◄ متى تخرج غادة من سجن أدوار البيئة الشعبية؟! ◄ تألقت فى السينما وحصلت على جوائز ولكن ينقصها الكثير الذى يحتوى موهبتها لم يعد الأمر خافيا، فقد طغت نجوميتها على كل ثغرات الشك، واقتنصت مفردات اليقين كل الشائعات والأكاذيب والمهاترات، ورمت بشباكها ربات الفنون فى صحراء ممتدة، لتحولها إلى خضرة لا تنتهى، هذه غادة عبدالرازق، نراها هذا العام أكثر تألقا وبريقا، طالعة من ضمير الأرض المصرية وتشع بروحها على كل المحيطين بها فى حياة وتفاؤل. نجحت بفضل سنوات من الجهاد وصلت إلى ستة عشر عاما، كانت تنحت خلالها فى الصخر، ومنذ ثلاث سنوات بدأت الحصاد المثمر، وحققت المكانة التى رسمتها منذ بداية عملها الفنى، كان الهدف الأول لها هو التفرد بشخصية فنية عن بنات جيلها، وهذا حقها، فما المانع أن تكون ذات كيان منفرد فهى تمتلك الملامح المصرية بجدارة، وكان الصراع قد اشتد من منافسة شريفة بريئة إلى اختلاف بين النجمات.. وأنا أعرفها منذ ستة عشر عاما، فهى لا تعرف المواراة.. وأفكارها صادمة دائما حتى لو كان ذلك يعرضها للانتقاد، وهى متحدية مهما كانت النتائج.. وكان سلاحها هو التحدى والإيمان بما تقدمه دون كلل أو عراقيل، وكم حاولت الشائعات النيل منها، إلا أنها كانت صامدة ومحاربة تمتلك زمام الموقف فى ساحة القتال وترمى برماحها، فإذا بالهدف يتكوم خاضعا طائعا.. وقد يتهمنى البعض بأننى متحمس أو متحيز إلى غادة عبدالرازق، وأقول لهم: نعم أنا شديد الحماس والانحياز إلى موهبتها التى لم يختلف عليها رأى ناقد حتى لو اعترض على عمل لها.. هذه إذن ملامح «غادة» أو فينوس الدراما كما أحب أن أسميها.. هى لا تعترف بالمصادفة أو المجاملات أو الشللية، فقط تعترف بالعمل وبفضل موهبتها المتفجرة وذكائها وخبراتها التى تتراكم عاما بعد عام وصلت إلى ما تريد، وإلى المكانة التى رضى الجمهور عنها.. وكان واثقا وقانعا بما وصلت إليه، ولكنى رغم هذه النجاحات التى حققتها وكان لها أثر فى الخط البيانى لطريقها إلا أننى أجد أنه آن الوقت لكى نتوقف عند هذه الموهبة الخلاقة وأن نعيد حساباتنا، ونرصد ملامح الربح والخسارة، فى هذه التجربة الفنية الثرية التى تحتاج إلى إعادة تقييم كل فترة من الزمن، بحيث تبقى دائما فى الصدارة، ولنبدأ من حيث انتهينا، فقد كانت غادة فى قمة تألقها فى دراما رمضان من خلال «سمارة».. نجحت رغم التحفظات التى واكبت تصوير العمل، وأيا كان فقد حقق أعلى نسبة مشاهدة، وعبرت بالمسلسل إلى بر الأمان، رغم بعض نقاط الضعف فى بعض العناصر الفنية، ورغم أيضا المناخ الصعب والظروف النفسية التى حاصرت غادة فى ظل قيود وضغوط وما يسمى بالقوائم السوداء.. كانت تعمل فى ظل هذه التحديات وكل الأشياء ضدها.. وانتصرت على كل ذلك..!! ولكنى أشير الآن إلى بعض الاتهامات التى طالت مسلسل «سمارة» مثل استمرارها فى أكثر من عمل فى تجسيد بنت