قبل ثورة 25 يناير/كانون الثانى 2011 كان الصحفيون فى مصر يقولون ما يقولون، والنظام البائد يفعل ما يفعل.. نظرية توصل إليها دهاقنته، تنم عن بلادة وعجز فى التواصل مع الرأى العام، وعدم اعتراف بوجوده أصلا؛ فضلا عن تأثيره. عبر عن ذلك الرئيس المخلوع بالحكمة المأثورة عنه :"سيبهم يتسلُّوا"، التى قالها فى مواجهة الشعب، تعليقا على قيام بعض المعارضين بتشكيل برلمان مواز لبرلمانه المزور فى عام 2010. شىء من هذا القبيل نعانى منه نحن الصحفيين حاليا بعد الثورة، مع كل من: حكومة الدكتور عصام شرف، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. ننزل إلى الشارع.. نتكبد العناء لنعبر عن الحقيقة.. ننقل آهات المواطنين، ومتاعبهم وأفكارهم ورؤاهم للحلول.. نتوقع أن يأتينا الرد من ممثلى الحكومة أو المجلس على ما نكتب، ونطرح؛ فتمر الأيام، وراء أيام، دون أن يصلنا أى رد. فهل تطبق الحكومة والمجلس نظرية "سيبهم يتسلوا"؟ مبلغ علمى أن هناك إدارة للإعلام فى كل وزارة، وفى رئاسة الحكومة نفسها .. يقع عليها عبء الرد والتعليق على ما تثيره الصحافة، يوما بيوم، ولحظة بلحظة، وذلك بخلاف الإدارات التى تتلقى شكاوى المواطنين. لكن يبدو أن هذه الإدارة المخصصة للإعلام تحتاج إلى "تسليك" وإبلاغ بأنه قامت فى مصر ثورة، تعلى من قيمة الرأى العام، وتؤكد حقه فى معرفة الحقيقة، ومطالعة رأى السلطة التنفيذية فى أفكاره ومقترحاته. لا أنكر أن هناك مجهودات لرئيس الوزراء فى التواصل الفردى مع المواطنين لكن هذا لا يكفى.. أولا: لأن وقته لا يتسع لذلك، وثانيا لأن هذا من صميم عمل مكتب الإعلام فى حكومته. إن هناك وقائع وقضايا كثيرة يثيرها الصحفيون المصريون كل يوم.. لكنها تتعرض للدفن فى قبور الصمت الحكومى.. مما يضيع على البلاد مجهودا هائلا، وأفكارا رائعة، بمشروعات رائدة، يمكن الاستفادة بها لمصلحة الوطن والمواطن، ولا تكلف الحكومة شيئا يُذكر. هناك أيضا أفكار مرفوعة من الناس، وآراء ومقترحات من أرض الواقع، وتصورات للمستقبل القريب والبعيد.. وحتى مشروعات توفر كثيرا على الحكومة والمجلس فى قضية الإعمار والتنمية. السؤال: إلى متى تستمر هذه الحالة من الانفصام بين الصحافة والحكومة.. بين الشارع والرأى العام من جهة.. والسلطة التنفيذية من جهة أخرى؟ الأمر نفسه ينطبق على المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. جميل أن يعقد ندوات يستدعى فيها بعض رؤساء الصحف والإعلاميين، وينتقد فيها ممارسات إعلامية خاطئة، لكن ماذا عن إيجابيته هو، وتفاعله، مع ما تطرحه الصحافة، وتنشره، وتقترحه، حول هموم الناس، وآرائهم؟ لقد كانت وزارة الداخلية فى العهد البائد تهتم بهذا التفاعل، وتلك الردود.. قد يكون بعضها غير سليم، أو مُلفق .. لكنها كانت ترد على كل ما يتعلق بممارساتها، على أى حال..فهل نترحم على ذلك؟ إن الاستماع إلى رجل الشارع مهم، والتفاعل معه أمر مطلوب؛ على طريق إرساء ممارسة ديمقراطية سليمة، لها طرفان مرسل ومستقبل، يتبادلان الأدوار، تحقيقا للصالح العام. أتمنى أن يجد هذا المنشور أى اهتمام .. أو رد، علما بأننى أدرك أنه ليس كل ما يلمع ذهبا، ولا كل ما يُكتب جيدا.