدينى لديه بمثابة أداة تقيم السلوك، وتقوم الممارسة غير السليمة؛ ومن ثم تخلق نفس لوامة تجعله يراجع أفعاله؛ فيستحسن الطيب منها، ويستبعد ما ينفر الغير، وهذا ما نراه فى مجتمعات يتشكل لديها رأى عام، يقوم على عقيدة صحيحة، ووعى دينى معتدل؛ فتجد حالة من التكاتف، والتراحم، والسعى نحو ما يشكل ماهية المعروف، والبعد عن صور ما تستنكره الأنفس، وهنا نتفهم فلسفة الوعى الدينى للمجتمع قاطبة. عقائد السماء تحض على قيم نبيلة، لا تختلف ماهيتها من عقيدة إلى أخرى، وهنا ندرك أن الوعى الدينى ينبرى على منظومة من القيم النبيلة التى تعطى للإنسان منا قناعة فى التصرفات، وقوة فى ممارسة صحيح الفعل؛ فمرضاة الله – تعالى – تشكل المحك الرئيس للفرد، بغض النظر عن عادات، وتقاليد قد تكون مبتدعة من قبل إناس قد خرج تفكيرهم عن سياج ثوابت، ومقاصد العقائد السماوية؛ فسارت فى طريق نصفها بالمبتدع فى جملته. ثمرة ماهية الوعى الدينى القويم نرصده فى رضا صاحبه؛ حيث إن ميوله، ودوافعه، واتجاهاته تتكون بشكل طبيعى نحو وجدان راق؛ يترجمه التعامل الظاهر منه، والخفي؛ فنجده يتعاون، ويتشارك، ويتعاطف، ويقدم أفضل ما لديه للآخرين؛ فيصبح عطاؤه مستدامًا، بغض النظر عن مقابل آن؛ فلديه قناعة بأن الخير باق فى الدارين، وعندما يختلى بذاته تجده يبحث عن ضروب الخير الخفية؛ كى يقوم بها بعيدًا عن شهود العيان، وهذا ما نصفه بعمق الإيمان. الاعتقاد الخالص بأن الله – تعالى - بيده وحده مقاليد الأمور، من دعائم الوعى الدينى فى سائر العقائد السماوية؛ ومن ثم يصبح السلوك السوى اتصافا، لا ينفك عن الإنسان فى حياته، مهما تباينت الأحوال، وتغيرت مجرياتها وتوالت أحداثها، وهذا ناتج عن صفاء داخلي، وضمير حي، يخشى المعصية، وتوابعها، ويتجنب أذى الغير، مهما تعددت الأسباب؛ فتوكله على ربه – عزوجل- حاكم فى كليته لتصرفاته؛ فنجد نوايا حسنة تتوافر فيما يؤدى من أفعال، وما يسرد من أقوال. الوعى الدينى واحة هادئة، نستطيع من خلالها أن نغرس جملة من القيم النبيلة، التى تحافظ على أغلى كيان فى الوجود، وهو الإنسان؛ فنضمن ولاؤه، وانتماؤه لوطنه، ولصحيح معتقده، ويتأكد لدينا محبته للإعمار وفق قناعة تامة بالمهمة، التى خلق من أجلها، وهى استخلافه فى الأرض؛ ومن ثم نؤكد على ضرورة تنمية هذا النمط من الوعى لدى فلذات الأكباد منذ المهد.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع. أ.د/ عصام محمد عبد القادر أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة - جامعة الأزهر