انطلاق فعاليات امتحانات "الميدتيرم" بكليات وبرامج جامعة القاهرة الأهلية    غدًا.. المصريون بالداخل يدلون بأصواتهم في المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب 2025    حجازي وحسين يبحثان أنشطة تحالف جامعات إقليم الدلتا    وزير المالية: الدولة تطرح فرصًا كبيرة واستثنائية للاستثمارات التنموية لبناء مجتمعات عمرانية متكاملة    فيديو.. وزير الاتصالات: نستهدف 7.4 مليار دولار صادرات رقمية خلال 2025    هيئة البث العبرية: 97 جريمة لمستوطنين بالضفة خلال أكتوبر    هيئة البث العبرية: ويتكوف وكوشنر يزوران إسرائيل غدا لبحث أزمة العالقين في رفح    بلحاج وعثمان يقودان تشكيل سيراميكا كليوباترا في مباراة بيراميدز    ضبط سائق سمح لطفله بقيادة ميكروباص مدرسة بالإسكندرية    فعاليات ببورسعيد تناقش دور المتاحف في صون الهوية المصرية    أحمد سعد يتألق خلال حفل جماهيري ضخم على مسرح يايلا أرينا في ألمانيا    ورش للأطفال وتوعية وفنون في انطلاق قافلة الثقافة عبر المسرح المتنقل بقرية بنجر 28    أردوغان: نستعد لإرسال منازل مسبقة الصنع من «منطقة زلزال 2023» إلى غزة    833 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى    محمد معيط: التعريفات الجمركية ألقت بظلالها على صناعة التأمين وأثرت على النمو الاقتصادي    انتظام أعمال الدراسة بالمركز الثقافي بأوقاف السويس    بدء استئناف المتهمين بقضية الدارك ويب على حكم إعدام الأول وسجن المتهم الثاني    تأجيل محاكمة 10 متهمين بخلية التجمع لجلسة 29 ديسمبر    السكة الحديد تشارك فى نقل القضاة المشرفين على انتخابات مجلس النواب    البورصة تواصل الصعود في منتصف جلسة تداولات اليوم    بين السياسة والرياضة.. أحمد الشرع يثير الجدل بلقطة غير متوقعة مع قائد أمريكي (فيديو)    مسئولون عراقيون: الانتخابات تجري بشفافية عالية ولم يسجل أي خلل    لها «وجه شرس».. 3 أبراج تُخفي جوانب سلبية في شخصياتها    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    عوض تاج الدين: الرئيس السيسي يتابع أسبوعيًا مراحل إنجاز مستشفى 500 500 تمهيدًا لافتتاحه    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح    برلماني يدعو المصريين للنزول بكثافة إلى صناديق الاقتراع    وزير الخارجية يؤكد أهمية تعزيز التعاون بين مصر ودول المنطقة في مجال الطاقة    عاجل- قبل صرف معاشات ديسمبر.. التأمينات الاجتماعية تتيح تعديل جهة صرف المعاش    أجهزة الداخلية تتمكن خلال 24 ساعة من ضبط 337 قضية مخدرات و150 قطعة سلاح    مديريات التربية والتعليم تبدأ تجهيز الاستمارات الورقية لطلاب الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2025/2026 استعدادًا للامتحانات    الداخلية تعلن إطلاق خدمة vip إكسبريس "الإختيارية" بإدارة تصاريح العمل    بث مباشر.. التشغيل التجريبي لمونوريل شرق النيل بدون ركاب    وزير الخارجية يؤكد لنظيره النيجيري عمق العلاقات التاريخية بين البلدين    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    عصام شيحة: المشاركة في الانتخابات واجب وطني واستثمار حقيقي في مستقبل الأجيال    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    صفاء أبو السعود تكشف عن تفاصيل مشاركتها في حفل الجراند بول    ليلى علوي فى الرباط.. حين يتحول التكريم إلى جسر بين الذاكرة والراهن السينمائي    يايسله: إيفان