، بأيدى أبنائها، بسواعد رجالها، بعرق شبابها، بهمة نسائها، بدعاء شيوخها، بخير أرضها ورعاية نيلها وصفاء سمائها وروعة شعبها. مصر التى صنعت الحضارة وصدرت الريادة وعلمت المجد فنون الفخر والعز. صنع فى مصر نعم هناك صناعات مصرية خالدة منقوشة فى وجدان وذاكرة التاريخ. وهاهى الأمثال أمامنا واضحة جلية هاهى الأهرامات شاهدة على الصناعة المصرية والحضارة الشعبية، شاهدة على خلود هذا الشعب العبقرى العظيم، وها هى الآثار صامدة راسخة تجابى عطب السينين، وحتى لا نتغنى بماضينا، شيدت مصر هذا السد الأصيل هذا العالى المكين من صنع أبنائها الذين نبشوا صخره ففاض الحجر حبا وحنين لنيل مصر وهذا الشعب الأصيل. الشعب الذى صنع المستحيل وعبر التاريخ وعلم العالم فنون الحرب والقتال والنزال، وهزم قوى الظلم العالمية فى السادس من أكتوبر بنصر من الله مبين. ولكن الشعب الأبى راح فى سبات عميق لمدة تزاحم الستين عاما من القهر والظلم والتيه والتوهان والتشرد والفقر والمرض بأيدى قلة من الخونة، الذين باعوا أول ما باعوا شرفهم ووطنهم ودينهم فباعوا تباعا أبناء بلدهم وصحتهم وتعليهم وأرضهم وسمائهم، تاجروا فى شعبهم وفى تراثه وفى مقدراته، لكن الشعب الأبى الصامد أبى أن تمر حياة الرمز الأكبر فى الفساد وإفساد الحياة دون أن يلقنه درسا فى فنون الرد، فنحن شعب لا ننسى الجميل ولا تفوتنا الإساءة ولو طالت بها وبنا السنين. ظهرت الصناعة المصرية جلية فى ثورة شعب علم الدنيا كيف تكون الثورة، وكيف تكون التضحية، وكيف تكون التلبية وكيف يكون العطاء ورد الجزاء. ثار الشعب، ثار الشعب على الظلم وعلى الجهل وعلى المرض، ثار الشعب الذى لم يراهن عليه فرسان الرهان، ثار كالأسد فى غابة يحكمها الذئاب، ثار كالصقر فى فضاء يحكمه الغراب، ثار كثورة شمس وضوئها على ظلمة الفجر. ضحى بأجمل ما لديه وقدمه فداء، ضحى بربيع العمر وثروته، ضحى بحنين القلب وفلذته، ضحى وقدم قرابين النجاة فداء. ضحى بأخير ما لديه شباب مصر، ثار الشعب. فاستجاب القدر. ثورتنا الآن فى عمرها الأول تطرح بعض الثمار، وإن كنا قد استبطأنا ثمارها، ولكنى أرى الآن فى شجرتها بعض ثمار النضج، وأرى فيها الطيب، أرى فى ثمارها برلمان الثورة يمثل الوطن بكل ما يحمل من طوائف وأفكار. ومازالت بعض الثمار فى طريقها للنضج كوضع دستور جديد وانتخاب رئيس مصرى لأول مره منذ عقود عديدة. رحم الله شهدائنا فهم أصحاب الفضل، وأعان الله مصابينا فهم أهل المنح ورزقنا الله الإخلاص للثورة، فهى قبلة الحق.