وزنة حامد القاصة الكردية, الرقيقة المشاعر والمرهفة الإحساس، تكتب قصصها القصيرة أو القصيرة جداً بأسلوب فيه الكثير من الشاعرية والأسلوب القصصى المميز، تجيد توظيف خيالها المحلق فى فضاءات المجتع الذكورى، وتخط بقلمها كطبيبة ماهرة تعالج العلاقات الاجتماعية بين البشر بإسلوب دراماتيكى مثير، وتحاول دفع بطل قصتها نحو النهاية بدون توقف وهو يلهث بأنفاسه المتلاحقة وتسلمه لنهايته التى تكشف سر شخصيته وتكشف عنه القناع الذى يستر عوراته الاجتماعية وعيوبه الخلقية والخلقية. واستطاعت فى قصتها هذه أن يتلاعب بقارئها ويأخذه ذات اليمين وذات الشمال، من ضمير المخاطب فى افتتاحية القصة "أنفقت الأموال، بعثرت الكثير" إلى ضمير المتكلم "ابتعد عن المرأة التى قرفت نجواه وندمه..." إلى الضمير الغائب "هل يبتعد عن الأصدقاء".. وأظهرت قدراً كبيراً من فن الغوص فى أعماق شخصيات قصصها وسبر أغوارها للإيحاء للمتلقى بكيفية تفكير هذه الشخصيات وكيفية تدبيرها لعلاقاتها الاجتماعية بتقنية الراوى العليم بكل شىء. كما أن العنوان فيه الكثير من الإبداعية والشاعرية، وتتوفر على الأنسنة والتشخيص، وهو مناسب هنا تماماً لموضوعه. وأفضل مقاطع القصة هى التى تبدأ من السطر الرابع والثلاثين، والتى تبدأ ب باتجاه الملك..؟ ومنه سريعاً إلى المقصلة .. حتى الأخير تقريباً، دون أن تستعمل حرف العطف الواو، ومستخدمة الجمل القصيرة المتقطعة اللاهثة مما ولدت حركية رشيقة فى المستوى السردى للقصة، أى بدت القاصة وكأنها تدفع بقارئها إلى السرعة والركض والإنجاز، تدفعه أمامها بدون توقف وتجبره على الحركة والنشاط والسير سريعاً نحو نهاية حكايته. وهكذا تدخل القاصة فى لعبة القط والفأر مع قارئها بتقنية ما يعرف ب "البرولوج" فى النقد الأدبى، فتكون مع بطل قصتها وترافقه حيثما نظر ويمم. ولهذا أرى أنها يمكن أن تكون قاصة واعدة فيما لو اهتمت بالمزيد من صقل موهبتها، واعتمدت المزيد من القراءة والتحصيل، وقراءة القصص ومواكبة القصاصين ومايكتبون لصقل موهبتها جيداً، والعمل على تطوير لغتها ومراعاة النسقية المناسبة فى جملها القصصية، ووضعها وتوظيفها فى مكانها الأنسب. وبعدما بينت الإيجابيات لقصة "ثعلب فى ثوب زاهد"، فسأيمم شطر بعض ما يمكن تسميته ببعض العثرات القصصية، والتى لا تفسد للود قضية، كما يقال، أى يمكن تجاوزها مستقبلاً وبسهولة، وليعلم كتابنا الأعزاء بدون نقد جاد وهادف وبناء لا يمكن لأى منا أن يتقدم إلا كما تتقدم السلحفاة، وهو نقد قد يستفيد منه قصاصونا الشباب والشابات. وفى نقدى لهذه القصة أقول: مثلاً، إن عبارة /بساتين وهنتها ويبستها كلياً/تسبب بثقلها وبطئها وخاصة كلمتى/يبستها وكلياً/ خللاً فى شاعرية القصة التى أفلحت الشاعرة باستخدامها بشكل جيد، كما إن كلمة /شاسعة/ غير مناسبة هنا وتعطى انطباعاً عن درس جغرافى وليست قصة مما يفقد القصة رنينها الشاعرى وإيقاعها الجميل. كما أن هناك عبارات لغوية خاطئة نحوياً مثل /يقرف منه العين/ والصواب تقرف منه العين لأن العين مؤنثة ل امذكرة. وأيضاً فى عبارة /إحساسه بدأت تتلاشى/، والصحيح بدأ يتلاشى بالتذكير لا بالتأنيث. وعبارة انحدرت من /جباهه/ قطرة عرق غير منطقية البتة هنا، فالإنسان له جبين واحد لاجباهاً والأصح هو من /جبينه/ لا من جباهه، كما وردت لدى القاصة. وعبارة /قرفت نجواه وندمه/ لامعنى لها هنا ولا تعنى شيئاً يذكر. كما أن هذه العبارات المتتابعة مثل: "هذه الكلمة التى هبطت من علياء السماء كنيزك..." فيها شىء من عدم التناسق اللغوى بين جمل العبارة، وإن عدم تناسقها يأتى بالإضافة إلى الثقل الذى يحدثه تتابع همزتا التطرف فى أواخر كلمتى/ علياء-السماء/ أدتا إلى التكسير الإيقاعى لسياق العبارات اللغوية، وإحداث خلل بلاغى لغوى فيها، وكان الصواب هو أن يقال: (هذه الكلمة التى/هوت/ من عليائها كنيزك وحلت بثوب زاهد). كما أن عبارات مثل /والزمن فاغر الفاه/ ثقيلة على لسان وسمع المتلقى. ثم /دفع الباب بإذعان/ فكلمة بإذعان غير مناسبة الاستعمال هنا لأن الإذعان تعنى الخضوع والأفضل أن يقال دفع الباب /بتردد/ والعبارة القائلة /عرفت كيف تحول الغباء بالدهاء/ غير نحوية، والأصح هو /كيف عرفت أن تحول الغباء إلى دهاء/ أو كيف عرفت أن تستبدل الغباء بالدهاء. وما عدا هذه الهنات البسيطة، نتمنى للكاتبة الواعدة الاستمرار فى عملها كقاصة شابة أمامها مستقل زاهر، إذا ما راعت ما قلناه سابقاً، عن صقل الموهبة والقراءة والدرس والتحصيل. إذ لايمكن لأحد أن يصبح قاصاً أو أديباً بالاعتماد على خياله وحده، فلابد من السهر والتعب والمعاناة أيضاً. ورحم الله أستاذنا صبغة الله سيدا الذى درسنا فى الابتدائية، فكان يردد على الدوام "من طلب العلا سهر الليالى".