توني لم يلعب أمام اتحاد جدة لهذا السبب.. وكرة القدم ليس مثل الشطرنج    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    نهائي السوبر وقمة الدوري الإنجليزي.. تعرف على أهم مباريات اليوم    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    وزير الصحة الفلسطيني يعلن بدء استكمال حملة تطعيم الأطفال في قطاع غزة    العالم بطريقته    «السعيد يلعب على حساب أي حد».. شوبير يكشف مفاتيح الزمالك للفوز على الأهلي    المصريون بكندا ينهون التصويت في انتخابات مجلس النواب    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    اختتام فعاليات مؤتمر المعهد القومي للأورام "مستقبل بلا سرطان"    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    إخلاء سبيل شخص وصديقه بواقعة التحرش اللفظي بسيدة فى بولاق أبو العلا    حبس وغرامة.. نقيب الأطباء يكشف عقوبة التجاوز والتعدي على الطبيب في القانون الجديد (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 8-11-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشكيل السينمائى فى ديوان "نشيد للحفاظ على البطء"
نشر في اليوم السابع يوم 18 - 01 - 2012

عبدالرحمن مقلد شاعر من الشعراء الذين قدموا أنفسهم للوسط الثقافى المصرى والعربى، من خلال فوزه فى المسابقة الأدبية المركزية (دورة نجيب محفوظ ) الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية بالجائزة الأولى لعام 2011، وبصدق يستحق ديوانه الأول الذى جاء بعنوان "نشيد للحفاظ على البطء" الجائزة الأولى فى المسابقة الأدبية، وهنا يتبدى سؤال مهم، لماذا منحته لجنة التحكيم الجائزة الأولى؟ يبدو لى أن الشاعر عبدالرحمن مقلد شاعر يمتلك صوتا خاصا من خلال أدواته الشعرية التى تنوعت داخل الديوان، ومن ثم فإنه اهتم بتفجير أدوات شعرية مغايرة داخل الديوان مثل (اللغة والمجاز والصورة والذات وعلاقتها بالآخر)، فهو لم يرتكز على السرد التقليدى النمطى داخل القصيدة، لكنه اهتم كثيرا بعملية تفجير السرد نفسه لصياغة مجموعة من السرود الشعرية المختلفة، متجاوزاً اللغة النمطية والصورة الشعرية المستهلكة فى الخطاب السائد، ومن ثم فقد جاء الديوان فى أربعة عشر نصا شعريا معتمدا على التشكيل اللغوى بصفة عامة، والتشكيل السينمائى بخاصة من خلال الارتكاز على روح التناص داخل الديوان والرمز الشعرى أيضا، وقبل الولوج فى عالم الديوان ينبغى أن نقف على العتبة الأولى للديوان، وهى العنوان الذى جاء فى صيغة مخاتلة، كيف يكون النشيد للحفاظ على البطء؟ وتكمن المخاتلة هنا فى عملية التركيب اللغوى نفسها، فقد جاء مناقضا للمنطق الشعرى، حيث إن النشيد يكون للحفاظ على الحماس الجماهيرى، ودغدغة مشاعرها، ومن ثم فإن البطء هنا أساس عملية رسوخ النشيد نفسه فى الذات نفسها من خلال منهجها إزاء الآخر، ذلك الآخر الذى كتب الشاعر من أجله نصه الشعرى، حتى وإن كان الآخر هو الذات الشاعرة نفسها، صحيح أن "مقلد" اعتمد على عملية البنية المركبة فى صياغة المشاهد الشعرية داخل القصيدة الأولى التى جاءت بعنوان "ما فعل الجنرال"، فإنه قدم مزجا شعريا سينمائيا بين المشاهد بعضها ببعض، حيث يقول :
"وجه النهر
الهادئ
البارد
طلب منى قبلة "رسالة انتحار" الشاعر الأمريكى لا نغستون هيوز
بل يوشك الجنرال أن يبكيه فعل الوقت
لا أتحمل البرد الشديد
ولا الرطوبة والعواصف
خاننى التوفيقُ
لو عاد الزمان فربما سأكون أعقلَ.
