أصبح بإمكان أي شخص أيا كانت درجة ثقافته أو نوعية توجهاته أو حصيلة خبراته أن ينشيء جروباً علي الفيس بوك . وأيا كان عدد المنضمين للجروب ، فبإمكانه أن يلفت أنظار الصحافة والإعلام خاصة لو كان يتناول موضوعات مثيرة ، ومنها بالطبع الدعوة لمقاطعة فيلم باتهامه بالإباحية . ويتزايد الاهتمام بمثل هذه الأمور في ظل سخونة هذه القضية حاليا مع توالي الأفلام المليئة بالمشاهد العارية بصورة منفلتة ومستفزة وفجة بدون أي مبرر درامي . في ظل هذه الأجواء يتعرض فيلم ( ولد وبنت ) لحملة قاسية وظالمة من جروب محدود العدد عالي الصوت لمجرد أن أفيش الفيلم يظهر عليه صورة شاب وفتاة من الظهر وهما جالسان بملابس البحر . ينطلق فيلم ( ولد وبنت ) من مدخل ذي طابع رومانسي عندما يلتقي الحبيبان سامح - أحمد داود - وهند - مريم حسن - مصادفة بعد غياب ، فتتوالي الذكريات حتي النهاية . سنعرف أن قصة الحب بدأت منذ سنوات الطفولة والصبا ، قبل أن يدرك كلاهما تفسيرا لمعني المشاعر التي تنتابه تجاه الآخر . فتأتي جملة معبرة علي لسان الصبية" يومها كان نفسي أقول لك حاجة . بس ماكنتش عارفه إيه هي " . وتتوالي في مشاهد الطفولة لقطات ذكية وماهرة لنمو مشاعر الحب تغزلها برقة وحساسية الكاتبة الجديدة علا عز الدين . ويحققها بمهارة وتفاصيل بصرية ملفتة المخرج كريم العدل ويؤديها بتلقائية وبساطة طفلان متميزان . ولكن لا يفسد هذه الأجواء سوي الديكورات والملابس وتسريحات الشعر وطبيعة الأجواء التي تبدو أقرب لزمن الخمسينات والستينات وهي مسافة بعيدة جدا لا تناسب منطق الرجوع في الزمن بالنسبة للبطل والبطلة وخط سير الاحداث . زوايا متميزة علي أي حال ستتوالي حلقات الزمن سريعا . وستتعثر قصة الحب لأسباب مختلفة ومتعددة في مواقف سيغلب عليها الإفتعال وضعف المنطق علي الرغم من اجتهاد المخرج في تحقيقها بطريقة مميزة في تكويناته أو توظيف أساليب المونتاج المتوازي أو تقسيم الكادر أو الصوت من خارج الكادر . ستكون الغيرة في البداية سببا في جفوة بين الحبيبين . وعندما يموت والد هند المؤلف حامد رضوان - سامي العدل - سوف تقرر السفر ناسية أن لها حبيباً أو حتي مشروع حبيب ، وكأنه كان مجرد كيس جوافة . وستبرر هذا بقولها " حسيت إني لازم أهرب ..الدنيا اكيد حتتغير بعد ما راح الشخص الوحيد اللي كان بيخليها حلوة ". وبمجرد عودة هند إلي الوطن سيحدث خلاف جديد بينها وبين سامح لمجرد أنه قدم باقة زهور لأمها بمناسبة زواجها . وأخيرا ستتوالي بضعة مشاهد رومانسية لطيفة مع صلح سامح وهند سواء وهو في طريقه إليها بإيقاع سينمائي رشيق يتوافق مع رشاقة الممثل ، أو في السيطرة علي الزمن مع مشروع أول قبلة ، أو صباحا وهو يوقظها من شباك حديقة بيتها بتميز أسلوب المخرج في إختيار زواياه التي تتفق جمالياتها مع منطقها. لن يدعنا السيناريو نهنأ إلا قليلا بلحظات الحب والانسجام ، فسرعان ما تثور الخلافات