تتصاعد وبشكل كبير تلك الأيام "نغمة" أو "تساؤل كبير" لم يكن معروفاً وليس له وجود من قبل فى المجتمع المصرى، ولم يفكر أحد فى أن يطرحه على العامة أو الخاصة، هل تحب مصر وهل تفتخر بمصريتك وهل لديك استعداد للدفاع عنها فى حال تعرضها لأى هجوم؟؟ كان هذا هو موضوع الاستبيان الذى أجراه مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، وبصرف النظر عن نتيجته، والتى كانت والحمد لله إيجابية، وأظهرت أن 89% من أفراد العينة لديهم استعداد للدفاع عن الوطن، وأن أكثر من 90% يعتزون بمصريتهم، ولكن الأهم هو طرح هذا التساؤل فى هذا التوقيت وهل حقيقة أصبح المصريون يحبون بلادهم ومستعدون للدفاع عنها؟؟. أنا من أشد المؤمنين بذكاء هذا الشعب الفطرى، وقدرته على التمييز بين الذى يعمل لما فيه مصلحة الشعب أو الذى يعمل لمصلحته الشخصية من المسئولين، ومن الصعب خداعه مهما كانت الوعود البراقة التى تقدم إليه، فهذا الشعب لديه موروث تاريخى عمره أكثر من خمسة آلاف عام، ولديه تجارب طحنته وقسمت ظهره وأكسبته مناعة ضد المخادعين، لم يركع ولم يخنع فى يوم من الأيام ولم يستسلم لقهر الأيام أو الظروف قد تمر عليه، أيام وسنين يضطر فيها أن يستكين أو ينحنى قليلاً كى تمر العواصف الحياتية العاتية، إلا أنه سرعان ما يستعيد قوته وينتفض وتظل مصر دائماً وأبداً شاغله وشاغلنا جميعاً مهما بعدت المسافات، ومهما ابتعد عنها إلا أنها لم تبتعد عنا. "مصر" التى ذكرت فى القرآن والإنجيل، والتى تغنى بها الشعراء، والتى قال عنها البابا شنودة مقولته الشهيرة "مصر ليست وطناً نعيش فيه بل هى وطن يعيش بداخلنا غير قابلة للمزايدة عليها ولا بها"، وأعتقد أن صاحب فكرة هذا الاستبيان جاءت من خشيته وخوفه عليها، نتيجة ما تتعرض له من تدمير وتشويه داخلى، نساهم فيه جميعا الآن، عدد كبير من الشعب المصرى يريد أن يعرف كيف يعبر عن حبه للبلد، إلا أن أحداً لم يقدم له طريقة مبسطة للتعبير عن الحب والانتماء، هذا الانتماء بداخلنا جميعا ولكن كيف يتم التعبير عنه؟ حقيقة هناك تراجع كبير فى السمات الأخلاقية للشعب المصرى، وأصبحت ردود أفعاله أكثر قسوة من الأفعال، والدليل ما يحدث الآن من جرائم قتل وتعدٍ جاءت نتيجة أفعال تافهة لا تستحق هذا الجرم الكبير، وأقصد بذلك تلك الجريمة التى حدثت مؤخراً فى منطقة المهندسين، والتى راح ضحيتها شاب برصاص ضابط شرطة صغير فى مقتبل حياته، وكان الحادث مجرد مشاجرة بسيطة بين شقيقى المجنى عليه والجانى، وهذا الحادث يعبر عن السلوك المتهور الذى بدأ يصيب الشباب المصرى الآن. الشباب المصرى يحتاج إلى قدوة يقتدى بها، خاصة وأن كبار القوم من المشاهير السياسيين أو رجال الأعمال أو الاقتصاديين أو حتى لاعبى كرة القدم، عدد كبير منهم أصبحوا غير بعيدين عن الشبهات وأصبحت سمة الفساد تقترن بهم وتقترب منهم أكثر من أى صفة أخرى، وأصبح هناك قناعة لدى الفقراء أن التجار الأغنياء يحاولون استنزافهم ومص دمائهم وتفريغ ما فى جيوبهم بكافة الطرق والحيل، غير مراعيين لظروف معيشتهم الصعبة، والدليل على ذلك الانخفاضات فى أسعار كافة السلع الغذائية فى العالم، والتى شعر بها جميع سكان الأرض باستثناء المصريين، والسبب جشاعة التجار، وفى الوقت نفسه تتملك الأغنياء قناعة أيضا أن الفقراء يحسدونهم ويستكثرون عليهم النعمة التى وهبها الله لهم ويحاولون سلبها منهم تحت أى مسمى. نريد حقيقة إزالة الاحتقان الموجود الآن بين أفراد المجتمع، من خلال العدل الاجتماعى، هذا العدل هو الضمان الحقيقى لاستقرار المجتمع، وهو المحرك الأساسى للمشاعر الوطنية داخل كل من يحمل الجنسية المصرية، وهو قاطرة التنمية الحقيقة وإذا ما توافر لن نكون فى حاجة إلى عمل استبيانات أو السؤال عن حبنا لمصر واستعدادنا للدفاع عنها، هذا الشعب بسيط وطموحاته بسيطة ومحدودة، ولا يبغى سوى "العدل" والذى هو أساس الملك.