يتبدى من خلال المشهد الأول التلاقح النصى بين الشاعر الأمريكى لانغستون هيوز، وعبدالرحمن مقلد، وتكمن العلاقة التناصية هنا فى أن "مقلد" يرصد حالة مشهدية لحياة النهر من خلال حس أسطورى باهت الملامح، لأننا لا نعرف حقيقة النهر من حقيقة الإنسان نفسه، يتحد هذا المشهد بمشهد الجنرال الذى خارت آماله وخابت قواه أمام لحظات اتخاذ القرارات الخاطئة التى جعلت الذات فى حالة من حالات الندم الشديد الذى سيطر على نظرتها للحياة المعيشة، ونلاحظ ذلك جليا فى المشهد الثانى، الذى تقف فيه الذات موقف الراوى:
يجلس الجنرال فى المقهى
وحيدا
ممسكا فى راحتيه الشاى
رائحة القرنفل وحدها
تبقيه حيا
ارتكز المشهد الثانى على تقنية سينمائية أخرى، وهى الرمز السينمائى الإشارى الذى ارتكز فى مفردة واحدة، وهى القرنفل، لأن القرنفل رمز الحياة الخالدة ذات الذكرى الفواحة، داخل روح الذات الشاعرة نفسها، كما أن المشهد الشعرى نفسه يتماثل مماثلة رائعة للمشهد السينمائى الذى يعتمد على الحركة من خلال استخدام الفعل المضارع يجلس، والحال وحيدا، ممسكا، وتكمن بلاغة المشهد الشعرى السينمائى فى رائحة القرنفل التى تكون سببا فى حياة الجنرال، ونلاحظ أيضا فى المشهد الثالث صورة هذا الجنرال الرمز الذى اعتمد عليه "مقلد" فى تصوير حياة الإنسان الذى ضاع وقته وعمره هباء لم يفعل شيئا نافعا فيه، فيقول الشاعر ساخرا من نفسه ومن البقاء:
خسرتُ ما ربحت يداى
.. ربحت ما خسرت يداى
يبدو المشهد متحدا مع المشاهد السابقة، من خلال عملية الإيقاع السينمائى البطىء داخل حركة الكاميرا التى تمنحنا رؤية خالية من التشويش الاستعارى المنمق، هذا المجاز الصافى الذى لم تتطرق له البلاغة القديمة، ونلاحظ أيضا أن الشاعر هو الراوى الحقيقى لهذه المشاهد من خلال اللعب بالضمائر الشخصية المختلفة داخل المشهد، وتجلى ذلك فى استخدام أفعال مثل (خسرتُ، ربحتْ، ربحتُ، خسرتْ) ومن ثم يستطيع المتلقى أن ينتقل من مشهد لمشهد شعرى آخر عن طريق البعد الدلالى الخلفى الذى يكمن وراء النص نفسه، وقد تحقق ذلك جليا فى بعض المشاهد مثل:
يظل يسمع للضجيج
لكى يصالح نفسه
يا نفس لم نقصد
سوى أن نستريح وأن نريح
وما فعلنا كان يُفعلُ وحده
تتوالى حركة السرد تباعا داخل المشهد من خلال تركيز الكاميرا على شخصية البطل النصى (الجنرال)، ومن ثم يتكون فى وعينا ذلك التداخل الحوارى بين شخصية الراوى الشعرى، والمروى عنه الجنرال وبين حديث الذات عن نفسها من خلال الجنرال، وملاحظ بلاغة الندم التى تعيشها الذات الشاعرة من خلال فعل الوقت نفسه الذى يفعل كل شىء، وكأن الذات مرغمة على أفعالها السابقة التى فعلها الزمن رغما عنها، ولكن الذات كانت ذاتاً ضعيفة أمام فعل الزمن الشعرى الذى طوح بها فى عالم لا يبقى على أحد، صحيح أن بلاغة الندم التى تتلبسها شخصية البطل النصى داخل القصيدة تؤكد خداع الذات لنفسها بل تناقضها فى كل شىء، فقد تجلى فى المشهد قبل الأخير حيث يقول:
ما يحزن الجنرال
ما يبقيه أوهن من خيوط العنكبوت
هم الضحايا..
