الجدل حول المادة (2) من الدستور يثور بين الحين والآخر جدل حول المادة الثانية من دستور 1971 الذي أصدره الرئيس السابق أنور السادات في 11 سبتمبر 1971، بين مدافع عن هذه المادة ورافض لها أو مطالب بتعديلها، وخلال الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في 19 مارس الماضي أقحم موضوع المادة الثانية علي النقاشات الدائرة حول التعديلات الدستورية والتي لم تقترب من قريب أو بعيد من المادة الثانية من الدستور، ورفع البعض شعار أن المادة الثانية «خط أحمر» وأن الاقتراب منها ينذر بفتنة بين المواطنين! ولمن لا يعرف فالمادة الثانية مادة جديدة أضيفت للدستور المصري عام 1971 وتنص علي ما يلي «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، وفي عام 1980 عدل الرئيس الراحل أنور السادات هذه المادة ضمن تعديلات أخري خاصة المادة 77 التي كانت تقصر تولي شخص واحد للرئاسة علي فترتين متتاليتين، ليضيف ألف ولام إلي عبارة مصدر رئيسي للتشريع لتصبح «المصدر الرئيسي للتشريع». وليس صحيحا ما يقوله البعض - مثل المستشار يحيي البنا الرئيس بمحكمة الاستئناف - من أن هذه المادة يرجع تاريخها إلي دستور 1923، فدستور 1923 في الباب السادس «أحكام عامة» نص في المادة 149 علي أن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية» ولم يتطرق من قريب أو بعيد لموضوع الشريعة الإسلامية، ومن دستور الجمهورية العربية المتحدة في مارس عام 1958 لم ترد هذه المادة أو أي مادة أخري تتعلق بدين الدولة أو الشريعة الإسلامية، وقبل ذلك خلا مشروع دستور 1954 من أي نص علي دين الدولة أو الشريعة، ودستور 1954 صاغته لجنة من 50 عضوا من بين أعضائها ممثلين لأحزاب الوفد والأحرار الدستوريين والسعديين والحزب الوطني القديم والجديد والإخوان والمسلمين وحزب مصر الاشتراكي وحزب الكتلة الوفدية وأعضاء من لجنة الثلاثين التي وضعت دستور 1923 وثلاثة من رؤساء الهيئات القضائية وعدد من ألمع فقهاء القانون وشيخ الأزهر وبطريك الأقباط، وشخصيات عامة مثل د. حامد سلطان ود. عثمان خليل ومحمود عزمي ومصطفي مرعي وأحمد لطفي السيد ود. طه حسين ود. عبدالرازق السنهوري وعبدالرحمن بدوي. كذلك فما قالته المستشارة نهي الزيني في الأهرام يوم الخميس الماضي من أن «المادة الثانية ليست منزلة من الله وليست من سنة رسوله، ولكنها من سنة السادات رحمه الله» صحيح تماما، لقد أضيفت هذه المادة في دستور 1971 كجزء من سياسات الحكم الساداتية التي قامت علي إدخال الدين في السياسة بقوة، واللعب علي المشاعر الدينية للمواطنين، في ظل هيمنة خطاب ديني تقليدي علي حساب الخطاب السياسي بعد هزيمة يونيو 1967 وظهور تفسيرات دينية لأسبابها بدلا من التفسيرات العسكرية والسياسية، كما شكل وجود إسرائيل كدولة قائمة علي أساطير دينية دعما لهذا الانحراف، وراج في هذه الفترة خطاب الإخوان المسلمين القائم علي الدولة الدينية الإسلامية وأسلمة المجتمع والدولة، وشهدت هذه الفترة خروج المصريين بقوة للعمل في الخليج والسعودية وتأثرهم بما يمكن تسميته الإسلام البدوي أو الخليجي المتزمت، وزاد الطين بلة انسحاب الأقباط من العمل السياسي في ظل التمييز ضدهم من جانب الدولة. ويبني