الدستور المصرى الجديد يحمل الكثير من الجوانب المثيرة للجدل والأفكار، هناك العديد من الاتجاهات التى تريد التأثير على روحه وطريقة كتابتة. وإن كان الجميع يأمل فى دستور يقيم دولة ديمقراطيةجديدة، وقد تطور الفقه الدستورى كثيرا فيما يتعلق بكتابة الدساتير، لاسيما ضمان الحقوق فيوجد ثلاث مستويات فى التعرض لها المستوى الأول ذكر الحقوق، المستوى الثانى ضمان تطبيق هذه الحقوق، المستوى الثالث، التبعات المترتبة على عدم تطبيق الحقوق وكيفية تعويض المضارين وتعد المساواة أحد المبادئ الأساسية للديمقراطية و على اللجنة التأسيسية أن تأخذ فى الاعتبار أن المساواة بين الرجل و المرأة فى الدستور هو العمود الأساسى لتأسيس الديمقراطية السليمة. وقد تم تحذير الدول العربية فى تقرير التنمية الصادر عن الأممالمتحدة عام 2008 نظرا لعدم مراعاتها و عدم حرصها على تحقيق المساواة بين المرأة و الرجل و ما يسببه ذلك من تدهور لهذه الأمم فى مجال التجارة والتعلم والثقافة. وهناك الكثير من الدول فى جميع أنحاء العالم مرت بفترة انتقالية صياغة دستور جديد من أجل إقامة دولة ديمقراطية جديدة يمكن الاستفادة منها، مثل جنوب أفريقيا ورواندا وأفغانستان والعراق وكولومبيا وكندا وألمانيا... إلخ، حتى لو كانت الأحكام الدستورية أو القوانين لا تمثل الحل السحرى لمشاكل المساواة بين الجنسين، لكنها ساهمت فى تغيير السياسات على نطاق واسع فى الدول و كذلك فى ثقافات السكان. ولذلك قبل كتابة الدستور الجديد، ومن الهام أن نرى معالجة المساواة بين الرجل والمرأة لتفادى بعض الأخطاء فى الدستور الجديد . فالبنود الدستورية الخاصة بالمساواة بين الجنسين لها طريقتها فى الصياغة ومواضيعها الخاصة التى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار فى كل دستور دولة ديمقراطية و متحضرة. فلا يمكننا أن نفترض وجود المساواة بين الجنسين فى الدولة، إذا دستورها يتحدث فقط للرجال - نصف المجتمع فقط- مهمشا النصف الاخر منه، عن طريق استخدام الضمائر له أو عليه وخاصة فى بنود و شروط المشاركة السياسية. فالنساء يشعرن بطريقة أو بأخرى بالاستبعاد أو بعدم وضعهن فى الاعتبار نظرا لاستبعادهن من أهم وثيقة تنظم الدولة التى يعيشن بها وهو أيضاً القانون الأساسى والأسمى للبلاد وعلى الرغم من أنه ليس من المناسب أن تكون المرأة مذكورة فى الدساتير فقط عند التطرق للبنود التى تتعلق بالأمومة ومرحلة الانجاب، فهذا يعكس السياسة العامة للبلد ككل ويضيق أو يقيد دور المرأة فى المجتمع لهذين الدورين فقط . فمن المفروض أن يتم ذكر المرأة فى كل بند ينظم جوانب الحياة المختلفة، سواء العامة أو الخاصة مثل المواد التأسيسة او ما يطلق عليها أحيانا الديباجة و أحكام المساواة و الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و أيضا المشاركة السياسية. فالمصطلحات المعتمدة فى الديباجة أمر بالغ الأهمية : وينبغى إدراج إشارات محددة تهدف إلى إرساء مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، ويجب أن تتخلل الدستور بأكمله إشارات واضحة ومتكررة موجهة إلى "النساء والرجال"، بدلا من الإشارات أو الكلمات الغامضة أو الواسعة مثل كلمة الأشخاص والمواطنين أو الأفراد فالإشارة إلى الرجال والنساء فى الديباجة يعزز الفكرة القائلة بأن كلا من الرجال والنساء على قدم المساواة أمام الدستور و لهم نفس الحقوق والواجبات ويعاملون بطريقة متساوية خالية من أى تمييز. فالدستور الجزائرى الحديث والتعديلات فى الدستور المغربى 2011 والدستور الرواندى بهم أستخدام للتعبيرات التى توضح جليا أن سياسة الدولة قائمة على المساواة بين كل من النساء و الرجال، مثال دستور رواندا بعد الحرب الأهلية ينص فى الديباجة "الالتزام بضمان المساواة فى الحقوق بين الروانديين وبين النساء والرجال من دون المساس بمبادىء المساواة بين الجنسين والتكامل فى التنمية الوطنية" مبدأ عدم التمييز. جاءت المادة 19 من الدستور المغربى الذى أقر نهاية 2011 كنموذج على المستويات الثلاث فى التأكيد على الحقوق حيث لم يكتفى بذكر المساوة وانما تطرق الى ذكر هيئة لضمان تنفيذها حيث نصت على "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة فى هذا الباب من الدستور، وفى مقتضياته الأخرى، وكذا فى الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك فى نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء.وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. أيضا فى ظل دستور 1993 الانتقالى الخاص بجنوب أفريقيا و الذى تم العمل به حتى عام 1996 كوثيقة مؤقتة تهدف إلى تمهيد الطريق إلى حين اعتماد الدستور الدائم من الجدير بالذكر أيضا أن المحكمة الدستورية العليا بجنوب أفريقيا لعبت دورا كبيرا فى اعتماد الدستور الدائم الذى يتم العمل به حتى الآن. ففى وثيقة الحقوق بالدستور الجنوب الأفريقى يوجد قسم خاص بمبدأ المساواة و يعتبر أفضل الممارسات فى هذا المجال حيث ينص على أن: 1- الجميع متساوون أمام القانون و الحق فى الحماية المتساوية والاستفادة من القانون 2- المساواة تشمل التمتع الكامل بكل الحقوق و الحريات. فيجب سن التشريعات لتعزيز تحقيق المساواة و غيرها من التدابير تهدف لحماية الأشخاص و بعض الفئات من التمييز. 3- لا يجوز للدولة التمييز بشكل مجحف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ضد أى شخص لأى سبب من الأسباب سواء كان بسبب الجنس، النوع، العرق،الحمل، الوضع العائلى. الأصل العرقى أو الاجتماعي، أو اللون، الميل الجنسى، السن، الإعاقة، أو الدين أو العقيدة أو الثقافة أو اللغة أو الولادة. 4- لا يجوز لأى شخص أن يميز بشكل مجحف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ضد أى شخص لسبب واحد من الأسباب السابقة، يجب أن تسن التشريعات الوطنية لمنع أو حظر التمييز غير العادل.