نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في المنوفية    وزير الري يلتقي نظيره المغربي على هامش فعاليات الكونجرس العالمي التاسع عشر    جامعة أسيوط تنظم ندوة بعنوان "قانون المسئولية الطبية بين الواقع والمأمول"    فيديو.. متحدث الوزراء: القطاعات الواعدة في الاقتصاد المصري تشهد استثمارات متزايدة    مباحثات مصرية - بريطانية لتعزيز التعاون في مجالات الطيران المدني    أيقونة المدفعية.. الهاوتزر K9 A1 EGY يخطف الأنظار في ثاني أيام معرض أيديكس 2025    تدمير الأسس.. العفو ك«استسلام» لفساد نتنياهو    تقييمات صادمة لنجوم منتخب مصر أمام الكويت.. والسولية الأقل بعد إهدار ركلة الجزاء    وكيل وزارة الشباب بالدقهلية يلتقي كيان اتحاد طلاب تحيا مصر    ريال مدريد يستعيد أسينسيو قبل مواجهة بيلباو.. وغياب هويسن مستمر    مدرب العراق: أرغب في تحقيق بداية مثالية في بطولة كأس العرب    حملة للكشف عن تعاطي المواد المخدرة والمخالفات المرورية في جمصة    المتحف المصرى.. وتأسيس أكاديمية كبرى لعلم المصريات    مدير معرض القاهرة للكتاب يكشف تفاصيل الدورة ال57: قرعة علنية وشعار جديد لنجيب محفوظ    الصحة: استراتيجية توطين اللقاحات تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي    هزار قلب جريمة.. حقيقة الاعتداء على طالب باستخدام مفك فى الشرقية    بوتين: إذا بدأت أوروبا حربا ضد روسيا فلن تجد موسكو قريبا "من تتفاوض معه"    الأكاديمية الوطنية للتدريب تختتم أول برنامج من نوعه لأعضاء الشيوخ    المتحف المصري يستضيف رحلة فنية عالمية تربط التراث بالإبداع المعاصر    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    رمضان عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    كامل الوزير يصدر قرارا بتعيين 3 أعضاء بغرفة الصناعات المعدنية    المبعوثة الأمريكية تجري محادثات في إسرائيل حول لبنان    إبراهيم حسن: منتخب مصر يخوض تدريبه الأول غدًا بمشروع الهدف    3 عروض مصرية.. 16 عملا تأهلت للدورة 16 من مهرجان المسرح العربي بالقاهرة    ماجد الكدواني يواصل التحضير لمسلسل «سنة أولى طلاق»    مدير تعليم دمياط يتفقد «المنتزة» و«عمر بن الخطاب».. ويشدد على الانضباط    محافظ الغربية يعقد اجتماعًا مع شركة "تراست" لمتابعة تشغيل النقل الداخلي بمدينتي طنطا والمحلة    متحدث الأوقاف يوضح ل«الشروق» الفارق بين «دولة التلاوة» والمسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم    عاجل- رئيس الوزراء زراء يتابع تطور الأعمال في التجمع العمراني الجديد بجزيرة الوراق ويؤكد أهمية استكمال المشروع وتحقيق النقلة الحضارية بالمنطقة    رسميًا.. بدء عملية اختيار وتعيين الأمين العام المقبل للأمم المتحدة    الأهلي يترقب موقف ييس تورب لدراسة عرض برشلونة لضم حمزة عبد الكريم    مصر ضد الكويت.. الأزرق يعلن تشكيل ضربة البداية في كأس العرب 2025    محافظ المنيا: إزالة 2171 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية ضمن الموجة 27    مادورو يرقص من جديد فى شوارع كاراكاس متحديا ترامب.. فيديو    رئيس جامعة الأزهر: العلاقات العلمية بين مصر وإندونيسيا وثيقة ولها جذور تاريخية    فى زيارته الأولى لمصر.. الأوبرا تستضيف العالمي ستيف بركات على المسرح الكبير    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    حبس عامل مدرسة بالإسكندرية 15 يومًا بتهمة الاعتداء على 4 أطفال في رياض الأطفال    لأول مرة في الدراما التلفزيونية محمد سراج يشارك في مسلسل لا ترد ولا تستبدل بطولة أحمد السعدني ودينا الشربيني    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    مدير الهيئة الوطنية للانتخابات: الاستحقاق الدستورى أمانة عظيمة وبالغة الحساسية    مكتب نتنياهو: إسرائيل تستعد لاستلام عيّنات من الصليب الأحمر تم نقلها من غزة    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    6 نصائح تمنع زيادة دهون البطن بعد انقطاع الطمث    تحرير 141 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    وزير العمل يسلّم 25 عقد توظيف في مجال النجارة والحدادة والبناء بالإمارات    سلوت: محمد صلاح سيظل لاعبًا محترفًا من الطراز الرفيع    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    فوائد تمارين المقاومة، تقوي العظام والعضلات وتعزز صحة القلب    فيتامينات طبيعية تقوى مناعة طفلك بدون أدوية ومكملات    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    كيف تناولت الصحف الكويتية مواجهة مصر في كأس العرب؟    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحت الوصاية.. تهذيب القسوة وتفكيك «شَبَكة القهر» بشاعرية
نشر في اليوم السابع يوم 18 - 04 - 2023

لا يكفى امتلاك قصة جيدة؛ فالأهم كيف تُحكى، والدراما بطبعها تنشغل بالسرد وآليّة تغذيته بصريًّا.. وإذا كانت كل حكاية تصلح للقصّ فالتحدّى فى الوصول لطريقة حكى مناسبة، ليصبح العادى استثنائيًّا وجديدًا على العين، وهذا ما يتحقّق فى «تحت الوصاية».