بين سامح وهند حين تقرر العمل كعارضة أزياء . وسوف يلفت نظرها في أحد الندوات المؤلف الصاعد بهاء الدين - هاني عادل - المغرم بها .. كما يطاردها شاب لبناني وسيم وثري ومتهور . وايضا ستلعب صديقتهما الصدوقة ليلي - آية حميدة - دورا في الإيقاع بين هند وسامح للاستحواذ عليه لبعض الوقت . وهكذا تستحق البطلة عن جدارة جملة " كل الرجالة نفسهم يمتلكوكي وكل الستات يتمنوا يبقوا شبهك " وهي الجملة التي لم تحظ بمثلها نادية الجندي في أوج مجدها بين طوفان حوارات الأفلام التي كانت تمجد شخصياتها . مبررات لا تنتهي لن يتوقف الفيلم عند هذا الحد بل سوف يكشف لنا فجأة وقرب النهاية عن سبب جديد لهروب هند من زواج سامح ، وهوأنها تخشي أن تعاني من خيانة زوجها كما عانت أمها . ولكن هذا السبب لن يحول دون زواجها من بهاء وتركها لسامح فجأة ودعوتها له لحضور زفافها بدون مناسبة . وسوف يندفع سامح عائدا للقاهرة بسيارته غاضبا وسط أجواء ليلية ممطرة وأزمة مرورية تدفعه لإكمال المسيرة سيرا علي الأقدام . وربما تبدوهذه أكثر مشاهد الفيلم واقعية في ظل الإختناق المروري القاتل الذي يجتاح جميع مداخل القاهرة في هذه الأيام . وبعد كل هذا الجري والعذاب تحت المطر لن يستطع سامح أن يفعل شيئا سوي البكاء . يتفنن الفيلم في سرد هذه الذكريات الأليمة وأيام الجفاء والشجار بل والمعارك التي وصلت إلي حد أن يكيل سامح لهند اللكمات في سابقة أولي بين جميع ما شاهدته من أفلام ، أري فيها شابا يلكم فتاة بدلا من أن يصفعها كما كان شائعا . وربما لهذا تجد البطلة مبررا جديدا للانفصال عنه في ظل بحثها عن الأمان . ولكن كيف إذا يمكن أن يتبقي أي رصيد من الحب ؟ عفوا لهذا الإستطراد ولكن أليس من الغريب أن تكون ذكريات الماضي بين البطل والبطلة مؤلمة بهذا القدر في فيلم ذوطابع رومانسي؟ولماذ تبدومساحات السعادة والتفاصيل السارة قليلة مع أنها الأكثر تألقا؟ ومنها هذا المشهد الجميل الذي تراقب فيه هند وأصحابها ظل أبويها من خلف زجاج غرفة مكتبه وهويرقص مع الموسيقي ، فيشعر بتلصصهم عليه ويفتح لهم الباب ليشاركوه الرقص . ولكن هذه المساحات المحدودة من التوهج تضيع وسط ازدحام الأحداث وتشتت التفاصيل والمبالغة في صنع الأزمات والتي يمكن ضمها جميعا في موسوعة دليلك إلي كل الأزمات التي تواجه الأحباء .. ولكن الأخطر من كل هذا تشتت الفيلم في الأسلوب بين الرومانسية والسايكودراما والدراما الإجتماعية وقصة صعود البطل في عالم المال والأعمال .. كل هذا علاوة علي ما تضمنه العمل من مناقشات عن فلسفة الحب وعلاقته بالنفعية التي أثقلت العمل بأكثر مما يحتمل . وجوه جديدة إنها في رأيي أمور يجب أن يضعها فنانو هذا الفيلم في اعتبارهم في تجاربهم المقبلة ، خاصة وكلهم من الشباب . فيحسب للفيلم تقديمه لعدد من الوجوه الجديدة المجتهدة ومن الواضح أن معظمهم لديه خبرات في الدراسة أو التدرب علي التمثيل