هل واجهت مديرًا لا يريد سماع المشاكل التي تتعرض لها المنظمة، ويركز فقط على سماع أن الأمور تسير بخير؟ يواجه العديد من المديرين تحديًا عندما يتعلق الأمر بمواجهة المشكلات الحقيقية في منظماتهم. في بعض الأحيان، يرفض المديرون الاستماع إلى المشاكل الحقيقية التي قد تعرقل سير العمل، ويصرون على سماع أن الأمور تسير على ما يرام فقط، قد يكون هذا ناتجًا عن رغبتهم في الحفاظ على صورة إيجابية أمام مرؤوسيهم أو رؤسائهم في الهرم التنظيمي، ورغم أن هذه الصورة قد تكون مغرية على المدى القصير، فإن تجاهل الواقع أو إخفاء المشاكل الحقيقية قد يؤدي إلى تدهور الوضع في النهاية. إن عدم الاستماع إلى ملاحظات واقتراحات الموظفين وأخذ هذه المقترحات على قدر من الاهتمام، قد يعرض المنظمة لخطر فقدان فرص قيمة للتحسين، وقد تكون هناك أيضًا عواقب سلبية إضافية، بما في ذلك انخفاض مشاركة الموظفين، ومن المرجح أن يكون الموظفون المحبطون أقل تركيزًا وأقل كفاءة وأقل احتمالية لبذل جهد إضافي لتقديم عمل عالي الجودة؛ مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية. أجرت شركة "Leadership IQ" استطلاعًا شمل أكثر من 27,000 موظف، وأظهرت النتائج أن 53% من الموظفين يشعرون بأن مديريهم لا يقدرون ولا يشجعون اقتراحاتهم لتحسين الأداء. ونتيجة لذلك، يفقد هؤلاء الموظفون الحافز للمشاركة في تطوير بيئة العمل، ويقتصرون فقط على تنفيذ المهام الموكلة إليهم دون المُبادرة بأي تحسينات أو ابتكارات إضافية. إن المدير الذي يرفض الاستماع إلى المشاكل الحقيقية ويركز فقط على الجوانب الإيجابية قد يسقط في فخ "السفينة الغارقة"، التي قد تبدو على ما يرام ظاهريًا، لكنها تعاني من مشاكل عميقة تحت السطح، عندما يُحرم الفريق أو المنظمة من الاعتراف بالمشاكل وتصحيح مسارها، فإن النتائج تكون غالبًا مؤلمة، وقد تكون العواقب غير قابلة للإصلاح على المدى الطويل. في العلوم الإدارية، يُستخدم مصطلح "السفينة الغارقة" للإشارة إلى الوضع الذي يبدو فيه كل شيء جيدًا، بينما في الواقع الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ أو تتدهور بشكل تدريجي. هذا المصطلح يعبر عن حالة من الإنكار أو تجاهل المشاكل الحقيقية التي قد تؤدي في النهاية إلى أزمة. ومن الأسباب التي تؤدي إلى التجاهل المتعمد من المديرين للمشاكل، الرغبة في الحفاظ على صورة معينة للمؤسسة، في بعض الأحيان، قد تبدو المنظمة أو الفريق مُتماسكًا ومنظمًا من الخارج، بينما تكون هناك مشكلات داخلية تؤثر على الأداء والإنتاجية، كما قد يخشى المدير اتخاذ القرارات الضرورية لتصحيح مسار الفريق أو المنظمة خوفًا من رد الفعل أو التغيير، كما قد ينشغل المديرين في مُعالجة الأمور الصغيرة والنشاطات اليومية على حساب مُعالجة المشكلات الأكبر أو الإستراتيجية طويلة المدى، اللجوء إلى الحلول السطحية التي لا تعالج الجذور الحقيقية للمشكلات، مما يؤدي إلى إبقاء السفينة " تطفو" على السطح لفترة من الوقت قبل أن تغرق. من خلال هذه الأسباب وغيرها، يؤدي تجاهل أو إخفاء المشاكل الحقيقية إلى عدم القدرة على تحقيق تقدم حقيقي، مما يهدد استدامة نجاح المنظمة أو الفريق على المدى الطويل. إذن، من الضروري أن يكون المديرين مستمعين جيدين لمشاكل فريقهم، حيث لا يقتصر النجاح على مجرد تنفيذ المهام اليومية، بل على الاستماع إلى ملاحظات الموظفين وشكواهم هذا يُسهم في إيجاد حلول مُبتكرة وفعالة؛ فالموظف الذي يشعر أن صوته مسموع ومشارك في تحسين بيئة العمل هو موظف أكثر التزامًا وإنتاجية، كما أن الشكاوى قد تكون فرصة لفهم المشكلات الداخلية التي قد لا تكون ظاهرة للإدارة، مما يُسهم في تطوير الأداء العام وتحقيق بيئة عمل صحية ومتوازنة. كما يجب أن يتبنى المديرون إستراتيجية واضحة للتعامل مع المشاكل بدلاً من تجاهلها، والعمل على إيجاد حلول تُساهم في استقرار وتطور المنظمة على المدى الطويل، إن مفتاح وجود ثقافة تنظيمية صادقة هو وجود قادة يمكنهم الاستجابة للقضايا الصعبة بشكل بناء. في الختام، نجد أن تجاهل المديرين للمشاكل الحقيقية داخل منظماتهم ليس مجرد خطأ إداري عابر، بل هو بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت، كما أن السفينة الغارقة التي تبدو سليمة من الخارج بينما تتعرض للغرق من الداخل، كذلك الحال بالنسبة للمنظمات التي يتجاهل قادتها مشكلاتها، قد تظهر هذه المنظمات مستقرة ظاهريًا، ولكنها في الواقع تسير نحو الهاوية. الاستماع الفعال لآراء الموظفين وتشجيعهم على التعبير عن مخاوفهم ومقترحاتهم، وكذلك تبني ثقافة تنظيمية شفافة وصادقة، ليس مجرد اختيار، بل هو شرط أساسي لضمان استدامة النجاح؛ فالقائد الحقيقي ليس من يتجاهل المشاكل أو يتهرب منها، بل من يتعامل معها بشجاعة وحكمة، ويعمل على إيجاد حلول جذرية تبني أساسًا متينًا للمستقبل. لذا، يجب أن نتذكر دائمًا أن "السفينة الغارقة" لا تغرق بين عشية وضحاها، بل تبدأ بتسريبات صغيرة تتراكم بمرور الوقت، والمفتاح الحقيقي للنجاح يكمن في الكشف المُبكر عن هذه التسريبات ومُعالجتها قبل أن تتفاقم، المنظمة التي تستثمر في الاستماع إلى موظفيها، وتتبع نهجًا استباقيًا في حل المشكلات، هي التي ستتمكن من الإبحار بثقة نحو النجاح المستدام والازدهار.