دراما المسلسل خطيّة بسيطة؛ لكنه يُفكك جزءًا ويُعيد بناءه على طريقة «البازل». ندخل الحكاية من أقوى مناطقها فتبدأ الحلقة الأولى ب«أفان تتر» من الزمن الواقعى، يُمهّد للهروب دون معرفة الأسباب.. قد تتخيّل أنه تقسيم ذهنى شكلى، لتكتشف لاحقا أن مشهد ما قبل المُقدمة منصّة لتقديم الصراع واستكمال رسم الشخصيات، والحفر فى نفسية الأم، والأهم أنه يكسر الرتابة الخطيّة ويُحقق ملمحًا دائريًّا يتجدّد فيه الزمن، ولأنه «فلاش باك» غير مُستدعى بمُبرّرات من داخل الحكاية، فالأمر أقرب لسردية «شهرزادية» من الخارج، أو حلقة تلصُّص ووصاية من صُناّع العمل قبل بدء لعبة الإيهام!

هذا الملمح الوصائى مفتاح قراءة التجربة.. ظاهريًّا يتناول المسلسل صراع الوصاية المالية والتعليمية على الأيتام، وفى العمق يشتبك مع فكرة الوصاية بالعموم؛ فالجميع واقعون تحت وصايات مُتنوّعة: الأم تواجه الذكور والقانون والسوق، والأطفال يواجهون الاحتياج وخشونة الحب والتزامات تتجاوز طفولتهم، وشقيق الأب تحت وصاية الطمع ومادية والدة خطيبته، والخطيبة تحارب الزمن وحلم الزواج، والجد بين فقدان ابن وإرضاء الثانى وتصوّر سطحى عتيق عن مصالح الأحفاد، وفريق الصيادين تحت وصاية البطالة والانتهازية، وتُجار الميناء تحت وصاية قانون الصراع ومنطق السوق، والمُدرس تحت وصاية الوحدة وشىء من المادية، والأخت وزوجها تحت وصاية الهشاشة النفسية الناتجة عن عدم الإنجاب وأثره فى ربطها بشقيقتها وفى مسالمته المستكينة اكتفاء بالحب المُتصالح مع الاختلافات!

لا يُصدّر العمل موقفا تجاه شخصياته، ولا يبدو منحازا.. صحيح أن اتخاذ قصة الأم وطفليها خطًّا رئيسيًّا، وجعلها مُرتكزًا تدور حوله الخطوط الفرعية والحكايات الصغيرة لتمثُّلات الوصاية يمنح الأسرة موقعًا مُتقدّما فى التأثير وفرصة أكبر للتعاطف، إلا أنه يظل أثرًا مغزولاً بنعومة وشاعرية من تفاصيل الحكاية دون افتعال أو تخطيط ذهنى مقصود، فلا تفقد بقيّة الشخصيات إنسانيّتها أو حقّها فى الحضور بضعفها ودوافعها دون أحكام قاسية أو مواقف مُسبقة، والأم نفسها حينما تهرب بحق طفليها فإنها تُصادر حق الأب فى ميراثه؛ فالجميع بشر يرتكبون الأخطاء!

السيناريو كان ذكيًّا وحسّاسًا فى نسج التفاصيل كشبكة صيد مُحكمة، والديكور مواكبًا بطبيعية وأُلفة وابتكارات ذكية، فضلا عن تنوّع بيئات التصوير وما حقّقه من ثراء بصرى، وتفوّقت ريم العدل فى الملابس ورسم «بروفايلات» حقيقية للشخصيات، وحافظ المونتاج على التوازن بين تدفق السرد بحمولاته النفسية والشعورية، وشدّ الإيقاع وتتابع الأحداث دون ترهّل أو ابتسار، وأضفت موسيقى ليال وطفة أجواء ملحمية مع لمسة من التأثير والشحن العاطفى بثراء وكثافة خطوط الوتريات وانتقالاتها المُعبّأة بالبوح والشجن، وكانت صورة بيشوى روزفلت الأبرز بما قدّمته من هندسة بصرية استوعبت الحالة بجمال وتعبيرية وتكامل بين واقع الفقر والخشونة مع أنسنة الأجواء رغم قسوتها، والنزوع الجمالى فى بناء لوحات تشكيلية تُحقّق المُتعة باتصال مع الحكاية أو بمعزل عنها!

