تصريحات متضاربة وبيانات مختلفة ومعلومات لم يتم تأكيد صحتها حتى الآن، كل هذا بلور فى النهاية حرباً إعلامية جديدة بين مصر وإسرائيل حول الاتفاقية الأمنية لمنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، والتى وقعتها تل أبيب وواشنطن مطلع الشهر الجارى بأيدى وزيرة خارجية إسرائيل تسيفى ليفنى ونظيرتها السابقة كوندليزا رايس، لتضمن إسرائيل وحليفتها الأولى من هذه الاتفاقية منع وصول أية أسلحة إلى حركات المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس. أول ملامح هذه الحرب الإعلامية، تشكلت بعدما أكدت الصحف الإسرائيلية فى تقاريرها، أن مصر التى رفضت الاتفاقية الأمنية عند توقيعها، عادت لتوافق مجدداً على الاتفاقية، وذلك من خلال المساعدة فى تنفيذ بنودها، لتأتى هذه الموافقة متناقضة تماماً مع الاعتراض المسبق الذى أبدته مصر بخصوص هذه الاتفاقية، وهو الاعتراض الذى أعلنه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط من خلال وصفه للاتفاقية بأنها "لا تلزم مصر". كما أوضحت الصحف أن موافقة القاهرة على الاتفاقية الأمنية، سيجعلها تسمح لخبراء أمنيين أمريكيين بتدريب جنود حرس الحدود المصريين على اكتشاف أنفاق تهريب الأسلحة إلى غزة، وتحديد أماكنها بواسطة معدات أمريكية متطورة تسهل اكتشاف الأنفاق التى تربط بين رفح المصرية وقطاع غزة، وستسمح أيضاً لملحقين عسكريين ومهندسين أمريكيين متواجدين بالسفارة الأمريكية فى مصر، بمراقبة الحدود المصرية مع قطاع غزة بصفة دورية، وبكتابة تقارير وافية عن أداء الجنود المصريين فى اكتشاف وتدمير أنفاق تهريب الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، أوردت الإذاعة والصحف الإسرائيلية نتائج اللقاء الذى جمع مؤخراً بين عاموس جلعاد المبعوث الأمنى لوزارة الدفاع بإسرائيل وبين المسئولين المصريين، موضحة أن أهم نتائج هذا اللقاء كانت موافقة مصر على ترتيبات أمنية جديدة مع إسرائيل تحد من تهريب السلاح براً أو بحراً من سيناء إلى قطاع غزة، وتسمح بزيادة قوات حرس الحدود المصرية على امتداد الحدود مع إسرائيل من 750 جندياً إلى 1500 أو 2250 جندياً، وذلك بجانب تأكيد إذاعة إسرائيل أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على هذه الترتيبات الأمنية، بعدما أطلعها عليها عاموس جلعاد بمجرد انتهاء زيارته لمصر. وهنا، جاء دور القاهرة لتنفى بعد ساعات قليلة ما أعلنته إسرائيل، حيث نفت الخارجية المصرية على لسان متحدثها حسام زكى توقيع أى اتفاقية أمنية مع إسرائيل لمنع تهريب الأسلحة، مؤكدة أن الإدارة المصرية تقوم برعاية حدودها بنفسها ولا ترغب فى اختراق تلك الحدود عبر أى اتفاق. وأوضح زكى لقناة الجزيرة أن إعلان تل أبيب عن ذلك الاتفاق يعتبر دعاية تصاحب اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، مشيراً إلى أن زيارة عاموس جلعاد للقاهرة كانت لبحث ترتيبات التهدئة فى قطاع غزة، ولمناقشة فتح المعابر، ولتأمين الحدود بين الجانبين بناء على المبادرة المصرية، مع تأكيده على رفض القاهرة وجود أى أجنبى على أراضيها. ولكن تل أبيب لم تتوانَ فى الرد على النفى المصرى للاتفاقية، وجاء الرد عبر تأكيد عاموس جلعاد بنفسه للشبكة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلى، على أن مصر قادرة على وقف تهريب الأسلحة من أراضيها إلى قطاع غزة، قائلاً إن "مصر على استعداد غير مسبوق لوقف تهريب الأسلحة"، كما أكد وزير الدفاع إيهود باراك على الجهود المصرية لمنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، كما ذكر باراك الترتيبات الأمنية التى عقدتها القاهرة وتل أبيب لوقف ظاهرة تهريب الأسلحة خلال لقاء جلعاد مع المسئولين الأمنيين فى مصر. وأخيراً أعلنت الصحف العبرية الأسبوع الجارى، عن إرسال مصر لوفد من مهندسيها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ليتدربوا على اكتشاف وتدمير أنفاق تهريب الأسلحة، وأوضحت الصحيفة أن التدريب يأتى فى إطار قبول مصر للاتفاقية الأمنية بين إسرائيل وأمريكا، مؤكدة الصحف على إرسال خبراء أمريكيين للحدود المصرية لمراقبة تهريب الأسلحة لغزة عبر الأنفاق، وقيام السلطات المصرية بتركيب كاميرات ومعدات ضابطة للحركة على الحدود بهدف وقف تهريب الأسلحة. عدة تساؤلات تأتى هنا لتطرح نفسها بقوة، أهم هذه التساؤلات هى: ما حقيقة هذه الحرب الإعلامية بين إسرائيل ومصر؟، وهل وافقت مصر على الاتفاقية التى كانت ترفضها بعدما تعرضت لضغوط أمريكية جعلتها تقبل التعاون مع إسرائيل فى هذه الاتفاقية؟ وهل تسببت هذه الضغوط فى اضطرار الخارجية المصرية لنفى تنفيذ الاتفاقية مع إسرائيل خوفاً من ردود الأفعال الغاضبة تجاهها سواء من داخل مصر أو من خارجها؟ وهنا يظل احتمال قائم يرمى إلى أن تنفيذ الاتفاقية بين الجانبين قد يكون تم بشكل سرى، خوفاً من ردود الأفعال الشعبية الغاضبة.