فى زيارة تاريخية للقاهرة التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون، الذى استهل زيارته الرسمية لمصر، بجولة داخل المتحف المصرى الكبير، حيث شاهد القطع الأثرية، وتفقد قاعات العرض الرئيسية، تبعتها جولة أخرى بخان الخليلى بالقاهرة، ثم توقف الرئيسان أمام مقهى أديب نوبل نجيب محفوظ لتناول العشاء فى ذلك المكان الخالد القديم. والمتابع لتاريخ مصر سيجد أن الفرنسيين لهم حضور دائم، فالجالية الفرنسية موجودة وحاضرة، ومن الكتب التى تحدثت عنهم كتاب "الجالية الفرنسية فى مصر 1929- 1949) ل نشوى عبد القادر، وكتب تقديما للكتاب الدكتور عاصم الدسوقي. وجاء فى تقديم الدكتور عاصم: فى عام 1535 م عقد السلطان العثمانى سليمان القانونى اتفاقية مع فرانسوا الأول ملك فرنسا بأن يتمتع رعايا الدولتين بالإقامة فى بلد الآخر دون قيود ودون مضايقات وهو ما عرف بالامتيازات الأجنبية التى شجعت دول أوروبية أخرى على عقد اتفاقيات مماثلة مع الدولة العثمانية. وعلى حين أفادت تلك الدول من هذه الاتفاقيات حيث أخذ رعاياها يفدون إلى مصر تبعا للتجارة والإقامة والتبشير فى حرية ودون مضايقات لم يستفد المصريون منها بنفس الدرجة إلا من سافر فى بعثة دراسية وخاصة إلى فرنسا بعد ذلك يزمن طويل لعل أهمها وأشهرها بعثات محمد على باشا الدراسية فى مطلع القرن التاسع عشر. وعلى هذا شهدت مصر توافد الفرنسيين إليها للعيش فيها فى حماية تلك الامتيازات شأن كثير من شعوب أوروبا، وأخذوا يعملون بالتجارة، ثم فى الشركات الصناعية التى بدأت تتأسس فى مصر - وخاصة بعد الثورة الصناعية فى نهايات القرن الثامن عشر والحاجة إلى الأسواق الخارجية ومناطق المادة الخام اللازمة للصناعة. وآنذاك لم يكن هناك فرق بين أولئك الفرنسيين وغيرهم من الأوروبيين وبين المصريين الذين كانوا مجرد رعية شأن غيرهم من أهالى ولايات الدولة العثمانية فى المشرق العربى بلاد الشام والعراق، إذ كان الجميع يخضعون لسلطة الدولة العثمانية إلا فيما يتعلق بالامتيازات، فأصبح الفرنسيون يمثلون جالية أجنبية فى مصر - شأن سائر رعايا الدول الأجنبية. وأخذ شأنهم يزداد تدريجيا وخاصة بعد افتتاح قناة السويس للملاحة (نوفمبر 1869م) فأخذت كل جالية تنشئ مدرسة لأبنائها ومستشفى ومن هنا كانت المدرسة الفرنسية، والمستشفى الفرنسى والمدرسة الإيطالية والمستشفى الإيطالي.. إلخ. وتمتع أولئك الأجانب بقدر من الاطمئنان أكثر وأكثر فى ظل احتلال بريطانيا لمصر (1882م). فلما أصدرت بريطانيا تصريح 28 فبراير 1922م فى أعقاب ثورة 1919م بأن مصر مملكة مستقلة، بدأت السلطات المصرية تبحث فى كيفية الخروج من التبعية العثمانية ثم الانجليزية، فكان صدور قانون الجنسية المصرية فى عام 1929م للخروج من نطاق الرعوية العثمانية. وعندئذ أصبح المصرى هو من يقيم فى أرض مصر بشكل دائم قبل الحرب العالمية الأولى ومن يريد أن يكون مصريا عليه التقدم بطلب للحصول على الجنسية. والحال كذلك أصبح الأجنبى الذى لم يتقدم بطلب للحصول على الجنسية غير مصري، وأصبح ينتمى إلى الجالية التى تمثله خاصة أن الأجنبى والحال كذلك كان يتمتع بالامتيازات التى سبقت الإشارة إليها ومن هنا تأتى أهمية هذه الدراسة التى أعدتها د. نشوة كيلانى عن الجالية الفرنسية فى مصر - بين عام 1929 م أى عام صدور قانون الجنسية المصرية، وعام 1949 م وهو عام إلغاء هذه الامتيازات الفعلى بعد مرور الاثنى عشر عاما كمرحلة