كان المُخرج محمد شاكر فى أعلى حالات لياقته، ومُهتمًّا بالتفاصيل كعادته، الشخصيات وبيئتهم وأجواء الصيد والميناء والشوارع والقطارات وغيرها، بدا كل شىء طبيعيا للغاية، حتى أنك قد تتسامح بسهولة مع مآخذ منطقية على تفاصيل ترقيم المراكب وتراخيصها وتغيير معالمها وآلية تسجيل الخروج والعودة للميناء وتصاريح البحارة ودوريات الرقابة والتفتيش وسلطة شيخ الصيادين المُغيّبة. أما الشخوص فجاءوا كاملى البشرية، لا ملائكة ولا شياطين، ولا وفق مازورة «الكاستنج» التقليدية المُعتادة، كُلهم نماذج عادية فى الهيئة والملامح قبل بروفايل الدور وبعده، ولم تجعلهم الحكاية وحوشًا لمجرد تعميق محنة الأم، حتى تجار الميناء يمارسون الوصاية وفق قانون السوق وليس لأنها امرأة أو أرملة بلا ذكر، وبالمثل تُركت لكل شخصية مساحة لإبداع دوافعها كما تحتمل الدراما، بالتفاصيل والصورة دون مُباشرة، وأجاد الجميع: خالد كمال وعلى صبحى وأحمد عبدالحميد فى أدوار البحرية، رشدى الشامى تفوّق بأداء رصين وحساسية حقّقت التحولات النفسية دون صخب وكان مُقنعا فى ارتباطه الروحى بالبحر وتجدّد عافيته وتوهّجه بالعودة للصيد، وكان دياب ونهى عابدين وحمدى هيكل ومحمد عبدالعظيم موفّقين، ولمعت مها نصار والطفل عمر شريف، كما أجادت منى زكى للغاية فى رسم الملامح الخارجية للشخصية بتعبيرات الوجه وطريقة المشى وهيئة الجسم والحركة المُتثاقلة بعد وفاة الزوج مقارنة بما قبلها، وإن بدا الاهتمام بالانفعال الظاهرى أكثر حضورًا من الاستبطان والجوّانيات، خاصة أن هشاشة «حنان» داخلية بالأساس، إذ اتخذت قرارات جريئة بالفرار بطفلين ومركب ضخمة وإعادة تأسيس حياة كاملة، وهو سياق يخص شخصية مُتماسكة من الخارج!

رغم خشونةٍ ظاهرةٍ تنبع من المعاناة، تنحاز الحكاية إلى نَفَس هامس دون خطابية، مُحافظةً على إيقاع أفقى مُستقر تتجدّد فوقه الأحداث كتوترات رأسية؛ تتفكّك سريعًا لتعود الدراما لأدائها الهادئ، وتُغذّى تلك الحالة صورة مصنوعة بعناية وفلسفة واضحة، كأنها محاولة لتهذيب القسوة واستكمال صيغة الهمس بصريًّا؛ الصورة حيّة وتتنفس بأماكن الخارجى الثريّة وأجواء الداخلية المختلفة والحقيقية، مع تصوير طبيعى دون مُحسّنات مُفتعلة؛ كأن تنعكس الشمس على العدسة صانعة تأثيرات لونية من خطوط الطيف ومُبدّدة جزءا من التكوين، ولعب التلوين دورًا مهمًا فى إضفاء تعبيرية وشاعرية على الكادرات وتقريب الأجواء البصرية وإظهار تباين الحالات النفسية.. العمل غير مشغول بإنتاج بكائيات قدر اهتمامه بسرد حكايته بهدوء، فاتحا القوس من القصة البسيطة إلى تجريد المواقف والعلاقات والمشاعر لصيغة أقرب إلى القوانين الصالحة للتعميم، كأنما يقول إن كل علاقة تتأسّس بتلك التوازنات لن تخلو من دوائر وصاية تنسج معًا شبكة قهر يستخدمها الجميع ويعانون منها، وكل ذلك دون أن تنحرف الحكاية عن التشخيص والواقعية إلى الذهنية والرمزية الجافة!

شبكة القهر مركزها قصة «حنان»، ما يعنى أن تفكيك الوصاية حولها يُمكن أن يكون مُقدّمة لتحرير بقية الشخصيات؛ لكن هذا لا يعنى الحرية الكاملة.. سيظل الجميع واقعين تحت وصايات مثيلة فى حكايات أخرى، ويتطلّب الأمر تتبُّع كل القصص المشابهة وتفكيكها وصولا لمعادلات متوازنة لا يقع فيها أى طرف تحت وصاية غيره. باختصار، يُقدّم «تحت الوصاية» رؤية جادة، وحفرًا نفسيا واجتماعيا عميقا، دون أن يتورّط فى الذهنية أو يفقد إنسانية أجوائه وواقعيتها، أو يُفرّط فى رهاناته الجمالية بالغة الحساسية والنضج، وهو بحق دُرة موسم رمضان، وقصيدة شاعرية بالغة الرقة والتأثير دون صخب أو مراهقة أو ميلودراما فاقعة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.