منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تخفض من توقعاتها بالنسبة لنمو الاقتصاد الألماني    مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع اليوم لمناقشة موضوعي الرهائن واجتياح رفح    طريق الزمالك.. البداية أمام بروكسي.. والإسماعيلي في مسار الوصول لنهائي الكأس    رانجنيك يوجه صدمة كبرى ل بايرن ميونيخ    حبس طالب جامعي تعدى على زميلته داخل كلية الطب في الزقازيق    مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث بالطريق الزراعي بالقليوبية    محافظ المنيا يوجه برفع درجة الاستعداد لاستقبال عيدي القيامة وشم النسيم    الثانوية العامة 2024.. مواصفات امتحان اللغة العربية    بحضور سوسن بدر.. انطلاق البروفة الأخيرة لمهرجان بردية لسينما الومضة بالمركز الثقافي الروسي    «الشيوخ» ينعي رئيس لجنة الطاقة والقوى العاملة بالمجلس    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    مصير مقعد رئيس لجنة القوى العاملة بالشيوخ بعد وفاته    السيسي: حملات تفتيش على المنشآت لمتابعة الحماية القانونية للعمال    الأهلي والالومنيوم والزمالك مع بروكسي.. تفاصيل قرعة كأس مصر    نجم الأهلي السابق: إمام عاشور أفضل لاعب في مصر    الهجرة تعلن ضوابط الاستفادة من مهلة الشهر بمبادرة سيارات المصريين بالخارج    «القومي للأمومة» يطلق برلمان الطفل المصري لتعليم النشئ تولي القيادة والمسؤولية    وزراة الدفاع الروسية تعلن سيطرة قوات الجيش على بيرديتشي شرقي أوكرانيا    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    الأرصاد: الأجواء مستقرة ودرجة الحرارة على القاهرة الآن 24    حداد رشيد حول منزله إلى ورشة تصنيع أسلحة نارية    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    ميقاتي: طالبنا المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف هجماتها على لبنان    بعد طرح فيلم السرب.. ما هو ترتيب الأفلام المتنافسة على شباك التذاكر؟    مسلسل البيت بيتي 2 الحلقة 4.. جد بينو وكراكيري يطاردهما في الفندق المسكون    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    فيديو وصور.. مريضة قلب تستغيث بمحافظ الجيزة.. و"راشد" يصدر قرارا عاجلا    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «اكتشف غير المكتشف».. إطلاق حملة توعية بضعف عضلة القلب في 13 محافظة    مصدر رفيع المستوى: تقدم إيجابي في مفاوضات الهدنة وسط اتصالات مصرية مكثفة    رئيس اتحاد القبائل العربية يكشف أول سكان مدينة السيسي في سيناء    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    كلية الإعلام تكرم الفائزين في استطلاع رأي الجمهور حول دراما رمضان 2024    هل تلوين البيض في شم النسيم حرام.. «الإفتاء» تُجيب    شيخ الأزهر ينعى الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    شوبير يكشف مفاجأة عاجلة حول مستجدات الخلاف بين كلوب ومحمد صلاح    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    البنك المركزي: تسوية 3.353 مليون عملية عبر مقاصة الشيكات ب1.127 تريليون جنيه خلال 4 أشهر    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    على طريقة نصر وبهاء .. هل تنجح إسعاد يونس في لم شمل العوضي وياسمين عبدالعزيز؟    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    منها إجازة عيد العمال وشم النسيم.. 11 يوما عطلة رسمية في شهر مايو 2024    رئيس الوزراء: الحكومة المصرية مهتمة بتوسيع نطاق استثمارات كوريا الجنوبية    سؤال برلماني للحكومة بشأن الآثار الجانبية ل "لقاح كورونا"    أبرزها تناول الفاكهة والخضراوات، نصائح مهمة للحفاظ على الصحة العامة للجسم (فيديو)    تشغيل 27 بئرا برفح والشيخ زويد.. تقرير حول مشاركة القوات المسلحة بتنمية سيناء    هئية الاستثمار والخارجية البريطاني توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية    دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان "شهر صديق للقراءة"
نشر في الوفد يوم 29 - 05 - 2017

يشكل شهر رمضان المبارك فرصة للكثيرين لزيادة معدلات القراءة اليومية ليكون هذا الشهر الفضيل بحق هو "الشهر الصديق للقراءة" فيما تتعدد معارض الكتب على امتداد الخارطة الرمضانية المصرية.
