انتحر أغلب محترفى العمل بالسياسة من أجل الخروج بأفضل المكاسب لدرجة استحداث مناصب (نوّاب إبليس باشا شخصياً) كيما يضمن كل فائزٍ به الأمان والمستقبل المالى الدافئ لنفسه ولزوجته ولأولاده ولعائلته ولرفقائه.. ولا عزاء أو ديّة لجثث من هم دون ذلك.. والأمر ببساطة لا يعدو كونه نظرة براجماتية بحتة.. فالمنصب فى حد ذاته كان ومايزال مجرد مجاملة من المسؤول لأصدقائه.. (حتّه طريّة).. يرتع فيها وينعم بخيراتها وليست كما يشاع أنه كرسى لخدمة المحتاجين من أبناء الوطن.. ولا يصل إليه إلا مستحقه.. أو على الأقل من يسعى لتحقيق مقتضيات المنصب الذى شغله. دعنا نتخيل أن بناءً حقيقياً يتم لمدينة تسمّى (الشباب) ولا أحد يدرى من أين جاء هذا التوصيف.. وما هى مواصفات هؤلاء الشباب الذين يسمى مشروع الشباب باسمهم.. هل هو شباب القلب أم شباب الجيب.. وبالقطع لم يكن المعنى المقصود هو شباب العمر.. لأن تلك المشروعات تستعصى على العجائز من محدودى الدخل والموظفين النزهاء ممن لا يفتحون الدرج ولا يمدون اليد للاستجداء.. فإذا افترضنا أن الشاب ممن سُمّى المشروع خطأً باسمه قد جن أو أخذته العظمة والعزة وقرر أن ينتسب لأى من مشروعات تحمل لافتة الشباب.. وهنا تكون الكارثة الكبرى.. هو بالقطع متهم بالجنون.. فأنّى لمثله أن يحلم بامتلاك مبالغ غريبة تحوى أصفاراً خمسة أو حتى أربعة !! بينما هو بالكاد يتمكن من توفير قوت يومه. ولقد اكتشفنا ببركة الأولياء الجدد آلاف الأفدنة المنهوبة من أراضى مصر وذبحنا أنفسنا صراخاً فى كل وسائل الإعلام لعل أى منّا يفوز بحتة أرض ولا شاليه ع البحر.. ولكن أى من الصرخات لم يعد على صاحبها بأى منفعة.. فما زال سعر المتر فى أحط شقق مدينة الشيخ زايد لا يقل عن ألف جنيه.. بينما يصل أعلاها لعشرة آلاف جنيه للمتر.. (ولو ربنا كرمك بموظف ولا وسيط يقاولك على التقديمة) ولن تقل عن خمسين ألف جنيه ويتبقى لك ثمانمائة جنيه قسطاً شهرياً حتى تبلغ السن القانونية.. (وإن شاء الله ساعتها ممكن تتأهل وتكمّل نص دينك وتدخل دنيا تانية.. وتتوكل على الله وتتوفى!!) وهكذا الأحوال فى بقية (المدن اللاشبابية) والتى أطلقت عليها الحكومة أسماء رائعة تدعو للتفاؤل والانشراح.. فى محاولة لتسييل لعاب الحالمين بالمستحيل من الشباب الركض وراء سرابها المتصحّر.. وتقع تلك المدن فى محيط حزام القاهرة الناسف.. ومنها على سبيل المثال لا الحصر (مدينة سرقة أكتوبر..( (مدينة الغروب).. (مدينة أُحُد.. ( (مدينة الحرب). قتلتنا التصريحات الإعلامية للحكومة عن دعم الشباب ومشروعات الشباب والمستثمر الصغير أو القصير أو حتى الرضيع.. وهم قطعاً لا يعنون شباب الثورة.. لأنه لو علمت الحكومات المتعاقبة على السلطة فى مصر ما سيفعله هؤلاء الشباب لحرّمت تلك المرحلة العمرية ومنعت إصدار بطاقة الرقم القومى لهم! ليصبح تسجيل المواليد على مرحلتين من الميلاد إلى العشرين سنة.. ثم من الخامسة والأربعين حتى المقبرة !! وطبقاً لليمين الدستورية التى أقسمها كل من أعضاء الهيئة الموقرة لن يسمح لهذه الفئة العمرية بمجرد الظهور لأنها فئة غير مدرجة فى بيانات تسجيل المواليد فى مصر.. إلا من بعض من تمكنوا من الحصول على رشّة صغيرة من بودرة العفريت.. ثم تسللوا من بين أيدى الكهنة حرّاس المكان.. إلى أولى درجات السلم.. بينما يستفتح الكهنة صباحهم كل يوم بالوقوف فوق أصابعهم على أمل أن يضنيهم الألم فتفلت أيديهم!! دعونا نعترف بأن مرحلة الشباب فى مصر تبدأ فى الخمسينيات.. ومن عجائب الدنيا السبعة أن تجد مسؤولاً حقيقياً فى هذا الوطن قبل هذه السن.. والحقيقة أنه لم يخطئ من أقام هذه المدن والعقارات والأراضى والمشروعات فى تسميتها.. ولكن ما لم نفهمه نحن هو التعريف الاصطلاحى للشباب فى نظر النظام خلال العقود الماضية والحالية وربما المستقبلية.. فهو يعنى )شباب القلب) وليس كما نعرفه نحن بالمرحلة العمرية التى تقع بين العشرين والخامسة والأربعين! ما يرفضه المسؤولون المتعاقبون على اتخاذ القرار فى مصر هو أن أرض الوطن بحاجة للتقسيم.. لكل قطعة كابل كهرباء وماسورة مياه.. ودراسة جدوى عالمية يعدها الخبراء لمشروع شبابى مابين العشرين والأربعين من العمر.. يستغل كل الإمكانيات والثروات البيئية والسياحية التى تميز كل قطعة.. وقدر كبير من العزيمة والإصرار على عمل طويل وشاق من أجل الإصلاح.. ومن أجل التأكيد على نفض عقود من التعجيز والتهميش استأثر فيها عجائز الكرسى بامتيازاته وغنائمه مهما كانت النتائج ومهما بذلت من تضحيات ومهما أريقت من دماء.. فبعد أن تمكن بعض الشباب من العثور على علبة بودرة العفريت وعبور بوابة أى مشروع شبابى.. فما هى المواصفات التى تجعل منه مشروعاً أصلاً؟!! فلا فرص عمل بالمدن الشبابية المزعومة ولا مواصلات حقيقية ولا مستشفيات ولا مدارس.. ولكنها مجرد مأوى يبيت فيه.. وتظل الحاجة للارتحال يومياً نحو مركز الدولة بحثاً عن لقمة العيش.. ونعاود الصراخ والشكوى من التزاحم والتكدس الرهيب.. بينما اقترفته أيادينا!! مدير المركز القومى للمسرح.