الناقدون للمادة الثانية نقدهم علي حقيقة أن الدولة كائن أو شخص معنوي لا دين له، فالدين علاقة بين الإنسان المؤمن وربه، ولا توجد دولة ديمقراطية تنص علي دين للدولة، وفي أندونيسيا أكبر بلد به مسلمون في العالم (235 مليون نسمة 90% مسلمين) رفض سوكارنو النص علي دين الدولة، وفي الهند وغالبية سكانه من الهندوس رفض نهرو النص علي دين للدولة «الهندوسية». كما أن هذا النص يتعارض مع المواطنة ويميز ضد غير المسلمين من المصريين سواء كانوا أقباطا أو يهودا أو لا دينيين، ويجعل من مبادئ الشريعة الإسلامية مرجعية إلزامية في إصدار القوانين والتشريعات، ويعطي حجة للجماعات والأحزاب التي تخلط الدين بالسياسة وتسعي لفرض رؤيتها ومصالحها السياسية بمقولة التزامها بالشريعة وصحيح الدين! ومن الناحية العملية استند الحزب الوطني وحكومته في تسعينيات القرن الماضي لهذا النص لإنهاء الإصلاح الزراعي الذي قامت به ثورة يوليو 1952 لصالح الفلاحين، فلجأ لطلب فتوي من الشيخ محمد سيد طنطاوي، الذي أفتي بعدم شرعية أبدية العقد بين ملاك الأرض «الغائبين» ومستأجري الأرض «فثبات العلاقة الإيجارية يتعارض مع الشريعة الإسلامية»، وكان القانون يمنع فسخ العقد وطرد المستأجر ما دام يدفع القيمة الإيجارية للمالك طبقا للقانون، وهي 7 أمثال الضريبة والتي كان يتم رفعها - أي الضريبة - كل فترة زمنية، وكانت هذه الفتوي هي الطريق لطرد 1.2 مليون مستأجر يعولون 6 ملايين مواطن، المثير أن هذه الفتوي لم يمتد أثرها - بفرض صحتها - إلي عقود الإيجار في المساكن، فأصحاب القرار ليس لهم مصلحة في امتدادها إلي هذا المجال الذي يصيب مصالح غالبية المصريين «السكان» في مقتل، ومفتي الديار المصرية وشيخ الأزهر هما موظفان رسميان في الدولة تعينهما الحكومة. وتكرر اللجوء إلي الشريعة بصورة فجة منذ عامين (ديسمبر 2009) عندما قررت الحكومة المصرية إقامة جدار فولاذي عازل بطول 10 كيلومترات علي الحدود المصرية مع قطاع غزة لإغلاق الأنفاق، استجابة للضغوط الإسرائيلية - الأمريكية لاستكمال الحصار علي الشعب الفلسطيني في القطاع وأسعفها «مجمع البحوث الإسلامية» برئاسة شيخ الأزهر «د. محمد سيد طنطاوي» ليؤكد شرعية إقامة هذا الجدار الفولاذي ويتهم معارضيه بمخالفة «ما أمرت به الشريعة الإسلامية» ورد 25 من شيوخ الأزهر من بينهم عضوان في «مجمع البحوث الإسلامية» باعتبار بناء هذا الجدار «حرام شرعا» باعتباره يلحق ضررا بأهل قطاع غزة، وطالبوا بوقف بناء الجدار ومنع تصدير الغاز لإسرائيل، وتوالت الفتاوي الشرعية بين رافض لإقامة الجدار «يوسف القرضاوي» و«عبدالمجيد الزنداني» ومؤيد لإقامته «عبدالله النجار»، وهكذا جري استخدام الشريعة لتأكيد موقفين متناقضين تماما، هما في الواقع موقفان سياسيان لا علاقة لهما بالدين أو الشريعة ومنطق الحلال والحرام. وحل الخلاف حول هذه المادة من الدستور «المادة 2» ليس في إلغائها أو الإبقاء عليها كما هي، وإنما في صياغة جديدة اقترحها البعض تقول «الإسلام دين غالبية السكان، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشرائح السماوية مصدر رئيسي من مصادر التشريع، وتنهض الدولة علي رعاية القيم العليا المشتركة للأديان السماوية».