وصرح الدكتور أحمد الشوكي رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بأن هناك نسبة خصم قدرها 25 في المائة على كافة اصدارات الهيئة المشاركة في معارض شهر رمضان والتي تتنوع الجهات المنظمة لها ما بين المجلس الأعلى للثقافة وصندوق التنمية الثقافية والهيئة العامة لقصور الثقافة ، ناهيك عن الهيئة المصرية العامة للكتاب والتي تعد اكبر كيان مصري في عالم النشر.
وكانت الهيئة المصرية العامة للكتاب قد اعلنت عن جدول فعاليات وانشطة "معرض فيصل للكتاب" الذي ينطلق هذا العام اعتبارا من التاسع من رمضان ليكون المعرض السنوي السادس.
وهو معرض رمضاني بامتياز وتحول الى موسم ثقافي يجمع مابين الكتاب والانشاد الديني والفعاليات الفنية المتعددة ، فضلا عن الندوات واللقاءات الفكرية والعروض السينمائية وورش الأطفال وافلام الكرتون.
ومن الظواهر الايجابية في هذا المعرض الرمضاني للكتاب ذلك التكامل والتفاعل بين المؤسسات والهيئات الثقافية فها هي مثلا الهيئة العامة لقصور الثقافة تشارك في المعرض بفرق للانشاد الديني كما يشارك العديد من المثقفين المصريين في اللقاءات الفكرية مثل وزير الثقافة الأسبق الدكتور شاكر عبد الحميد.
ولعل هذه "الحالة الثقافية الرمضانية" بما تشهده من اقبال ملحوظ كل عام على معارض الكتب ترد ضمنا على سؤال مؤرق من اسئلة القراءة وقد يعبر حتى في منظور مثقفين عن ازمة مثل :" هل المصريون لايقرأون حقا"؟!.
وكان معلقون واصحاب اهتمامات وطروحات ثقافية قد اعربوا عن شعور واضح بالانزعاج حيال مؤشرات وارقام واحصاءات معلنة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء تشير لانخفاض معدلات القراءة في مصر.
ومن بين هذه المؤشرات ان عدد مرات التردد على المكتبات العامة والمتخصصة ومكتبات الجامعات والمعاهد بلغ في عام 2015 نحو خمسة ملايين ونصف المليون شخص وهو رقم اتفق العديد من المعنيين بقضايا القراءة واسئلة الكتاب على انه "رقم ضئيل في بلد يصل مجموع من يعرفون فيه القراءة الى نحو 40 مليون شخص".
وعلى المستوى العربي ، يفيد "تقرير المعرفة العربي" ان عدد متوسط ساعات القراءة للانسان العربي يبلغ سنويا نحو 35 ساعة من بينها نحو 15 ساعة للمجالات ذات الصلة بالدراسة او العمل كما يوضح التقرير وهو ثمرة لجهد مشترك بين "مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي" ان المتوسط العربي لعدد الكتب المقروءة سنويا يبلغ نحو 16 كتابا من بينها نحو سبعة كتب للمجالات ذات الصلة بالدراسة او العمل.
وذهب معلقون الى ان اغلب الكتب المقروءة عربيا خارج نطاق الدراسة او العمل تتجه لعالم المطبخ وابراج الحظ والطالع والألعاب وصيانة الهاتف المحمول بما يعني انها خارج نطاق الثقافة الجادة والمستنيرة او المعرفة المفيدة لتنمية القدرات الذاتية وروح الابتكار في مختلف اوجه الحياة لتحسين شروط العيش .
ولاريب أن اسئلة القراءة تشكل هما عالميا وعابرا للثقافات وها هي الكاتبة الأمريكية ايلي كابلان تتناول عبر منصة "ميديوم" للنشر الالكتروني أهمية القراءة وسبل زيادة معدلاتها مؤكدة ان "القراءة مفتاح رئيس للنجاح" ومعيدة للأذهان بعض النماذج الشهيرة عالميا كأمثولة للنجاح مثل الملياردير بيل جيتس حيث عمد هذا المبرمج العبقري والمؤسس لشركة" مايكروسوفت" لتكريس حيز كبير من وقته للقراءة.
