سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"اليوم السابع" يعيش 200 ساعة فى بلاد العلم والعمل والفن.. هنا ألمانيا.. موظفو الوزارات الحكومية 20 ألف شخص وهو ما يقل عن نصف عدد العاملين ب"ماسبيرو".. والألمان يشيدون بالمصريين ويؤكدون بلادكم فى خطر
كل شىء هنا ينطق بالجمال، فالجد والاجتهاد، والعمل، شعار المواطن هنا فى ألمانيا والتى لا فرق فيها بين مدينة أو أخرى، لا فرق بين بون أو ليبزج أو برلين، وهى المدن الثلاث التى زرناها طوال رحلة امتدت لمدة 8 أيام و7 ليال، وستقرأ هنا مقارنات سريعة تجسد الاختلافات بين هنا وهناك.. الشرق والغرب.. ومصر وألمانيا.. القاهرةوبرلين. بمجرد وصولنا إلى مدينة بون العاصمة القديمة لألمانيا حتى عام 1991، فى رحلة استغرقت نحو 5 ساعات، قررنا، رغم الإرهاق وفارق 30 درجة فى حرارة الجو بين القاهرة وهذه المدينة، أن نجوب شوارعها، وكانت ساعة كاملة كافية لتقنعنا أننا فى وطن مختلف بمذاق مختلف. استيقظنا فى اليوم التالى، فى السابعة صباحا، فى المدينة التى يفوق عدد الموظفين التابعين للحكومة الاتحادية بها عدد موظفى الحكومة فى "برلين" حتى الآن، إذ يبلغ 9174 موظفاً، بينما لا يتجاوز عددهم فى العاصمة برلين 8756 موظفا، ولاحظ معى أن موظفى مبنى ماسبيرو فقط فى القاهرة ضعف هذا العدد مرتين، حيث يزيد عددهم على 40 ألف موظف.. المهم غادرت أنا ووصديقتى صفاء، فى التاسعة من الفندق لنتجول فى المدينة العتيقة، هنا كنيسة بنيت فى القرن الثالث الميلادى وتشعر أنها بنيت منذ سنوات قليلة.. غلبتنى الحسرة وقتها على عمارة "وسط البلد"، والقاهرة القديمة التى نقتلها بإهمالنا، وإهمال أهلها لها، وهنا شارع مخصص فقط للمشاة، وهنا البرد الذى لم نشعر به، حتى الشحاذ الوحيد الذى التقيته فى المدينة كان عربيا، إذ فوجئت بسيدة عربية تسألنى "عربى أخى"، ففرحت وقلت لها نعم، ففاجأتنى بقولها "عايزة فلوس"، وضحكت صديقتى صفاء. قضينا يومين فى بون، زرنا فيهما متحف بيتهوفن، ووجدنا فى الساعة التى زرنا فيها بيت "بيتهوفن" البسيط الذى قضى فيه نحو 4 سنوات من عمره، نحو 100 من الشباب والسيدات والفتيات، فى هذا البيت البسيط المطل على الشارع عدد من الآلات والتماثيل لبيتهوفن، وملحق به مكتبة لبيع التذكارات يتوافد عليها المئات يوميا، وقتها عدت بذاكرتى، إلى مصر وبالتحديد متحف أم كلثوم رغم أنه فى تحفة معمارية بقصر المانسترلى الذى لا يزوره إلا عشرات الأشخاص شهريا، وأيضا متحف أحمد شوقى الشاعر العظيم الذى لا يزوره فى العام إلا العشرات، ولولا الندوات والاحتفاليات لما زاره أحد إلا نادرا. فى اليوم التالى، زرنا مع الدكتور أشرف منصور رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية بالقاهرة، ووفد الجامعة، معهد الرياضة المتميزة بجامعة بون الذى أنشئ منذ نحو 30 عاما، وفيه تجد أول "حاسبة فى العالم لجدول الضرب" صممت فى عام 1623 ميلادية، بالإضافة لمئات الحواسب والآلات التاريخية، كوسيلة لتعليم طلابهم كيف تطورت التكنولجيا، وهذا المعهد هو الرائد على العالم فى الرقائق الإلكترونية وهى الرقائق الموكلة بالعمليات الحسابية ومعالجة البيانات، مثل المايكروبروسسور وكنترول شبكات البيانات الكبرى مثل شبكات الإنترنت والتليفون، بدءا من رقائق عليها مليون ترانزيستور وخمسة عشر مترا من خطوط التوصيل ونهاية برقائق اليوم ذات المائة مليون ترانزيستور والواحد ونصف كيلو متر من خطوط التوصيل، واللافت أن رقائق أجهزة أبل الشهيرة التى طورت مؤخرا، تمت فى هذا المكان. وجدير بالذكر، أن معهد بحوث الرياضيات بجامعة بون، أهدى لوحة للجامعة الألمانية بالقاهرة بالتعاون مع الهيئة الألمانية للتبادل العلمى DAAD اعترافا بمجهود الجامعة