في أثناء الإعداد لليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ذلك الذي كان لي شرف الإشراف على تنفيذه مع انتقال مقر المعرض من أرض المعارض القديمة إلى مركز مصر للمعارض كان السؤال الأكثر تداولا في ذلك الوقت حول انخفاض معدلات الإقبال على المعرض في مكانه الجديد، وكان أن سألني أحد المساعدين: هل تخشى عدم الإقبال على المعرض؟ فكانت إجابتي: إنني في الحقيقة أعد العدة لإقبال كبير يجب أن نستعد لتنظيمه. لم يصدقني السائل وقتها وظن أني متفائل بقدر زائد، لكني قلت له إنني أعرف جمهور المعرض جيدا، وهو ما كان بالفعل، حيث زيادة الإقبال من وقتها على المعرض بمعدلات تزداد من عام إلى آخر اعتمادا على الثقة التي زرعناها في هذا الجمهور منذ الدورة الأولى للمعرض في مكانه الجديد. لكن يظل هذا الأمر له علاقة بالكثير من المقولات التي نرددها عن أنفسنا دون تدقيق في أي منها، مقولات تطير في الهواء، ونعاملها معاملة الحقائق التي لا تقبل المناقشة، على الرغم من أنها ليست حقائق في الأساس، ومن هذه المقولات أننا شعب لا يقرأ. في العام نفسه أعدت جريدة الإندبندنت البريطانية استطلاعا على مستوى العالم حول أكثر الشعوب قراءة اعتمادا على معدلات القراءة للفرد، وهو الاستبيان الذي شمل كل دول العالم، وكانت نتيجته التي اعتبرها الجميع مفاجأة مذهلة، على الرغم من أني صدقتها للوهلة الأولى، ومن هذه النتيجة أن المصريين يحتلون المركز الخامس على مستوى العالم من حيث معدلات القراءة، والمركز الأول عربيا، وأن مصر تسبق فرنسا التي تحتل المركز السادس، وهو الأمر الذي استمر حتى الآن، حيث أجرت مجلة CEO WORLD - المتخصصة في التصنيفات العالمية – هذا العام دراسة حول أعلى الشعوب العربية في معدلات القراءة، لنكتشف أن المصريين يقرؤون بمعدل قراءة مائة وواحد وعشرين ساعة للفرد سنويا، أي إن المصريين يقرؤون سنويا ما يقترب من ثلاثة عشر مليار ساعة سنويا، وهو رقم ضخم جدا بطبيعة الحال تظل مصر تحتفظ عن طريقه بالمركز الخامس عالميا. سيقول قائل إننا نرى الأجانب يقرؤون على الشاطئ، وفي وسائل المواصلات، ولا نرى أحدا في مصر يفعل ذلك، وهو أمر حقيقي، فربما لم نعتد القراءة سوى بتركيز ومع الحفاظ على الخصوصية، ففي الحقيقة لدينا جيل كامل من الشباب القارئ الذي ضمن لنا هذا المركز، جيل مثقف يبحث عما يطور به نفسه، ويقرأ بكل الوسائل المتاحة للقراءة، ماكينة قراءة ضخمة تحتاج إلى أن نوفي احتياجاتها بمنتج جاد وجذاب ومساير لطبيعة العصر. إن التحدي الأكبر هو أن نطور من منتجنا الثقافي، ولا نترك هذا الجيل يبحث عما يشبع به نهمه للقراءة خارج حدود هذه الثقافة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى تكاتف واسع المدى بين المؤسسات الرسمية الناشرة ومؤسسات القطاع الخاص، بل وكل من يمكن له أن يساعد في هذا المجال، لنضمن بذلك مستقبلا قائما على قراءة جادة حقيقية.