والأمر المهم عند مثقفة مهمومة بقضايا واسئلة القراءة مثل ايلي كابلان "تحويل القراءة الى عادة يومية" فيما تنقل عن خبراء ومتخصصين في قضايا القراءة انه اذا كان المرء يريد حقا ان يقرأ فسيجد الوقت للقراءة مثلما يجد الوقت " لممارسة الألعاب ومشاهدة التلفاز وتصفح الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي" .
وترى كابلان ان من فوائد القراءة انها "تقلل الشعور بالتوتر وتزيد من مستويات التركيز وتساعد على تقوية الذاكرة" لافتة الى ان هناك "الكثير من الأوقات المهدرة او الخفية على مدار اليوم يمكن استغلالها في القراءة".
واسئلة القراءة متصلة على وجه العموم بقضايا وتساؤلات ثقافية اشمل مثل سؤال كبير يبدو المفكر المصري الدكتور جلال امين مهموما به وهو :"ماذا حدث للثقافة المصرية؟!" معتبرا ان التحول الى سياسة الانفتاح بالصورة التي جرت في منتصف سبعينيات القرن العشرين اثر تأثيرا سيئا على الثقافة المصرية رغم الانفتاح بالصورة الصحيحة على العالم له اثر ايجابي على الثقافة بما يؤدي اليه من تنشيط الذهن وتوسيع الأفق .
أما في الغرب فثمة ملاحظة ساخرة منذ سنوات لايفور براون حول احد أسباب أزمة القراءة ، وهى تلك النزعة الخاطئة من بعض الكتاب او المؤلفين وهي انهم يكتبون مايكتبون وعلى القارىء ان يجد التفسير بنفسه وتوهم انه ليس من العبقرية ان تكون الكتابة واضحة.
وكان البعض فى مصر والعالم العربى قد جنح بعيدا لحد القول انه غير معنى بالقارىء دون ان يكلف نفسه عناء الاجابة عن سبب نشر اعماله وطرحها فى المجال العام والتوجه لهذا القارىء مادام لايعنيه ؟!.
وقد تكون الاجابة على هذه النزعة التي تعمد للغلو في الغموض وارهاق القاريء دون مبرر واحباط توقعاته بالمتعة بل والتنفير من القراءة عموما هي ما نقلته ايلي كابلان عن خبراء ومتخصصين من انه " لامانع من الا يستكمل القاريء الكتاب اذا وجده غير ممتع او مفيد كما كان يتوقع والبدء بقراءة كتاب اخر مناسب لتفضيلاته".
واذا حق القول بأنه ليس بالوسع التطلع الى التقدم والنجاح في عصرنا هذا دون التسلح بالمعرفة فبلد مثل مصر له ان يفخر بتراثه الثقافي والمعرفي الثري وتأصل القراءة وهو بلد شهد منذ اكثر من قرن كامل تأسيس "لجنة التأليف والترجمة والنشر" التي قامت بأدوار فاعلة في رفد الثقافة المصرية بروائع الكتب.
فهذه اللجنة التي أسستها كوكبة من المثقفين المصريين وكان المفكر احمد أمين في صدارتها اصدرت حتى عام 1953 مايربو على ال200 كتاب وكانت اصداراتها تحظى باقبال كبير من القراء في مصر والعالم العربي ككل وحققت ارباحا عامئذ بلغت اكثر من 60 الف جنيه.
ولعل هذا النموذج التاريخي بنجاحاته يؤكد أهمية المضمون او المحتوى الثقافي لجذب القراء بدلا من الركون لمقولة ان احدا لم يعد يقرأ واتهام المصريين بالعداء للكتاب فيما كان مؤسسو "لجنة التأليف والترجمة والنشر" ينتمون الى مختلف التخصصات والميول والاتجاهات.