كان يلمح فى عيون نسائهم نظرات حزن
كن يحملن الطعام إلى الحقول
على الأكف صغارهن وهن يملأن الجرار
فلم يكونوا خارجين
وفاسدين لكى يموتوا
"تتكشف الحال فى هذا المشهد الفائت من خلال المبررات الواهية التى تقدمها الشخصية البطل من خلال تركيز العدسة الكلية لزاوية الكاميرا عليها حتى تكون لها القدرة على طرح أسباب حزنها الواهى، ويكمن السبب الرئيس فى عملية الحزن، أولئك الضحايا الذى استشهدوا بغير ذنب فقد راحوا فداء للحرية وللوطن الذى اختمر فيه الفساد وتعفنت فيه بؤر الشر، ومن ثم فقد أدرك ذلك الجنرال فى نهاية عمره أن العمر لا يكفى لحصر أعداد الضحايا الذين لقوا حتفهم على يد الجنرال، وإن كانت مفردة الجنرال تستدعى الموسيقى التصويرية العسكرية التى تقتحم آذان الشهداء وبيوتهم وقلوبهم، وتجلى فى قوله: "لم يعد فى العمر، ما يفنيه فى حصر الضحايا".
ويختم "مقلد" قصيدته بمفارقة تصويرية عندما يستدعى صورة الجنرال وفى اللحظة نفسها يستدعى صورة الحظيرة التى يسكنها الفقراء، لكن الجنرال لم يدرك خديعته إلا فى نهاية الزمن الرخيص الذى بدده فى القتل والسبى والسحل، فيقول عبدالرحمن مقلد:
يعرف الجنرال أنّ الظلم عين الظلم ذلك
يعرف الجنرال أنّ عليه أن يقتصَّ
كى تبقى الحياة على بداهتها
إذن من حظهم من فى الحظيرة
أنه لم يدرك الجنرال خدعته
سوى فى آخر المشوار
حين يظل يجلس ساخراً من نفسه ويقول:
ما فعلت يداى أظن ما فعلت يداى"
يأتى المشهد الشعرى السابق ممتزجا بلغة السينما فى نسيجها المعرفى لا اللغوى البحت المباشر، بل اعتمد على تقنية الحوار المباشر بين الذات والآخر داخل مشهد مباشر وآخر غير مباشر من خلال تقنية المنولوج الداخلى من ناحية والديالوج الخارجى من ناحية أخرى، أعنى الدور الذى قام به الراوى الخفى داخل المشهد ذلك الصوت الذى يمدنا بماهية الجنرال الذى سخر من أفعاله، متهما الزمن الذى قام بالفعل بتنكيل وقتل وسفك لضحايا أبرياء لم يفسدوا فى الأرض كما كان يظن، وعليه فقد تمثل هذه المشاهد مفتاحا جليا لقراءة نصوص الشاعر عبدالرحمن مقلد، بجانب مفاتيح نصية متعددة طرحها النص الشعرى لديه، فهنيئاً لنا بشاعر اخترق بنصه دائرة الوسط الثقافى العربى والمصرى، بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.. وشكراً للهيئة التى رجعت لصوابها فى تقديم الكوادر الشعرية الشابة، والاحتكام للجان المختصة التى تجتنب الفوضى والمحاباة والمجاملات الدنيئة فى الإبداع الشعرى والنثرى.
غلاف ديوان نشيد للحفاظ على البطء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.