بصراحة أُحسَد عليها كنت أغير منه أنا و99 % من رفاقى الرجال. فقد كان الفنان الراحل مهند يخلب قلوب أناثنا اللاتى كن "ينفضن" لى ولأمثالى من الذكور العرب. فقد كانت وسامته – يرحمه الله – ساحقةً لأشباهى من الصعايدة ذوى العيون المدغمشة والكروش الكبيرة والأحلام المترامية الأطراف. وكيف لا أحسد الفتى الساحر مهند وقد استطاع كالسكين فى الجاتوه أن يخترق قلوب النساء فى بلادنا كاشفاً عجزنا، نحن رجال العرب، وخيبتنا التى ما وردت لا على العرب ولا على العجم. كانت العذارى يشاهدن مسلسلاته وهن يذرفن الدمع طمعاً فى رجال بكل هذه الوسامة وكل هذه الشهامة وكل هذه المروءة، أما الرجال فكانوا مثلى يتحججون دوماً بقمع المستبدين من الحكام وفساد الفاسدين من المحكومين، فضلاً عن زعمهم بأن الدجاج الذى يأكلونه ملىء بالهرمونات الأنثوية واللبن الذى يشربونه مشبع بمسحوق السيراميك والمنزول الذى يهربون به قد غشته الداخلية. وآه من زمن كان فيه الرجال، وأنا منهم، يزعمون أن الدنيا لم تعد ربيعاً ولا عاد الجو بديعاً، بينما الرئيس يداعبهم طالباً منهم أن يتسلوا حتى ينتهى مع ابنه الأثير من كتابة مسلسل طويل أحلى وأهم من مسلسلات مهند، الذى تحول – يرحمه الله – إلى دواء لكل داء بالنسبة لنسائنا العربيات من المحيط إلى الخليج، بينما صار قاع المحيط وقاع الخليج أجدر بأن يحتوى رجالنا جميعاً. وأنا بينهم. وكنت كغيرى من رجال العرب أجتهد لإقناع نساء العرب بأننى، مثل عنترة، أغشى الوغى وأعف عند المغنم، وأن مهند هو الوهم بعينه، وأن المهم هو الأخلاق، وأننا سوف نصطحب حبيباتنا وأولادنا وبناتنا إلى القدس المحررة ذات يوم، كما سنصنع من أوطاننا بلاداً يسودها الحب والعدالة ذات يوم، وأن أرضنا الخضراء سوف تفيض بالحليب والشوكولاتة والحرية ذات يوم، ولكن هيهات. فقد كان المرحوم مهند ماثلاً فى أعين النساء دوماً يتحدانى ويجعل من أقزاماً بوسامته وحيويته وجاذبيته وانتمائه إلى بلدٍ نجح فيما أخفقنا، وفاز بما خسرنا، وشق طريقه رافعاً رأسه بين الأصالة والحداثة. وحقاً لم يكن أمامى أنا وعنترة والشاطر حسن فى تلك الأيام الخوالى إلا أن تفيض قلوبنا العربية على مهند غيرةً وحقداً وحسرةً وأشياء أخرى. يرحمك الله يا مهند. كنت لى ولرجال العرب نموذجاً نستشرفه فى الزمان ومثالاً نحتذيه فى المكان. يرحمك الله تركتنا لوحدتنا القاسية وصحرائنا الممتدة. فلم يعد لنا بعدك من زمان سوى الربيع العربى، ومن مكان سوى ميادين التحرير من الخليج إلى المحيط. يرحمك الله – حتى لو كانت مسألة موتك مجرد شائعة - ويلهم نساءنا الصبر والسلوان.