سلطنة وطرب مع سوزان مختار في حضن التاريخ

حينما يعانق الفن والموسيقي والصوت الأصيل الحضارة والتاريخ فأنت في حفلات بيت السحيمي بشارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية في قلب مدينة القاهرة، فقد حضرت مؤخرا حفل للفنانة سوزان مختار في هذا المكان الساحر، في بيت السحيمي تزامنا مع عيد ميلادي ، وكانت فرحتي كبيرة جدا في ذلك اليوم ووجودي في ذلك المكان التاريخي الذي يحمل قيما جمالية في العمارة العثمانية، كمتحف مفتوح لفنون العمارة الإسلامية، وكمركز للإبداع الفني حيث يستضيف مطربين ومطربات و فرق التراث الشعبي بمختلف أنواعها من فنون موسيقية وفن الأراجوز وفن خيال الظل.
سوزان مختار
زاد جمال " بيت السحيمي " بالنسبة لي في وجود حفل لمطربة أصيلة استمتعت بصوتها فهي تجيد التجول والتلوين فى أي لحن تؤديه مثلها مثل عظماء الطرب والسلطنة: أم كلثوم، وشادية، وصباح ، وعبد الحليم حافظ وشريفة فاضل، ووردة ، وذكري ، وتذكرت وأنا في حالة السلطنة في تلك الحفلة ما قاله لي من قبل الراحل عمار الشريعي في حوار أجريته معه وسألته: كيف يحدث المطرب حالة السلطنة لدي السميعة، فقال لي : بصوته ومعايشته للكلمات واللحن من خلال مقامات محددة، وأشهرها البياتى والسيكا والصبا فهي تصنع حالة السلطنة، وبراعة المطرب تاتي في نقله هذه الحالة للسميعة .
كلما أسمع المطربة سوزان مختار في أي حفلة أجد نفسي في حالة "سلطنة"، وهي حالة الطرب، والانسجام والاندماج مع صوت المطرب أو المطربة ومع الموسيقى التي يسمعها الإنسان والرغبة في الاستماع أكثر وأكثر، والسلطنة بالنسبة للمطرب تعنى الاندماج فى الحالة الغنائية، مثلما يندمج الممثل فى الشخصية التى يلعبها، وهذا ما استشعره في كل حفلات المطربة الأصيلة سوزان مختار التي تندمج وتعيش حالة اللحن فتنقل لمستمعيها حالة السلطنة.
اقبال جماهيري كبير علي حفل المطربة سوزان مختار

حفل المطربة سوزان مختار ببيت السحيمي
سوزان مختارمطربة أصيلة، وصوت مصري قوي نقي، أشبهه بالمرمر المصري الأبيض الذي يتمتع بالقوة والجمال، وفي حفل " بيت السحيمي " الذي لاقي اقبالا جماهيريا كبيرا كانت تصول وتجول ببراعة وسلاسة في الألحان الخاصة بها مثل أغنيتها " من الآخر كده " و" زي بعضه " و" فاتك تشوف "، وجميعها أغاني تثبت بها أنها مطربة لها طعم ولون متفرد بها، ولها شخصيتها في الغناء فهي ليست شبيهة لأحد من المطربات، بل أنها حتي عندما تغني أغاني لمطربات ومطربين آخرين تفرض شخصيتها، وهذا مل لمسته حينما استمتعت لها بالحفل في اغنية " جارة السقاين لشريفة فاضل، فقد ظهر في أدائها للأغنية شخصيتها وأسلوبها الغنائي الذي اختلف عن شريفة فاضل وعن محمد منير الذي قام بغنائها من قبل، وكذلك في أغاني " يانا يانا " لصباح ، و" إن كنت ليا وأنا ليك " لشادية ، و" أنا بعشق " لميادة الحناوي، و" اسمعوني " لوردة ، و" سيرة الحب " لأم كلثوم ، و" قارئة الفنجان " لعبد الحليم حافظ، وغيرها من الأغاني التي وضعت في برنامج ذلك الحفل المميز.
سوزان تفاعل معها جمهور الحفل وهي مطربة ذكية استطاعت أن تصنع حالة طربية وبهجة لجمهورها باختياراتها للأغاني، وبالتحديد أغنية الفنانة شادية " إن كنت ليا وأنا ليك " فقد استعانت بعازفين متخصصين في المزمار والعزف علي الآلات الشعبية الإيقاعية، وقدمت لنا بصوتها وأدائها الحركي حالة مبهجة، وأمتعتنا بأغنية تراثية تناسب طبيعة وشكل المكان الذي تغني فيه بما يحمله من أسلوب عربي ومعمار شرقي .
سوزان مختار في حفلها ببيت السحيمي
سوزان مختار تستحق الدعم وأن تقدم حفلات أكثر وأكثر في أماكن مساحاتها أكبر، وأن تستدعيها المهرجانات الكبرى مثل مهرجان الموسيقي العربية، ومهرجان القلعة وغيرها، وأشكر وزارة الثقافة وصندوق التنمية الثقافة بقيادة المعماري حمدي السطوحي، وفريق عمل بيت السحيمي بقيادة الدكتور علاء فتحي، وكل العاملين بصندوق التنمية الثقافية وأخص منهم بالذكر الأستاذ محمد البنان لأنهم يقدمون لنا مواهب غنائية أصيلة في فضاءات ثقافية تاريخية ، كما أشكر الدكتور أسامة البسيوني رئيس قطاع شمال القاهرة للسياحة والآثار علي مساهماته في إنجاح الحفل .