ولكن كانت تجمع بينهم سمتان مهمتان: الأولى هي الشعور القوي بالحاجة الى تقديم افضل ثمار الفكر الغربي الحديث باللغة العربية سواء بالترجمة او التأليف والثانية انهم كانوا يجمعون بين المعرفة الحميمة بالتراث العربي والاسلامي وبين الاطلاع على الثقافة الغربية الحديثة ويحملون تقديرا عميقا لكلتا الثقافتين.
واذا كان المثقف المصري الكبير جلال امين يقول :"ما أشد تعاستنا اذا لم نتأمل تجربة ذلك الجيل الرائع من المثقفين المصريين ونكتشف اسباب نجاحهم الباهر فيما فشل فيه جيلنا نحن فشلا مخزيا" ، فان ثمة تعليقات تشير الى ان اهم اسباب عدم الاقبال على القراءة هي اولويات الحياة" ويلى ذلك "انخفاض مستوى الدخل" و"ارتفاع اسعار الكتب".
وفيما تسعى منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو" الى اثارة الاهتمام العالمي بقضايا القراءة ولفت الانتباه لأهمية المعرفة عبر احتفالها في الثالث والعشرين من ابريل كل عام "باليوم العالمي للكتاب" فان شهر رمضان الفضيل بالفعل يشهد في مصر وغيرها من دول العالمين العربي والاسلامي تصاعدا واضحا في معدلات القراءة.
واذا كان من المطلوب والمفيد أن تبقى اسئلة القراءة مطروحة مصريا وعربيا وعالميا مع تحديات تبحث عن حلول وطموحات باعلاء قيمة الكلمة والكتاب فينبغي ملاحظة ظاهرة دالة في عالم النشر بمصر في الأعوام الأخيرة وهي الاقبال الكبير على الكتب ذات المحتوى الثقافي الجيد.
وحسب دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار فان نسبة قدرها 48 فى المائة من الشباب المصرى فى الفئة العمرية من 15-29 عاما تأتى القراءة فى المرتبة الثالثة ضمن هواياتها كما اظهرت أهمية المكتبات العامة لأن نسبة تصل الى 61 فى المائة من بين هذه الفئة تعتبر الاستعارة من المكتبات هى المصدر الأساسى لقراءة الكتب.
وفسر الشباب مسألة عدم الاقبال على القراءة الحرة بشكل عام الى عدم تشجيع الأسرة وكثرة القنوات التلفزيونية ثم كثرة الأعباء المدرسية وتبين ان 27 فى المائة من الشباب الذين يقومون بالقراءة يخصصون جزءا من دخلهم الشهرى لشراء الكتب ويبلغ المتوسط نحو 34 جنيها شهريا.
ولاجدال ان تحسن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع مستويات المعيشة أمر يمكن ان يسهم فى حل ازمة القراءة وزيادة قاعدة القراء والسؤال هنا :كيف يتأتى للمواطن المحدود الدخل تلبية المتطلبات الأساسية لعائلته والحاجة للقراءة فى ظل ارتفاع اسعار الكتب؟!..وهكذا ايضا يحق التساؤل هل هى ازمة القراءة ام ازمة ارتفاع اسعار القراءة؟!.
وسلم ناشرون بأهمية العامل الاقتصادى مشيرين الى ان مصر تنتج نسبة تتجاوز 85 فى المائة من الكتب فى العالم العربى واعتبر بعضهم ان السبيل لصنع "مجتمع قارىء" يتمثل فى قيام الأسر بتنمية عادة القراءة لدى الأبناء واهتمام مؤسسات التعليم بالمكتبات وتيسير سبل الاستعارة والتوسع فى انشاء المكتبات العامة .
فيما تفرض قضايا واسئلة القراءة حضورها القوي في الصحافة الثقافية الغربية لعله من المناسب ان يخصص معرض من المعارض الرمضانية للكتاب ندوة لمناقشة قضايا القراءة من الثقافة المكتوبة الى الثقافة الرقمية بغرض تشخيص الوضع بدقة بدقة واقتراح حلول لأي اشكاليات على هذا المضمار .
وكان رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور هيثم الحاج علي قد اعتبر أن "الكتاب الالكتروني" يمكن ان يحل ازمة طباعة الكتب بعد ارتفاع اسعار الورق.