قبل ظهورهم علي الشاشة .. وهي مسألة باتت نادرة في ظل سينما ترتد لسنوات مهدها فتعود إلي اختيار الممثلين والممثلات من أغلفة المجلات أو حفلات الأسر الراقية أو أبطال الرياضة وحسناوات النوادي الكبري .. في فيلم ( ولد وبنت ) وجوه مجتهدة وعلي رأسها أحمد داود الذي يلزمه فقط ألا ينشغل كثيرا بمسألة النجومية التي تجعله يظهر في صباح ليلة سكر وعربدة وبعد مضاجعة أنثي ولمؤاخذه علي رمال الشاطيء ، لنراه بشعره اللامع وكأنه خارج توا من تحت السشوار ويادوب طايله شوية رمل . علي النقيض تماما كانت آيه حميدة حريصة علي أن تتجنب أي محاولة للظهور بصورة جذابة تتناقض مع طبيعة الشخصية واستطاعت أن تمنح الدور ظلالا هادئة تحت السطح البريء الظاهر . أما مريم حسن وهاني عادل فلهما حضور متميز ولا يضعفه سوي احتياجهما للتمكن أكثر من فن الإلقاء خاصة ودورهما اعتمد علي حوارات كثيرة. لم تكن وجوه الفيلم الجديدة أمام الشاشة فقط بل وخلف الكاميرا أيضا بداية من مهندس الديكور عاصم علي وملابس ريم العدل ومدير التصوير عبد السلام موسي وموسيقي هاني عادل والمخرج الواعد كريم العدل الذين اجتهدوا جميعا ولكن تأثر عملهم جميعا بتشتت الرؤي في السيناريو. ولا أعتقد أن الكاتبة علا عز الدين هي المسئولة وحدها عن هذا ، فما نراه علي الشاشة غالبا هو نتاج حوار أفكار وتداخل وجهات نظر وتفسيرات مختلفة للنص وسعي نحوالتركيز علي بعض مناطق وافتقاد للقدرة علي التأثير في مناطق أخري .. وهي مسائل تتداخل فيها أدوار كثيرة وعلي رأسها المخرج طبعا ، والمونتير سولاف نور الدين بدرجة أو بأخري والتي كان بإمكانها أن تمنح الفيلم قدرا من التدفق في حدود المادة المتاحة . ولكن يبدو أن مساحات إنطلاق المخرج بخيال الصورة والحركة في الفيلم كانت تطغي عليها مساحات أكبر من المواقف الضعيفة والحوارات الطويلة . بالطبع أري أنه لا يصح انتقاد فيلم أو تكوين رأي نهائي عنه من مجرد مشاهدة أفيشه . ولكني لا اتفق أيضا مع من يرون أن الأفيش لا يعبر عن الفيلم . فعلي الرغم من النزعة التجارية الغالبة علي الأفيشات بوجه عام إلا أنها بالتأكيد لابد أن تعبر بشكل أو بآخر عن مضمون الفيلم وأجوائه . وإلا أصبح عنوانا مضللا للمشاهد وهوأمر لا تحمد عقباه علي الإطلاق . والحقيقة أنك لوشاهدت فيلم ( ولد وبنت ) سوف تلاحظ أنه يتجنب بشكل مبالغ فيه لأي ملمح يمكن أن يتسبب في توجيه تهمة الإثارة الجنسية للفيلم حتي لوجاء هذا علي حساب تعبير الصورة وتأثيرها . كما أنك لوتأملت الأفيش فلن تجد فيه أي شيء يدعوللإثارة سواء بسبب أسلوب الإضاءة القاتمة الغالب علي الصورة أو وضع الشاب والفتاة الذي لا يوحي بأي شيء . وهنا في رأيي تكمن مشكلة الفيلم ، لا اقصد بالطبع عدم وجود ما يدعوللإثارة ، ولكن غياب الرؤية بوجه عام والتي بإمكانها أن تجعل لكل لقطة من الفيلم معناها ومغزاها وهدفها المحدد مهما تكن موحية بتفسيرات مختلفة.