والسداد حليفكم دومًا.. رئيس الشيوخ يهنئ السيسي بمناسبة عيد العمال    جامعة الأقصر تنظم أول ملتقى توظيف لخريجي جنوب الصعيد    «السياحة والآثار» تواصل استعداداتها لموسم حج 2024    موقع مصر الرقمية.. خطوة ذهبية نحو تطوير المجتمع    هيئة الدواء تبحث سبل التعاون مع جمعية المعلومات الدوائية الدولية (DIA)    عمال مصر.. جواهر الوطن| الأيدى الخشنة «تتلف فى حرير»    ينتج 15 مليون سيارة بالصين.. شريف حمودة يوضح تفاصيل إنشاء مصنع ضخم داخل مصر    أبو الغيط يلتقي الزياني لمناقشة التحضيرات المتقدمة لعقد القمة العربية القادمة بالبحرين    حزب الله ينشر فيديو لقصف تمركزات جنود الاحتلال بداخل إسرائيل    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    انطلاق مباراة بايرن ميونخ وريال مدريد بدوري الأبطال    «رجال سلة الأهلي» يتأهل لنهائي كأس مصر    إصابة 5 أشخاص في انقلاب ميكروباص بالطريق الإقليمي    هرج ومرج بين الطلاب.. بلطجية يقتحمون مدرسة نموذجية بالهرم في الجيزة    حوش يا حواس!    المنتج محمد العدل يطالب الوثائقية بتوفير عروض للأفلام القصيرة    برومو ياسمين عبد العزيز مع "صاحبة السعادة" التريند رقم 1 على يوتيوب    «إنذار صحي عالمي».. عودة محتملة لتفشي شلل الأطفال في العالم    حالة وحيدة تقرب محمد صلاح من الدوري السعودي    لوقف النار في غزة.. محتجون يقاطعون جلسة بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مصرع زوجين وإصابة طفليهما في حادث انقلاب سيارة بطريق سفاجا - قنا    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الخميس..عرض الفيلم الوثائقي الجديد «في صحبة نجيب» بمعرض أبو ظبي للكتاب    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    ستبقى بالدرجة الثانية.. أندية تاريخية لن تشاهدها الموسم المقبل في الدوريات الخمسة الكبرى    هيئة سلامة الغذاء تقدم نصائح لشراء الأسماك المملحة.. والطرق الآمنة لتناولها في شم النسيم    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    غرق بمياه ترعة.. العثور على جثة شخص في الصف    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    9 نصائح اتبعها لنوم جيد في الطقس الحار    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    حمد الله يتحدى ميتروفيتش في التشكيل المتوقع لكلاسيكو الاتحاد والهلال    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بكائية فى وداع «ثروت عكاشة»
نشر في اليوم السابع يوم 08 - 03 - 2012

دخلت مكتب الأستاذ «خالد محيى الدين»، رئيس حزب التجمع، ذات يوم من عام 1986، فوجدت بصحبته «ثروت عكاشة»، الذى عاتبنى بقسوة لأننى اتخذت من عبارة «مثقفون وعسكر» عنوانًا لأحد كتبى، وكان من رأيه أن العنوان يوحى بأن المثقفين شىء، والعسكر شىء آخر.. وأن العسكر غير مثقفين. ولم يكن هذا المعنى قد تطرق إلى ذهنى عندما اخترت عنوان الكتاب الذى يضم مراجعات وتجارب وشهادات عن حالة المثقفين فى ظل حكم عبدالناصر والسادات.. ثم إننى كنت أعجب بما يكتبه كتاب وأدباء، لم أعرف إلاّ فيما بعد أنهم من العسكر، كان من بينهم «يوسف السباعى» الذى كنت شغوفًا آنذاك بقراءة رواياته وقصصه القصيرة، ولم أعرف أنه أميرالاى - أى عميد - بالجيش، وكبير معلمى الكلية الحربية، إلاّ بعد قيام ثورة يوليو 1952، و«أحمد حمروش» الذى قرأت له كتابه «حرب العصابات» حين نشره فى أعقاب إلغاء معاهدة 1936، وبدء حرب الفدائيين ضد القاعدة البريطانية فى منطقة قناة السويس، و«ثروت عكاشة» نفسه، الذى نشر كتابه الأول «العودة إلى الإيمان» مترجمًا عن الفرنسية، عام 1951، باسم «ثروت محمود»، وحذف اسم الأسرة، والرتبة العسكرية. ولم أعرف أن كليهما - «حمروش» و«عكاشة» من العسكر، إلاّ عندما توليا، على التعاقب، رئاسة تحرير «مجلة التحرير» أول إصدارات ثورة يوليو الصحفية، إذ كان كل منهما حريصًا على أن يذكر فى ترويسة المجلة - التى كانت تصدر عن إدارة الشؤون العامة بالقوات المسلحة - رتبته العسكرية، ومنها عرفت أن الأول يوزباشى - أى نقيب - والثانى صاغ «أ. ح»، أى رائد متخرج فى كلية أركان الحرب. ومع أن «حمروش» كان قد ترك رئاسة تحرير المجلة، بسبب اعتراض بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة على ما اعتبروه جنوحًا يساريّا منه فى اختيار أسرة تحريرها، وفيما كانت تنشره من موضوعات، إلاّ أن «ثروت عكاشة» احتفظ بأسرة التحرير كما هى، وبخط المجلة كما كان، إلى أن كتب - فى العدد الذى صدر 23 يوليو 1953 بمناسبة العيد الأول للثورة - مقالاً بعنوان «هكذا قمنا بالثورة»، «روى فيه ذكرياته عنها»، وأهمل أدوار الباقين، فعقد وزير الإرشاد «الإعلام» صلاح سالم مؤتمرًا صحفيّا فى اليوم التالى، أعلن فيه أن مجلة «التحرير» لم تعد تعبر عن مجلس قيادة الثورة، وفى مساء اليوم نفسه أصدر المجلس قرارًا بإخضاع المجلة للرقابة، وبتعيين أنور السادات مديرًا عامّا لها، وتعيين ثروت عكاشة ملحقًا عسكريّا فى «برن».. واستشاط عكاشة غضبًا، فحاصر مبنى «دار الهلال» - حيث كانت المجلة تطبع - بالدبابات، وحرق كل أصول العدد الذى كان معدّا للصدور منها، وأمر بصهر قوالب الملازم التى كانت قد أعدت للطبع. وكانت تلك نقطة البداية التى مكنت ثروت عكاشة من أن يتأهل للدور المهم الذى لعبه فى تاريخ مصر، وهو أن يصوغ رؤية ثورة 23 يوليو 1952 للثقافة، فبعد خمس سنوات عمل فيها ملحقًا عسكريّا فى سويسرا وفرنسا، ثم سفيرًا فى باريس وروما، وحصل خلالها على الدكتوراه من جامعة السوربون، وتعرف على ملامح النهضة الثقافية فى أوروبا، استدعاه «جمال عبدالناصر» - فى نوفمبر 1958 - لكى يتولى وزارة الثقافة -التى لم يكن قد مضى على تأسيسها سوى شهور قليلة - خلفًا ل «فتحى رضوان». وصحيح أن الذين قاموا بثورة يوليو كانوا من العسكر، إلاّ أن صلتهم بالثقافة - بحكم اهتمامهم بالشأن العام - لم تكن منقطعة، وفضلاً على أنه كان من بينهم عدد من المهتمين بالثقافة والمشتغلين بها، فقد كانت عقولهم وصدورهم مفتوحة لكل اقتراح أو مشروع يبنى نهضة مصر.. ولذلك وافق مجلس قيادة الثورة بعد أسابيع من توليه السلطة على اقتراح «فتحى رضوان» بإنشاء وزارة الإرشاد القومى، التى ضمت بين إداراتها مصلحة للفنون تولاها «يحيى حقى» ونقل إليها من وزارات الدولة الأخرى الموظفين المثقفين وعلى رأسهم «نجيب محفوظ» و«على أحمد باكثير» واستجاب قائد الثورة «جمال عبدالناصر» لاقتراح زميله «يوسف السباعى» بإنشاء المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، وأصدرت «دار التحرير للصحافة»، التى أسستها الثورة، مجلة «الرسالة الجديدة» لكى تحل محل مجلة «الرسالة» التى كان يصدرها «أحمد حسن الزيات» بعد أن توقفت عن الصدور.
وهكذا أصبحت الثقافة فى ظل ثورة يوليو إحدى الخدمات العامة التى تلتزم الدولة بتقديمها إلى المواطنين، شأنها فى ذلك شأن الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية الأخرى، وكانت المهمة، التى طلب «عبدالناصر» من زميله «ثروت عكاشة» أن تقوم بها الوزارة، هى أن تعيد بناء وجدان الإنسان المصرى.. فنشط لأدائها.. وخلال السنوات الأربع التى تولى فيها الوزارة لأول مرة وضع أسس المشروعات الاستراتيجية التى مازالت قائمة حتى اليوم من أكاديمية الفنون إلى مشروع الصوت والضوء، ومن الحفاظ على الآثار إلى الاهتمام بالفولكلور، ومن منح التفرغ إلى قصور الثقافة. لكن سياسة يوليو تجاه الثقافة، ما لبثت أن اضطربت بعد أن تناوبتها مدرستان، الأولى هى مدرسة «الكيف» - التى كان يتبناها «ثروت عكاشة» - وتقوم على أن تتولى الدولة بناء الأعمدة الاستراتيجية للثقافة، التى تساهم فى خلق النهضة الثقافية، والثانية هى «مدرسة الكم» - التى قام على تنفيذها «د. عبدالقادر حاتم» - الذى ظل يتبادل الوزارة مع «ثروت عكاشة» خلال المعهد الناصرى - وهى تقوم على دمج وزارتى الإعلام والثقافة، واستخدام إمكانيات الإعلام فى الترويج للمنتجات الثقافية، وتقديم خدمات ثقافية بغزارة، تفقدها طابع الجدية والإتقان على طريقة كتاب كل ست ساعات ومسرحية كل أسبوع وعشر مجلات ثقافية أسبوعية وشهرية. وكنت أظن - ككثيرين من جيلى - أن سياسة الكيف أو الثقافة الرفيعة المنسوبة إلى «ثروت عكاشة» كانت تعبر عن رؤية «عبدالناصر» لثقافة يوليو، وأن سياسة الكم أو الثقافة السريعة التى كان يتبعها «عبدالقادر حاتم»، كانت تعبر عن الجناح اليمينى من الثورة، إلى أن قرأت مذكرات «ثروت عكاشة» فكان ذهولى كاملاً حين عرفت أن الذى كان يدعم سياسة الكيف كان المشير عامر، وأن الذى كان يدعم سياسة الكم كان جمال عبدالناصر! وكان ذلك ما تذكرته وأنا أودع ثروت عكاشة - الذى غادر عالمنا فى الأسبوع الماضى -بالدموع، اعترافًا بفضله على الوطن، وخوفًا من أن نكون فى مطلع الزمن الذى لا كم فيه ولا كيف، ولا ثقافة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.