البلد الشعبية فى أعمال تنتمى للحارة المصرية، واتهام آخر يشير إلى أنها تجسد أعمالا سبق أن قدمتها السينما المصرية بنجاح فى سنوات سابقة لنجمات أخريات، ولكن يبقى من هذه التجارب سمة مهمة هى التحدى، فبينما كل الأنظار تتابع ماذا ستفعله غادة، فإنها دائما تنتصر، وهنا أقول لغادة إنه آن الأوان لكى تغير من النمط الدرامى، وتبتعد عن هذه النماذج التى رغم روعتها وإغرائها الجماهيرى فقد استنفدت أغراضها، وحققت ما تريد، ومن الصعب أن يلتصق فنان أيا كانت قيمته بلون واحد ويكون مصرا على ألا يخلع جلباب هذا الدور أو ذاك، وأرى أن تخرج غادة من سجن هذه الأدوار، طالما نحن نبحث عن أعمال فنية جديدة، ونصوص تضيف إلى التاريخ الفنى، واليوم وقد امتلأت الساحة بكتابات درامية ذات وعى وتصحيح لأوضاع سابقة وتحليل للأحداث الجارية، ولم يعد باعتراف الجميع هناك أزمات فى النصوص الجيدة. غادة فى المرحلة القادمة أمامها التحدى الأكبر وهو اختيار أدوار جديدة وليست كالتى سبق أن قدمها آخرون، وهذا ليس عيبا فى الدراما فالمتابع يرى أن أكبر الأسماء أعادت أعمالا قدمت من قبل، ولكنى أرى أن غادة ليست فى حاجة إلى ذلك الآن، ومن حقها التنوع فى الأدوار واختراق أعمال لا يقال عنها سابقة التجهيز، خاصة أن الدراما التليفزيونية تتيح الفرصة كاملة للتجديد والابتكار والتنوع من أفكار وتجريب، خاصة مع المخرجين الكبار وجيل الوسط، وجيل جديد من المخرجين الشباب فوجئنا بهم يستخرجون من الفنانين مناطق لم نكن نتخيلها.. وأنا أتابع غادة عبدالرازق وأعرف أنها لم تكتشف بعد، وأن أحدا لم يضع إمكانياته الفنية والإخراجية فى إعادة تقييم مناطق لم تكن مكتشفة عند غادة، لأنها متجددة باستمرار، وإذا كان هذا هو الحال عند غادة فى الدراما التليفزيونية، فإن السينما أيضا أخذت من غادة الكثير ولم تعطها ما يناسب حجم موهبتها، كانت تجربتها مع المخرج خالد يوسف غير مثمرة رغم أنها أجادت، وقد أعطت فيها فنها ولم تكن الأفلام بالصورة التى يمكن أن نراهن عليها.. وكانت مجرد بروباجندا فقط لا ترقى إلى مرحلة الاحتفاء بتقييم فنى جديد، أيضا تجاربها فى أفلام أخرى كثير منها غير مثمر دراميا بأسلوب الفن الحديث، وقد تستثنى بعض التجارب التى حصلت عنها على جوائز مثل فيلم «العشق والهوى».. أيضا فى المسرح قدمت غادة خمس مسرحيات ولكن واحدة منها لم تحقق إمكانياتها الاستعراضية الراسخة التى لمحناها فى أكثر من عمل فنى، نحن نريد أن تعيد غادة كل هذه المعطيات وتعيد معها تقييم تجربتها الفنية التى نلمح فيها العطاء الجديد والخبرات الجديدة التى لم نكتشفها من قبل.. وكأنها تضيف جديدا فى كل خطوة من خطواتها الفنية. هذه غادة الفن تسطع خلف نجوم السماء بعد طول السهر.. وتتوارى خلف جنيات البحر وأمام ملائكة الفردوس، ساحبة معها حوريات الجنة نحو غد ملىء بالحب والنور وأقمار لا تحصى.