ثار شباب مصر على النظام السابق وأقاموا قيامته، وأنهوا فترة طويلة من الفساد والظلم والطغيان. واستبشر المصريون خيرا، وطمعوا أن يجنوا ثمار هذه الثورة، وحلموا – وهو حلم مشروع- أن تتحسن أحوالهم وينالوا نصيبا من أموال مصر المنهوبة والمهربة، بعد استردادها من الخارج. ويبدو أن ربيع مصر لم يكن على هوى من اختاروا أن يكونوا ضد الشعب، لأنهم يعرفون كيف يستفيدون من القمع والإذلال والإفقار، ويحسنون الاصطياد فى المياه العكرة، بل وينتفعون ويحققون الكثير من طموحاتهم من زعزعة الاستقرار ونشر الذعر واختلال الأمن. وإزاء ما يحدث، فبعض المخلصين يرون أن الفلول هم السبب الحقيقى وراء حالة عدم الاستقرار والضبابية فى الشارع المصرى، ويؤكدون أن السبيل الوحيد هو الخلاص من البقية الباقية من ذيول النظام البائد. ويرى نوع آخر – وهو مسئول عن رؤيته - أن اللصوص والبلطجية وأولاد الشوارع الذين أفرزتهم الثورة هم سبب الفوضى. ويرى صنف ثالث أن القائمين على الحكم ورجال الداخلية يتقاسمون مسؤولية ما يحدث. ويعتقد صنف أخير – وقد ساهم العسكر فى هذه الرؤية ويتم تكريسها يوما بعد يوم – أن البلاد تتعرض لمؤامرة ستطال كل شبر فى مصر، وربما كانت هذه الثورة بداية النهاية. ورغم المحاولة المستميتة لتهميشهم، إلا أن العقلاء يرون أنه لا خلاص من الفلول فى الوقت الراهن، فوجودهم حتمى، وواقع، ويدللون على قناعاتهم بأنه طالما الرأس مازال يتنسم هواء الحرية فالذيل سيظل ينبض بلا شك. ويؤكدون أن التخلص من الفلول لن يتم إلا بالتسريع فى محاكمة الرؤوس الذين يتعمدون استفزاز المشاعر بالضحك المصطنع، ولم يبق إلا أن يخرجوا ألسنتهم أمام الكاميرات. ويفترض عقلاء آخرون أن الاستقرار لن يعود قبل أن توضع كل الأمور فى نصابها.. إلا أنهم يزحمون العقول بنثر العديد من الأسئلة فى الوجوه.. مستفسرين من سيقيم العدل المزعوم؟ هل هم البعض من القضاة الذين أشرفوا يوما على الانتخابات المفبركة فخرجت لنا بنتيجة 99.9% لصالح الوطنى وأذنابه، أم هم الذين يتلكأون ليضيع حق شهداء ومصابى الثورة، بل ويضيع حق 85 مليون مصرى تعمد زبانية النظام إبادتهم وإضرارهم بالجملة؟ أم هم الذين فصّلوا دستورا بالمقاس، لا يعطى حق الرئاسة بعد المخلوع إلا لشخص واحد فقط، ولو بحثوا فى أرجاء الدنيا لن يجدوا من تنطبق عليه المواد المعدلة سوى الوريث المأسوف عليه؟ أم هم البعض من القضاة الذين غضوا الطرف عن كل التجاوزات التى مورست ضد شعب بأكمله كاد يضيع نتيجة أن من يقيمون العدل ليسوا عدولا. بالله عليكم.. هل يثق المصريون بهؤلاء بعد ذلك؟ المثير للدهشة أن الأسئلة كثيرة، تتداخل وتتعارض وتقحم الناس فى متاهات لا حصر لها، وتزيد استفهاماتهم فيغوصون بحيرتهم حتى آذانهم فى وحل من التيه. المحصلة.. هل هناك حلول تلوح فى الأفق؟ بالتأكيد هناك حلول، فرجالات وعقلاء وحكماء وتنويريو مصر كثر وأصحاب آراء سديدة، وساهموا ويساهمون فى بناء الكثير من الأنظمة، ويؤخذ بنصائحهم فى وضع دساتير أكثر بلدان المنطقة، ولا شك أن أصحاب الفكر الذين عبأوا وساهموا فى تشكيل وجدان الشعب طوال سنوات الفساد قادرون أيضا على إيجاد حلول حقيقية تنقذ مصر من براثن مؤامرة ربما تحاك من الداخل لا الخارج. مصر والمصريون يمرون بلحظة فارقة، وهم فى أشد الحاجة إليكم. فلا تتخلوا عنهم.