واذا كانت الاتفاقيات بشأن "الكتب المسموعة" بين كيانات عالمية كبرى في عالم النشر تحظى باهتمام وسائل اعلام دولية ضمن تغطيتها للتطورات السريعة على هذا المضمار في الفضاء الالكتروني فان الدكتور هيثم الحاج علي تحدث عن "جيل جديد" في مصر والعالم العربي لايفضل الكتاب الورقي بل يقرأ على "الكمبيوتر والهاتف والتاب" على حد تعبيره.
ومع انه اشار الى دراسات عالمية تتوقع اختفاء الكتاب الورقي بحلول عام 2040 ليصبح الكتاب الالكتروني هو الأساس فقد اوضح الدكتور هيثم الحاج علي ان ذلك لايعني ان الكتاب الالكتروني سيكون بديلا للكتاب الورقي تماما في الخطط المستقبلية للهيئة المصرية العامة للكتاب وهو توجه يتسق مع جديد المتغيرات في عالم النشر.
فهاهي هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" تهتم بمغزى قيام شركة امازون بافتتاح "سابع متجر غير الكتروني لبيع الكتب في الولايات المتحدة" موضحة ان المتجر الجديد افتتح مؤخرا في نيويورك فيما اشارت الى ان هذه الشركة باتت بعد مضي ثلاثة عقود على تدشينها "المهيمن على عالم التسوق الالكتروني" للكتاب.
وواقع الحال ان هذا الكيان العملاق للنشر الالكتروني لم يقدم على هذه الخطوة اعتباطا وانما بغرض "جذب اعداد من المارة والسياح والمتسوقين المخلصين الذين استمتعوا بتجربة التسوق من آمازون بعيدا عن الانترنت" على حد ما ذكرته هيئة الاذاعة البريطانية .
فهناك بعض القراء يشعرون بمتعة عند التجول داخل متاجر الكتب والتفاعل مع الكتاب في العالم الواقعي بعيدا عن الفضاء الالكتروني وهو شعور لم يغب عن اذهان المخططين في شركة امازون التي تعتزم زيادة عدد متاجرها للكتب غير الالكترونية في الولايات المتحدة الى 13 متجرا بحلول نهاية العام الحالي.
وفى بلد كبريطانيا التى عرف شعبها بحب القراءة لاتكاد المناقشات تتوقف عن تأثير الانترنت على القراءة فيما يقول جيمس بريدل فى صحيفة الأوبزرفر ان منتديات القراء تزدهر بالفعل على الشبكة العنكبوتية حيث تتردد باستمرار اسئلة مثيرة للارتياح بشأن حال القراءة مثل :" ماهو الكتاب التالى الذى تنصحونى بقراءته؟".
ومع ذلك فهناك على المستوى العالمي هناك حتى الآن من يتحدث بحنين عن مزايا الكتاب الورقي رغم "تغول استحقاقات العصر الرقمي والتحول نحو الكتاب الالكتروني" وحسب كلمات لفرانسين بروس في طرح نشرته صحيفة الجارديان البريطانية فان من اهم العناصر المحببة في عملية القراءة لكتب واصدارات ورقية حتى بالنسبة للأطفال ما تنطوي عليه من "خصوصية وحميمية" وهو عنصر تزداد قيمته مع الانتهاكات الحادة والغليظة "للخصوصية" في العصر الرقمي و"التلصص الالكتروني على عادات الآخرين وميولهم على شبكة الانترنت".
غير ان العصر الرقمي بدفقاته ونبضاته الالكترونية لن يتوقف تأثيره في شتى المجالات ومناحي الحياة ومن بينها القراءة جراء الحنين للخصوصية والحميمية كما يسلم فرانسين بروس فيما تكشف دراسة حديثة حول ميول وتفضيلات قراء الكتب الرقمية في بريطانيا عن تفوق واضح للقصص الرومانسية تليها قصص الجريمة ثم كتب الغرائب.
