مصر يمه يا بهية.. يام طرحة وجلابية.. الزمن شاب وانتى شابة.. هو رايح و انتى جاية.. جاية فوق الصعب ماشية.. خطرت ببالى هذه الأبيات الرائعة المعبرة لأستاذنا أحمد فؤاد نجم حين رأيت شباب مصر أمواجا متلاحقة متلاصقة، معتصمة فى ميادين التحرير المصرية منذ يوم الجمعة قبل الماضى، وأعتقد أن نجم كتبها وكان لا يزال شابا، أجل يا أستاذنا.. مصر لا تزال شابة بشبابها وفتيانها وفتياتها وكهولها، (الكهل هو من عمره بين الخامسة والعشرين والأربعين)، بينما العواجيز (إللى رجليهم والقبر) يحاولون بما بقى فى أعمارهم من أيام أن يلجموا خيول الشباب البرية الجامحة؛ فلا يستطيعون. هل تعلم أيها القارئ الكريم أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تدرج فى تقريرها السنوى لكل بلاد الدنيا دراسات إحصائية لديموغرافية السكان؟ ونظرة إلى هذه الإحصاءات فى بلدين هما مصر وبريطانيا ستريك عزيزى كم هى شابة مصر، وكم هى هرمة بريطانيا! يقول التقرير السنوى عن مصر إن نسبة المصريين الذين تتراوح أعمارهم من حديثى الولادة إلى أربعة عشر عاما هى 32٪، بينما نفس الشريحة العمرية فى بريطانيا هى 17٪، أى أن نسبة صغار السن (شباب الغد) فى مصر تقترب من ضعفها فى بريطانيا، ونسبة الشباب عندنا ضعف نسبتهم فى بريطانيا، وهو ما أقلق راحة أهل الغرب وأقضّ مضاجعهم، فالمستقبل تبدو ملامح ديموغرافيته منذ الآن، الشرق العربى المسلم، والشرق الصينى الهندى الصينى المعجز؛ كلاهما يتنامى أهل المستقبل فيهما بينما يتضاءل العالم الأوروبى الأمريكى، ولولا الهجرة المستمرة من دول العالم الثالث إليهم لتلاشت دولهم بسكانها العجائز. المهم فى هذه الحقيقة هو أن من أشعل ثورات الربيع العربى فى تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن هم شباب تلك البلاد، فقاموا ضد الأنظمة المتهالكة المسنة التى تحكم بلادهم منذ عشرات السنين، وكل هؤلاء الشباب ولدوا فى عصور الرؤساء الذين يحكمونهم، باستثناء سوريا التى ولد شبابها فى عصر الأسد الأب، أى فى عهد نفس نظام البعث العلوى الحكم. ولما أن كان العالم يعيش ثورة الاتصالات؛ فقد انفتح هؤلاء الشباب على العالم ليؤسسوا لثوراتهم، فرأوا أنظمة الحكم الغربية الديمقراطية، وكيف تختار الشعوب من يحكمهم فيها، شاهدوا بأعينهم الناخبين الأمريكيين يختارون بأنفسهم الرئيس الجديد أوباما وعمره لم يتعد الثالثة والأربعين، ولديه من زوجته ابنتان لا زالتا طفلتين، ومن قبله كانت زوجة تونى بلير حاملا حين انتخب زوجها رئيسا لوزراء بريطانيا، والرئيس الفرنسى طلق زوجته وتزوج من المغنية الفرنسية كارلا برونى، رأى شبابنا كيف تدار دفة الحكم فى دولة إسلامية هى تركيا، إذ أصبحت من دول العالم العظمى فى أقل من عشرة أعوام، ويحكمها رئيس الوزراء المنتخب رجب طيب أردوغان، وهكذا.. وكان هذا الانفتاح (المعلوماتى) على العالم أحد أهم العوامل التى شكلت وجدان الشباب الثائر فى دول العرب، ومع العوامل الداخلية الأخرى من القهر والظلم والفقر والبطالة والتعذيب والقتل والاحتكار المؤذى وبيع أراضى البلاد وممتلكاتها والتهام ثرواتها وتدمير مستقبلها؛ لم يجد الشباب أمامهم إلا الثورة من أجل مستقبلهم، فهم لا يريدون ولا يقبلون أن يبقوا تحت رحمة حاكم مسن أصابه الخرف، بينما يلتهم المحيطون به من عائلته ومنافقيه حاضر ومستقبل الشباب والأطفال، فخرجوا إلى الشوارع والميادين، مضحين بكل ما يملكون؛ أرواحهم فى سبيل التحرر من طغيان المسنين الذين يدّعون الحكمة والدراية. أيها الشباب الثائرون فى ميادين التحرير فى أرجاء العالم العربى.. لا تسمعوا كلام الكبار فليس فيه حكمة، بل هو الخضوع لهراوات الأمن وسيطرته كما خضعوا لعشرات السنين، وليس فيه عقل بل هو الجنون والخرف والطاعة للحاكم المجنون الخرِف، وليس فيه مصلحتكم أو ازدهار لمستقبلكم؛ بل هو الخراب له والتهامه لمصلحتهم هم، وتكديس الثروات فى خزائنهم.. فأرجوكم لا تستمعوا لهم.. وأكملوا ثورتكم حتى تختاروا حكامكم بأنفسكم.. وندعوا الله أن تكلل جهودكم الرائعة وثوراتكم المشرفة بالنجاح وتختفى من نفوسنا الظاهرة المؤسفة التى عششت فينا طويلا وهى ظاهرة تأليه الحاكم، فالحاكم ليس سوى إنسان سخره الله لخدمة شعبه وبلده فإن أخطأ قومناه وإن أصاب أعناه، وقى الله مصر وشعب مصر وخاصة شباب مصر الواعد وأعانهم على تحقيق أمانيهم فى رؤية حاكم مصر المقبل وهو مفعم بالشباب يعمل بهمة ونشاط من أجل رفعة وتقدم مصر وشعب مصر لا يخاف فى الله لومة لائم، والله من وراء القصد..