مع الاقتراب من بدء صياغة الدستور الجديد لمصر عاد الجدل من جديد حول المادة الثانية من دستور 1971 «والتى تم نقلها نصّا فى الإعلان الدستورى الذى يحكم البلاد الآن تحت نفس الرقم»، بين المطالبين بإدخال تعديلات جوهرية على صياغتها والمتمسكين بالنص الحالى كما هو، معتبرين المادة «خطّا أحمر» لا يمكن الاقتراب منه. ولترجيح أى من الرأيين لابد أولاً من فهم ما تعنيه هذه المادة وظروف إضافتها فى دستور 1971. تنص هذه المادة على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع». وقد تم إقحامها على دستور 1971 من قبل الرئيس الراحل «أنور السادات» بعد أن رفض مشروع الدستور الذى صاغته اللجنة التى شكلها. والنص على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية موجود فى دستور 1923 - دستور ثورة 1919 - المادة 149، وفى مشروع دستور 1954 «مادة 195»، وفى دستور 1956 «مادة3»، وفى دستور 1964 «مادة 5»، ولكن النص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية «مصدر رئيسى للتشريع» طبقًا لنص المادة عند صدور دستور 1971 ثم «المصدر الرئيسى للتشريع» فى استفتاء 1980، إضافة فرضها السادات كمناورة سياسية، فى المرتين.. فخلال صراعه مع شركائه فى الحكم من رجال عبدالناصر، ومع اليسار الشيوعى والناصرى الذى عارض انقلاب القصر الذى قاده السادات فى «13 - 15 مايو 1971»، لجأ السادات للتقارب مع الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية واستغلال المشاعر الدينية للمصريين بدس هذه المادة فى دستور 1971. وخطورة هذا النص تتمثل فى إسقاطه لشعار ثورة 1919 العظيم «الدين لله والوطن للجميع» وادخاله للدين فى السياسة وللسياسة فى الدين بما يضر بالاثنين معًا، وهدم أسس الدولة المدنية. وأدى هذا النص إلى التمييز ضد أقباط مصر وغير المسلمين عامة، وكان السند لصعود أحزاب وقوى الإسلام السياسى ولدعوتها لإقامة «دولة إسلامية»، وأن تكون الشريعة الإسلامية مرجعًا أعلى من الدستور، وأن يتم عرض القوانين قبل صدورها على هيئة من كبار العلماء لترى مدى اتفاقها مع الشريعة الإسلامية». واليوم يطالب حزب النور بتعديل هذه المادة لتصبح أحكام الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وليس مبادئ الشريعة. بالمقابل طالبت القوى والأحزاب والمفكرون المتمسكون بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة بتعديل هذه المادة لتتوافق مع حقوق المواطنة والتعدد المجتمعى والدينى فى مصر.والنص الذى أقترحه على ضوء المناقشات والاقتراحات المختلفة يقول: الإسلام دين غالبية المصريين واللغة العربية لغتها الرسمية، والشرائع السماوية والقيم العليا للأديان مصدر رئيسى للتشريع. ويكفل الدستور تنوع مصادر التشريع بما يعكس الروافد المتنوعة للهوية الوطنية، ويساعد على تعزيز الوحدة الوطنية، وعدم فرض تشريعات تنظيم حياة المواطنين فى المجال الخاص يتناقض مع معتقداتهم، أو تنظيم المجالين العام والخاص بشكل يتناقض مع ضمانات حقوق الإنسان والحريات العامة.. وأدعو كل المهتمين بهذه القضية لأن يعلنوا رأيهم فى هذا النص المقترح، وأن نعلن جميعًا عن شعار ثورتنا الأم: الدين لله والوطن للجميع.