انتقالية بناء على قرار إلغائها رسميا فى 1937م. مقدمة نشوة عبد القادر الجالية الفرنسية من أقدم الجاليات التى عاشت فى مصر، وكان لهم فيها مصالح اقتصادية منذ زمن قديم ربما يعود إلى زمن الحروب الصليبية، وقد كان الفرنسيون شديدى الاهتمام بمصر حتى قبل مجن حملة بونابرت (1798م - 1801 م)، الأمر الذى لفت أنظار بعض الباحثين ومن ثم أقدم بعضهم على دراسة تاريخ الأجانب فى مصر بشكل عام، وجاءت الجالية الفرنسية فى تلك الدراسات عرضا ودون تخصيص، ومن هنا رأيت أن أتناول دراسة الجالية الفرنسية كنموذج للجاليات الأوربية فى مصر خلال الفترة التى تبدأ بصدور قانون الجنسية المصرية عام 1929م والتى لم يكن لها وجود من قبل. مرورا بمعاهدة مونترو لإلغاء الامتيازات فى عام 1937م، حتى الإنهاء التام لها فى عام 1949م بعد فترة انتقال دامت اثنى عشر عام. وكانت فرنسا من أشد الدول معارضة لإلغاء الامتيازات لما لها من مصالح كبيرة داخل القطر المصري، وقد أثر إلغائها على الوجود الفرنسى فى مصر حتى لقد فكر كثير من الفرنسيين فى العودة إلى بلادهم، حيث كانوا يعتمدون فى بقائهم فى مصر على مصالحهم الاقتصادية أكثر من أى جالية أخرى. ومن هنا تأتى هذه الدراسة لتوضيح الدور الذى لعبته الجالية الفرنسية فى مصر فى هذه الفترة فى النشاط الاقتصادى والاجتماعى والثقافي، بل والسياسى وعلى هذا الأساس قسمت الرسالة إلى أربعة فصول وتمهيد. وقد تناولت فى التمهيد مفهوم الجنسية بشكل عام وتطور قوانينها فى مصر فى العصر الحديث وصولا إلى قانون عام 1929م، والتعريف بالأجنبى ووضعه فى مصر قبل إصدار هذا القانون، ووضعه فى ظل الامتيازات الأجنبية، ومحاولات إلغاء الامتيازات. وتناولت فى الفصل الأول وعنوانه "الاستثمارات الفرنسية الحرة" دراسة النشاط الاقتصادى للجالية الفرنسية من حيث حركة رأس المال، والمؤسسات الاستثمارية ذات الرأسمال الفرنسى الصرف والشركات الاحتكارية التى منحت حق الامتياز. وفى الفصل الثانى وعنوانه الاستثمارات المختلطة تناولت دراسة المؤسسات المختلطة من بنوك وشركات التى ساهم الفرنسيون فيها بنسبة من رأس المال. وفى الفصل الثالث وعنوانه "الحياة الاجتماعية" تناولت فيه دراسة الحياة الاجتماعية للجالية الفرنسية فى مصر من حيث عددها وانتشارهم فى القطر المصري، وعلاقتهم بالجاليات الأجنبية الأخرى وعلاقاتهم بالمصريين إلى جانب المهن التى زاولوها والوظائف التى تولوها فى الحكومة المصرية. أما الفصل الرابع وعنوانه " النشاط الثقافى والسياسى " فقد تناولت فيه النشاط الثقافى والسياسى للجالية الفرنسية من خلال التعليم الفرنسى فى مصر - بافتتاحهم مدارس دينية وغير دينية، وأهداف هذه المدارس، كما تناولت الصحف التى أصدروها فى مصر خلال فترة الدراسة، وكذا النشاط السياسى الذى انخرطوا فيه سواء فى الحركة الشيوعية أو الصهيونية أو الماسونية والانقسام السياسى الذى انتاب الجالية الفرنسية فى مصر أثناء الحرب العالمية الثانية بعد سقوط باريس. ومن الصعوبات التى واجهت الباحثة خلال الدراسة صعوبة الحصول على إحصاء عام لموظفى الحكومة المصرية خلال فترة الدراسة يبين عدد الموظفين الفرنسيين وتوزيعهم بين الوزارات هذا إلى جانب كثرة الصحف الصادرة باللغة الفرنسية فى مصر والتى كان منها ما أصدرته جاليات أجنبية أخرى غير الجالية الفرنسية أو أصدرها مصريون، مما يصعب معه تحديد الصحف الخاصة بالجالية الفرنسية فى مصر.