بأكثر من طريقة حاول «المجلس العسكرى» أن يفهمنا أن الثورة ثورته، وأنه قام بانقلاب «يسمونه ناعما» على رئيس الجمهورية الذى أقسموا له بالولاء!!. وكان تسريب فيديو كواليس إذاعة خطاب تنحى «مبارك»، آخر دليل قدمه لنا الجنرالات.. لكن يبدو أننا من محدودى الذكاء، لم نفهم بالتلميح ولا بالتصريح، والآن علينا أن نفهم بصدام دموى يسقط فيه الشهداء، ليظل الجيش خطا أحمر مرسوما على الأسفلت بدماء المصريين الطاهرة!. 10 قتلى ومئات المصابين خلال أكثر من 36 ساعة من العنف، حتى كتابة هذه السطور، والعسكر مازالوا يقذفون الثوار بزجاجات «المولوتوف» فى مشهد يجسد قمة الوحشية والشراسة لإثبات القوة!. الشعب منقسم على نفسه، لا يصدق مشاهد سحل الشرطة العسكرية للمتظاهرين، وتعرية فتاة من نقابها، وجرها بملابسها الداخلية على الأسفلت. أى جنون هذا الذى يحكم تلك المرحلة من عمر الوطن؟!. أى لعنة تلك التى تلاحق الثورة بفلول الحزب الوطنى، وأذناب أمن الدولة و«اللهو الخفى» الذى يحدثنا الجنرالات عنه دائما، بصفته «الطرف الثالث».. يطلق الرصاص على الفريقين «الشرطة والعسكر من جهة، والثوار من الجهة الأخرى»؟!. لقد جاء المجلس العسكرى برئيس حكومة سلمه صلاحيات رئيس الجمهورية، وجعل إعادة الأمن أولى مهام وزارته، وكأن المجلس العسكرى جاء ب «برافان» يخفى سوء إدارته لمرحلة الحكم الانتقالى. وبدا واضحا أن جهاز الشرطة عاد بكل شراسة إلى الشارع، والشرطة العسكرية تقف خلفه لتحميه. على أمل تصديق ما يردده أعضاء المجلس العسكرى -فى كل صدام دموى- من أن أيادى الجيش بريئة من دماء المصريين!. من موقعة «العباسية»، و«ماسبيرو»، و«محمد محمود» إلى موقعة شارع «قصر العينى» ،والعسكر يقدمون نفس التبريرات الساذجة. لقد قالوا عن «رامى عصام» أنه «بلطجى»، وهو مطرب الثورة!. وأسقطوا العديد من الشهداء والمصابين، وجرجروا الشباب إلى المحاكم العسكرية، والشابات الى كشوف العذرية، ومارسوا كل أشكال القهر وانتهاك حقوق الإنسان ومصادرة الحريات، وفصّلوا القوانين لإحكام دائرة حصار الثورة.. فما الذى يريده المجلس العسكرى؟!. يريدون ألا يعلم الشعب شيئا عن ميزانية القوات المسلحة؟، ليكن.. شريطة ألا يشترون بعرقنا ودمائنا رصاصا يغتالون به شبابنا.. أن يكفواعن استيراد الغازات السامة لتفريق المعتصمين، ويوفروا ثمن الخرطوش والرصاص المطاطى لشعب جائع واقتصاد منهار. عندما أراد المجلس العسكرى إجراء الانتخابات فى موعدها، اختفت البلطجة من الشارع، وعندما أرادوا البلطجية لقتل المعتصمين أمام «ماسبيرو»، وعمل كمين للثوار فى «العباسية».. ظهر البلطجية (!!). جميعنا نعلم أن الباعة الجائلين المتمركزين فى ميدان التحرير للتحرش بالمعتصمين، والإساءة للثورة والثوار، وإشعال الحرائق هم «مخبرون»!. جميعنا نعلم أن معظم القوى السياسية متواطئة مع المجلس العسكرى، وأن قوى الإسلام السياسى تغنى «يا صلاة الزين»، بينما الشباب يقتلون فى شارع «قصر العينى».. إنهم جميعا يقتسمون كعكة الوطن معا، ويسممون الثوار!. لماذا لا نصرخ بصوت عال: «يا غولة عينك حمرا»، بعد أن نشرت كل الصحف العربية والأجنبية صور العار الذى لحق بالجيش المصرى، وهو يسحل المتظاهرين فى الشارع!!. لقد بدأت فى مصر حرب الشوارع بين الجيش والشعب، ولم يعد من حق الجيش المصرى أن يفخر بأنه لم يفعل ما فعله الجيش الليبى أو السورى .. وهو وضع محزن ومؤلم.. فكيف نعود إلى نقطة البداية: «الجيش والشعب إيد واحدة»؟. لابد أن يتنازل حكامنا عن العناد، وأن يعيدوا الثوار كشركاء له فى إدارة المرحلة الانتقالية. أن يحققوا بعضا من أهداف الثورة المعطلة، ويكفوا عن احتكار العمل السياسى، وتعيين «مستشاريهم» وإقصاء الجميع لصالح حلفائهم من الإخوان المسلمين والسلفيين. على المجلس العسكرى العمل على إجراء محاكمة سريعة لقتلة الشهداء، من موقعة «الجمل» إلى موقعة «قصر العينى»، وإقالة حكومة «الجنزورى» التى أشعلت الأزمة، وإلغاء قانون الطوارئ، والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين، وإطلاق حرية الصحافة.. فهل يفعل؟. لا أعتقد!.