الألمانية لتدعيم العلوم الأساسية، ولذا أطلق على إحدى اللوحات "أشرف" نسبة إلى رمزية الدكتور أشرف منصور للجامعة الألمانية بالقاهرة. انتقلنا لمدينة لايبزج مهد الثورة الألمانية السلمية البيضاء، ضد الشيوعية، فقبل شهر واحد من سقوط جدار برلين، 1989، انطلقت المظاهرات الحاشدة من كنيسة القديس نيقولاى، التى قصدها نحو سبعين ألفا من المواطنين، ولم يستطع حزب الوحدة الاشتراكى الألمانى الحاكم أن يقوم بشىء تجاهها، إذا إنه كانت التعليمات الصادرة للشرطة وقتها فى 9 أكتوبر 1989 بعد يوم ونصف اليوم من تظاهرات 7 أكتوبر المصاحبة للذكرى السبعين على جمهورية ألمانيا الديمقراطية، باستخدام الرصاص لإنهاء الثورة فى حال مقاومتهم بالحجارة أو مواجهتهم، ولكن الآلاف من كنيسة القديس نوقلاس خرجوا وهم يحملون الشموع، بكلتا يديهم، دلالة على سلمية تظاهراتهم، وعدم استخدام العنف، فانسحبت قوات الشرطة دون إطلاق رصاصة واحدة التزاما بالأوامر، وبعدها انطلقت التظاهرات فى جميع أنحاء ألمانيا، تطبق فعليا سلمية الثورة، ويردد المتظاهرون بصوت هادر "لا للعنف نحن الشعب"، ليكون هو الشعار الذى قاد ألمانيا إلى الوحدة. فى ليبزج، المدينة الساحرة، التى تضم أكبر محطة للقطارات فى أوروبا بأكملها، وربما واحدة من أكبر محطات القطارات فى العالم، وتحت الثلوج المتساقطة من السماء، يفاجئك مشهد العرب والمصريين الذين تلتقيهم، وهم يدرسون فى الجامعات هناك فى مختلف التخصصات، يحثونك بقلق عن مصر التى يعشقون ترابها، يتمنون أن تتقدم بلادهم بعد الثورة، بعد أن تخلصت من إرث ثقيل كان يجثم على أنفاسها. أما بالنسبة للألمان، فهم يتساءلون عما يحدث فى مصر، رغم أنهم يشيدون بأبنائها، حيث قالت لى الدكتورة Anja mengel التى التقيتها فى الطائرة، فى رحلة العودة من برلين، "مصر الآن خطر"، وقالها أيضا عشرات الألمان الذين عرفوا أننا مصريون، وأشاروا إلى أن هناك عزوفا وتحذيرا من القدوم لمصر من الجهات المعنية، ومن التليفزيون، خاصة فى ظل الحوادث الأخيرة، لكنها وعدتنى فى نهاية الأمر أن تزور مصر العام المقبل. كما زرنا فى "ليبزج" جامعة ليبزج التى وقعت الجامعة الألمانية بمصر عقد التعاون معها مرة أخرى لخمس سنوات جديدة، وزرنا جامعة الاتصالات التى لا يزيد عدد طلابها على 1000 طالب، وهى تابعة لإحدى شركات الاتصالات التى تنفق عليها وغير هادفة للربح، وتدرب وتعلم بها موظفيها، وتستفيد من أبحاثهم فى تطوير منتجاتها، فى حين أننا هنا فى مصر نلقى بأبحاث الأساتذة والعلماء فى سلال المهملات، ويوجد فى ألمانيا ذات ال85 مليون نسمة تقريبا 380 جامعة حكومية، فى حين يوجد فى مصر الذى تماثلها فى عدد السكان تقريبا 19 جامعة حكومية فقط. فى برلين، محطتنا الأخيرة قبل عودتنا إلى مصر، شاهدت الشرطة لأول مرة منذ قدومى لألمانيا، فى مظاهرة نظمها أكراد للمطالبة بحقوقهم، رغم تجولى فى الشوارع ليلا ونهارا ل7 أيام متتالية، سألت عن ظاهرة عدم تواجد رجال المرور، الصحفى الرائع فولكهارد فيدنفور رئيس جمعية المراسلين الأجانب بمصر ورفيقنا فى الرحلة، فقال لى "كما لاحظت الناس هنا منضبطة، والسيارات لا تكسر إشارة مطلقا، وهناك دوريات شرطة طبعا موجودة" مفسرا ذلك ب"الانضباط" و"التكنولوجيا"، التى تستخدمها الشرطة لشرطة موجودة، لكن سلوكيات الناس منضبطة". عودة إلى المظاهرة، فقد تواجدت بالقرب منها الشرطة الألمانية، التى لم تشتبك نهائيا بالمتظاهرين، وإن كان المتظاهرون على الجانب الآخر التزموا بقوانين التظاهر هناك، حيث أخطروا السلطات بموعد المظاهرة، ونظموها فى ميدان فيتنبرج، ولم يعطل شخص واحد المرور، أو يقف فى منتصف الشارع، أو يكسر إشارة المرور، وهتفوا هتافات بمطالبهم، وانتهت تظاهراتهم ورحلوا فى هدوء.