كان الرجل الريفى العجوز بوجهه الذى حفرت السنون فيه خطوط وعلامات جعلته كأرض قاحلة متعطشة لقطرة من الماء، يتوسل للطبيب لقبول دخول أبنه للمستشفى والطبيب يأبى ويكيل له عبارات الملامة.. ميعاد عملية أبنك كانت من أسبوعين ما جتش ليه..؟؟ ظروف ياسعادة البيه سامحنا.. ظروف..!!ما هو أبو بلاش كتر منه.. لو بتدفعوا فلوس كنت أحترمت الميعاد.. سامحنا ياسعادة الباشا الله يخليك.. هو أنا قاعد تحت أمرك.. نبوس أيدك ياسعادة البيه.. أهو ده اللى أنتوا فالحين فيه.. ماوراكوش إلا تخلفوا عيال وترموهم..عالم تعبانه. أصاب الجميع الذهول فقد أنفجر الرجل فجأة وهو يقول دنا أفعص الواد بالمداس تحت رجليا وما تسمعنيش الكلام ده..أنت هتذلنا.. مش عايزين عمليات أنشاله ماعنه أتعالج.. يالا ياوله.. قالها وهو يجر طفله الصغير بعصبية من جلبابه المهلهل والجميع يودعونه بنظرات تملؤها الدهشة. هذا المشهد الذى حدث أمامه أثناء عمله علمه أن المن يذهب بالحسنة، وأن البعض قد يفضل الموت حرا على الحياة مذلولا.. تذكره وطيف مشاهد كثيرة وكتابات عديدة تتواتر على خاطره.. أحنا اللى عملنا الثورة.. أحنا اللى صنعنا الكرامة.. لو ما كناش قمنا بالثورة كنت قدرت تكتب كلمة من الكلام ده..!! والتى تقول وقالولى أحنا أتعلمنا الثورة منك.. والذى يشتم وهنضرب هذا بالجزمه وسنجعل ذلك يلعب فى مناخيره.. وأخر يتكلم بلى الشفاه وبالعين والحاجب. قبل الثورة أعتقلت أحداهن أياما محدودة طلعت بعدها تجرى منهارة فى حضن أمها..عاملونى أحسن معاملة.. مش هعمل كده تانى.. أنا كنت بأتسلى وبأكتب كلمتين لنفسى.. دلوقتى بقى أحنا اللى نقول.. الوزراء يعينوا من الميدان والحكومة تطلع من هنا.. نسوا أنهم وضعوا رؤوسهم بين الرؤوس عندما قامت الثورة وظهروا برؤوسهم يملؤن الإعلام ضجيجا للدعاية لأنفسهم عندما تمكن للثورة. فين نصيبنا من الثورة..؟؟ كلمة تكررت كثيرا.. تذكر عمه الذى أستشهد فى حرب أكتوبر.. لم يسمع من جده أو بقية أعمامه غير أنهم يفخرون باستشهاده.. شهداء سقطوا على مدى تاريخ هذا الوطن، ولكن لم تكن التضحية قد سعرت بعد وللعجب تسعيرتها اليوم لم تنحصر فى أصحابها بل امتدت الفاتورة لتشمل كل صاحب حنجرة قوية أو حظوة إعلامية جعلت اسمه يظهر من العدم. الأخوان والسلفيين سرقوا مجهودنا.. تذكر شقيقة الذى أعتقل سنوات طويلة.. عذب بأبشع أنواع التعذيب.. مستقبله تهاوى.. كانوا يأتون قبل كل عيد أو أنتخابات لإعادة اعتقاله، حتى أصبح يعد شنطة الاعتقال قبل كل مناسبة وكانت زوجته ترتعد مع كل طرقة على الباب. أخذ يسأل نفسه..؟؟ أين كان غالبية شباب الميدان خلال تلك السنوات.. لم يهتز لأحد رمشا أو جفنا وكان الجميع غافلا لاهيا عقولهم لايشغلها غير الكليبات والشات على النت.. يقومون ويقعدون من أجل مبارة أو هدف ألغى.. كم من هؤلاء حاول التهرب بكل طاقته من دفع ضريبة الوطن وتهرب من التجنيد..!!؟ بالتمارض أو إيجاد واسطة لتحقيق المراد..!!؟ كم منهم دفع أهله له رشاوى أو وجد واسطة وجاب مع والده أعتاب من نسميهم الفلول الأن للحصول على وظيفة يستحقها أو لايستحقها..!!؟ من الذى أنجح الثورة..؟؟ هل هم أصحاب الرايات السوداء واليد المنقبضة..!! أطلقوا حناجرهم وكأننا أعطيناهم توكيلا للتحدث نيابة عنا.. هل نحن نعيش زمن البلطجة باسم الثورة وفرض الوصاية..!!؟ الإعلام سلط عليهم الضوء وأعطاهم مجالا لم يحصل على مثله غيرهم والعديد منهم لا يجيد إلا ما حصل عليه من تدريب هنا وهناك فى إثارة الجماهير وتحريكها بالحق أو أندفاعا وراء الإثارة. مافائدة الانتخابات التى جرت هل هى ديكورا..؟؟ وهل الملايين الذين صوتوا فيها أصبح رأيهم لا قيمة له..!! لماذا انتخبنا وما هى الفائدة إن لم يفرض بتلك الشرعية مطالبنا المستحقة العادلة..!! عندما قامت ثورة 52 قامت للشعب من أجل رفع الظلم وعودة الكرامة ومرت السنوات لتتحول الثورة للديكتاتورية وللمهانة لكل من قال لا.. هل سنسلم رقابنا من جديد لمن يقول لنا أنا الذى علمتكم العزة والكرامة ويتجاهل أو يجهل التاريخ الطويل لوطننا من الدماء والأرواح والتضحيات.. يحصر تاريخ هذا الشعب فى لحظة جاءت فى غفلة من الزمان شارك فيها الجميع وأورثها البعض أنفسهم هنيئا مريئا. هل آن لهذا الشعب أن يستيقظ من غفلته، ويقول لا فضل لأى من كان ليفرض أرادته علينا.. الكرامة والعزة ستفرض بالشرعية على الجميع على المجلس العسكرى وعلى أصحاب الأيدى المنقبضة وعلى أطفال الشوارع وعلى من يسمون أنفسهم مسخا وتقليدا ممقوتا بالألتراس.. نضرب على الأيدى التى تمتد لقذف الحجارة.. ونقطع كل يد تقذف بزجاجة مولوتوف أو تشعل حرائق أو تقطع طريقا.. نشتاق للشرعية التى تقص ألسنة القبح والشردحة.. ولتبدأ حوارا عاقلا متأدبا لننتشل وطننا من كربته ومحنته. أحس ببوادر نوبة الربو تهاجمه.. بدأ صدره يضيق ويحبس الهواء فى صدره، كما هى المشاعر التى أصبحت تنغص عليه حياته..كان يقود سيارته وهو مازال يحاول جاهدا إخراج تلك المشاعر من صدره، كما يحاول إخراج أنفاسه.. لن نخضع لسطوة كان من يكون عسكرى أو مدنى.. ثورة تونس التى ألهمت ثورتنا أثمرت شرعية محترمة يقدرها الجميع ونحن مازلنا فى مرحلة طبق الفتة لا يريد أن يغادره كل من وجد له حوله موقعا ولا صوت يعلو فوق صوت المصلحة وعض قلبى ولا تعض نصيبى. وضعوا على أنفه وفمه قناع الأكسجين..أزاحه بيده وهو يقول ما أريد أن أتنفسه هو حريتى.. وجودى.. ذاتى .. كرامتى.. بهم أكون وبغيرهم الحياة تهون.