وحتى على مستوى الكتابة الرقمية او الانترنتية فثمة نصائح فى الصحافة الثقافية الغربية من اجل جذب المزيد من القراء وهى نصائح موجهة للكتاب مثل ضرورة استغلال جوانب القوة فى الوسيط الالكترونى والبحث عن الأفكار المتفردة والملهمة والاهتمام بجماليات الأسلوب والعرض والسعى لاحداث الانفعال المنشود لدى القارىء بكتابة متقنة ومفعمة بالمشاعر مع اتفاق عام على ان الكاتب هو فى نهاية المطاف "محصلة مايقرأه".
وثمة ظاهرة لافتة الآن بقوة فى مجال تغير الذائقة القرائية فى الغرب وهى "رواج كتب الكوميكس" او القصص الفكاهية المصورة التى تحظى باقبال كبير من القراء سواء كانوا من الكبار او الصغار حتى ان كتبا جديدة صدرت لتناول ابعاد هذه الظاهرة كما تحدثت عنها مجلات ثقافية مرموقة مثل "نيويورك ريفيو اوف بوكس" .
ففى زمن مضى كان جمهور كتب ومطبوعات الكوميكس من الأطفال والمراهقين ويخجل الكبار من مطالعتها علنا اما الآن فهى مقصد الجميع دون اى شعور بالخجل او محاولة التخفى من جانب الكبار ولم تعد هذه النوعية من الكتب لصيقة "بالثقافة الهابطة" او يتأفف منها المثقفون الكبار كما يقول كريس وير فى كتابه "بناء القصص".
فالانسان المعاصر فى الغرب يشعر بالعزلة والوحشة والضجر وكتب الكوميكس المصورة بجاذبيتها تقوم فكرتها على تقديم حياة مبهجة ولاتألو جهدا فى امتصاص احزان هذا الانسان ومن هنا ليس من الغريب ان تحظى باقبال كبير من القراء فى الغرب والمهم ان القراءة مستمرة والتغيرات الذكية فى عالم النشر تحول دون موت الكتاب لأنها تدرس جيدا كل المتغيرات فى ذائقة الجمهور الذى تتوجه اليه .
واذا كان من الطريف ان مسألة شراء البعض للكتب من قبيل المباهاة او التظاهر بالاهتمامات الثقافية دون قراءتها حاضرة في بريطانيا شأنها شأن مصر كما يكشف هذا الطرح لفرانسين بروس حيث يرصد "ظاهرة شراء البعض للكتب كنوع من الزينة داخل المنازل" فمن الدال توالي الدراسات الجديدة حول نظريات القراءة وتصنيفات للقراء الى فئات عدة .
فهناك "قراء نصيون" وهناك قراء خارج النص" وهناك "القارىء الضمنى الذى يعبر عن التصور الموجود فى ذهن المؤلف عن القارىء الذى يتمناه " وهناك "القارىء داخل النص والماثل فيه والمشارك فى صنعه" مثلما فعل الكاتب الايطالي الراحل ايتالو كالفينو فى روايته :"لو ان مسافرا فى ليلة شتاء".
وثمة دراسات فى نظريات القراءة لأسماء مثل وولفجانج ايزر الذى تناول باستفاضة "القارىء الضمنى وفعل الكتابة وعمليات القراءة بما فيها عملية التلقى بوصفها لعبة من خيال المؤلف وخيال القارىء الفعلى حيث يبث المؤلف خطابه عبر شفرات اجتماعية وثقافية وغيرها ليقوم القارىء الفعلى بحل هذه الشفرات كما يترك المؤلف فجوات نصية فيما يقوم القارىء الفعلى بسدها من خلال عمليات التنبؤ والاستعادة لوحدات النص ".
وثمة حاجة في هذا السياق لاستعادة صيحة مثقف مصري كبير هو الكاتب الراحل يوسف ادريس عن "اهمية ان نتثقف ياناس!"...واذا كان هناك من يتحدث عن "القارىء الجيد والقارىء السىء" فالكلمة المكتوبة مسؤولية الكاتب والقارىء معا ..ولعل معارض الكتاب الرمضانية تحمل البشارة هذا العام..نافذة امل وحلم يرتجى بكتاب لايشكو الهجر!..انه حقا الشهر الصديق للقراءة بأيام مباركة تحمل ابجدية الصفاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.