شهدت الساحة التجارية العالمية تحولات ملموسة بعد إعلان الولاياتالمتحدة عن حزمة جديدة من التعريفات الجمركية على وارداتها من عدة دول كبرى، وهذا التوجه، الذي يُعد من أبرز التحركات الحمائية في السياسة التجارية الأمريكية في السنوات الأخيرة، فتح المجال أمام دول بديلة لإعادة تموضعها في خريطة التجارة الدولية، ومصر من بين أبرز المستفيدين المحتملين. هذا التطور العالمي يحمل في طياته فرصة ثمينة لمصر، خاصة في ظل التغيرات في تدفقات التجارة وسلاسل التوريد، فمع ارتفاع الكُلفة الجمركية على المنتجات القادمة من دول مثل الصين والهند، تتاح أمام المنتجات المصرية مساحة أكبر للمنافسة في الأسواق الأمريكية والأوروبية، شريطة أن تحسن القاهرة استغلال تلك اللحظة. القطاعات الإنتاجية ذات الكثافة العمالية، مثل الصناعات الجلدية والمنسوجات والملابس الجاهزة، هي الأكثر قدرة على تحقيق مكاسب في هذا السياق، فهذه القطاعات تملك بالفعل قاعدة صناعية وتصديرية يمكن البناء عليها، كما أن اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها مصر مع عدة تكتلات دولية تمنحها ميزة إضافية في النفاذ للأسواق دون أعباء جمركية ثقيلة. من ناحية أخرى، يتطلب تحويل هذه الفرص إلى مكتسبات فعلية تفعيل عدة محاور؛ أبرزها تطوير قدرات التصنيع، والاهتمام بمواصفات الجودة العالمية، وتبني سياسات واضحة لدعم سلاسل الإمداد، لا سيما في ظل المنافسة الإقليمية المتزايدة، وفي ظل سعي الشركات العالمية إلى تقليص اعتمادها على موردين من الدول التي فُرضت عليها رسوم جمركية مرتفعة. تبدو مصر في موقع مؤهل لجذب استثمارات مباشرة في قطاعات التصنيع المُوجّه للتصدير،وهذه الاستثمارات يمكن أن تمثل ركيزة مهمة لتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز فرص العمل، خاصة في المناطق الصناعية الجديدة، كما أن موقع مصر الجغرافي الفريد، إلى جانب تحسن البنية التحتية اللوجستية، يعزز من قدرتها على أن تكون مركزًا إقليميًا لإعادة التصدير، ومع استمرار الحكومة في تطوير الموانئ والطرق، يصبح الطريق ممهدًا لاحتضان أنشطة تجارية وصناعية ذات طابع دولي، ومع ذلك، فإن تحويل تلك التحديات العالمية إلى فرص اقتصادية يتطلب تنسيقًا محكمًا بين القطاعين العام والخاص، وتبني رؤية اقتصادية طويلة المدى تتعامل بمرونة مع التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية. • مقرر مساعد لجنة الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي بالحوار الوطني