كشفت دراسة أصدرها المعهد العربى للتخطيط أن الزيادة الكمية فى مستويات رأس المال البشرى فى غالبية الاقتصاديات العربية،لم تؤد إلى زيادة فى معدلات نمو الإنتاجية والفاعلية، معتبرة أن السبب يعود إلى "ترد فى نوعية التعليم". وأصدر المعهد العربى للتخطيط عدداً جديداً من"سلسلة الخبراء" تحت عنوان "رأس المال البشرى والنمو فى الدول العربية"، تضمن دراسة عن العلاقة بين نوعية رأس المال البشرى ومعدل نمو الإنتاجية. وشدد المعهد فى إصداره الجديد على "أهمية تنمية العنصر البشرى الذى يؤدى دوراً أساسياً فى عملية النمو والتنمية بشكل عام، مشيراً إلى أن ثمة لغزاً فى العلاقة بين النمو ورأس المال البشرى فى الدول العربية، يكمن فى أن ثمة انخفاضاً فى معدلات نمو الإنتاجية لغالبية الاقتصاديات العربية وخصوصاً النفطية منها، رغم الزيادة الملحوظة فى مستويات رأس المال البشرى فيها من الناحية الكمية". ولاحظت الدراسة أن "عملية نمو الإنتاجية ليست إلا عملية مستمرة للإبداعات المعرفية وتدفقاً مستديماً للأفكار الجديدة والخلاقة. وتنبع الأفكار الجديدة من العقول المتعلمة كما فى الثورة الصناعية التى صاحبها ظهور وتنامى طبقة من المتعلمين قادت وشجعت عملية تبادل الأفكار، وحل المشكلات فى مواقع العمل وخلق أفكار مصرفية جديدة .الخ". واستنتجت الدراسة أن "مستوى رأس المال البشرى يعتبر عاملاً مهماً جداً فى تفسير معدلات نمو الإنتاجية". وركزت الدارسة على نوعية التعليم، التى اعتمد فى قياسها على نتائج اختبارات قياسية عالمية فى الرياضيات والعلوم، تقوم بنشرها مؤسسة دولية تتولى اختبار عينات عشوائية من الطلاب فى السنتين الرابعة والثامنة فى عدد من دول العالم، ومنها بعض الدول العربية، مع العلم إن "هذا المقياس للمهارات الإدراكية ليس إلا مقياساً تقريبياً لنوعية رأس المال البشرى". وأفادت الدراسة بأن "زيادة رأس المال البشرى العربى الذى شهدته العقود الثلاثة الأخيرة لم تصاحبها زيادة فى معدلات نمو الإنتاجية كما حدث فى دول العالم الأخرى". وأشارت إلى أن "ثمة علاقة جزئية طردية بين نوعية التعليم ومعدل نمو الإنتاجية فى ثمانى دول من مجموع دول العينة التى شملتها الدراسة، وتنعدم هذه العلاقة فى بقية الدول. فعلى سبيل المثال، تمثل كوريا الجنوبية والولاياتالمتحدة تمثلان فى نوعية رأس المال البشرى والنمو، فيما تمثل سوريا وقطر والكويت والجزائر والسعودية انخفاضاً فى نوعية رأس المال البشرى والنمو". وأبرزت أن "هناك علاقة طردية قوية بين معدل نمو الإنتاجية وما يسمى فائض الأفكار والذى يمثل الفرق بين نتاج الفكر فى الدول الصناعية الخمس المتقدمة (الولاياتالمتحدة، بريطانيا، اليابان، ألمانيا، وكندا) وبقية دول العالم، والذى يعتمد أساساً على عدد السكان العاملين فى قطاعات البحث العلمى". واعتبرت الدراسة "أن الفرق بين نوعية التعليم فى أى دولة وكوريا على سبيل المثال لا يُفسر الفرق فى معدلات نمو الإنتاجية، والسبب يعود إلى عدم تغير نوعية التعليم بين فترة وأخرى بشكل يكفى لتفسير التغيرات الكبيرة فى معدلات نمو الإنتاجية وخصوصاً فى العالم المتقدم. أى على سبيل المثال، إن الفرق فى نوعية التعليم بين سوريا وكوريا الجنوبية أو الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية، لا يفسر الفارق الكبير فى معدلات نمو الإنتاجية بين البلدين". وفسرت الدراسة هذه النتائج بأن "ثمة تردياً فى نوعية التعليم بشكل عام، مما أدى إلى تردى نوعية رأس المال البشرى". وأضافت أن "النتائج تدل على أن الدول العربية لا تعانى قيداً من نقص العمل أو شدة رأس المال، بل تعانى من مشاكل انخفاض الفاعلية والتى قد تكون مرتبطة بنوعية التعليم، مع الملاحظة أن كلا من البحرين، الأردن، ولبنان رفعت من نوعية رأس المال البشرى لكنها لا تزال تعانى من تدهور الإنتاجية".