طال مشوار أحمد زكي في رحلة (النجومية) لأسباب عديدة يتمحور معظمها حول ظروف نشأته شديدة القسوة منذ وفاة والده وزواج والدته التي تركته لمشاعر اليتم والوحدة في مدينة صغيرة. غابت فكرة (الشلة) عن دائرة أحمد المحدودة وهو أمر وفر له حماية نسبية من (التخبط) والضغائن، ولكن على المستوى الآخر حرمته من الاستمتاع بفكرة الصداقة ضمن دائرة اجتماعية صعبة مثل أوساط المثقفين المصريين في السبعينات وما بعدها.. طوال معرفتي بأحمد زكي وهي مدة طالت لأكثر من 20 سنة – لم أعرف له صديقا حميما (سوى ممدوح وافي في سنواته الأخيرة).. كانت سهراته ولياليه يقضيها مع أشخاص مختلفين وشديدي التنوع. كانت موهبته الصارخة مع نفوره الغريزي من الناس، وتوجسه من أي علاقة قريبة تكرس له (عداءات) غير مبررة، مثل أن يتكبد ممثل له ظروف نشأة شبيهه ك يونس شلبي عناء الصعود على سلم خشبي حاملا قماش وبويه لتشويه اسمه من أفيش مدرسة المشاغبين، بالإضافة طبعاً للمقالب و(الرذالات) التي كان يتفنن بها نجوم العرض ذاته.. وهو أمر تحسن قليلاً في (العيال كبرت) رغم إصرارهم على منح زكي أدوار الشخصية (الجادة) ثقيلة الظل والتي نجح أحمد في الإفلات بجملة واحدة وهي (نعم الله عليك يا حبيبي) حولت الشخصية إلى نوع من الطرافة لم يكن معهودا في مثل هذه الأعمال. كان جيل مخرجي السبعينيات والثمانينيات يبحثون عن بطل جديد يجسد أفكارهم ورؤاهم لسينما مختلفة تقتحم الشارع المصري من خلال شخصيات عادية شكلاً وروحاً.. بطل لا يضع مكياجا على وجهه ولا يأبه حتى ب (سيشوار) شعره ولا التأنق الزائد في ملبسه ولغة جسده.. وفي نفس الوقت كان هؤلاء هم (منقذو) زكاوه من حرب التجاهل وخشية الموهبة.. فكانت أفلام محمد خان وخيري بشارة وعلى بدرخان وعاطف الطيب وعلي عبد الخالق أطواق نجاة لموهبة متفجرة وسلالم مجد لشخص لا يبرع في إقامة (صداقات) تتيح له الإستمرار.. وليس سراً أن النجوم الكبار المعاصرين لأحمد لم يحبوه ولا يقبلوا صداقته (الصعبة في كل الأحوال).. ولم يشارك أحمد في فيلم يجمعه بنجوم كبار سوي في فيلم (اسكندرية ليه) ليوسف شاهين.. والحقيقة أن أحمد نفسه كان يرفض مجرد قراءة عمل يجمعه مع آخرين إلا بشرط واحد هو أن يتصدر أسمه (الأفيش) وهو بالطبع ما زاد من عزلة إرادها لنفسه. وهي عزلة حرمت السينما المصرية من أفلام هامة لو كان بطلنا قد نجح في التخلص من (مرارات) الماضي وتوجسات وشكوك حاصرت كل علاقاته المهنية وحتى العاطفية. كان زكي حريصاً على تصدير صورة الرجل الكريم عن واقعة الجديد كرد فعل على معاناة لم ينس مراراتها أبداً.. وفي رأيي أن (الكرم) لم تكن صفة أصيلة لديه وكنت اشتبك معه كثيرا عند محاولته دفع الحساب أو (إجبارنا) على تناول طعام أو شراب في الوقت الذي يختاره.. أو أنه يأتي حاملاً مأكولات في (عزومه) منزلية مما يغضب زوجتي وتعتبره نوع من (قلة الذوق).. كنت أفهمه وأراهن على قدرته في النهاية على تمييز العلاقات المخلصة عن علاقات المهنة التي لم يكن يحمل لها أي احترام. كما أن (حضور) أحمد في مواقع التصوير لم يكن يسعد العاملين للأسف نتيجة توتره الدائم والزائد عن الحد فكان عمال الموقع أو الأستوديو يقارنون بينه وبين نجم مثل رشدي أباظة أو نور الشريف الذي كانوا يقيمون علاقات صداقة مع كل العاملين ويعرفون أسماؤهم وأسماء أولادهم ويتناولون معهم الطعام.. إلخ.. وهو أمر لم أر أحمد يفعله أبداً. في رأيي أن معجزة أحمد زكي أنه قدم للسينما كل ابداعاته دون ثقافة تسنده أو تميزه فهو لم يكن يقرأ ولا يشاهد أفلاما كثيراً ولا يرتاد منتديات ثقافية أو تشكيلية وليست له هموم سياسية واضحة ولم يكن له (مشروع يبحث عن تجسيده على الشاشة فكان ينتظر السيناريو كاملاً ليقبل به أو يرفضه ولم يشز عن ذلك سوي في أواخر أيامه بحماسة لفيلمي (السادات) و (حليم).. وهما فيلمان أفسدهما في رأيي تدخله في السيناريو توجها وروحاً. زكي المعجون بالموهبة التلقائية كان تمرداً على واقع صعب وعندما قال عنه عمر الشريف ان افتقاد (اللغة) هو ما حرمه من (العالمية) لم يكن دقيقاً فالأصل هو الثقافة الشاملة التي تفتح أبوابا لتنوع أمام الموهبة وتنظم التلقائية وتعيد ترتيب الألويات لكي تصنع الفنان الاستثنائي. رحم الله فناننا الكبير.. خسارتنا الفادحة في فقده المبكر تثير الشجون وتجدد الأحزان