وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    أسامة كمال يتلقى رسائل خاصة من أهالي سيناء وإشادة بدور الشيخ إبراهيم العرجاني    محافظ بني سويف يناقش تقرير المشاركة في احتفالية "صوت الطفل"    قطع المياه لمدة 8 ساعات عن بعض مناطق الجيزة، الجمعة    انفجارات كبيرة في سماء إيلات، وفصائل عراقية تعلن استهداف موقع إسرائيلي    هيئة البث الإسرائيلية: انفجار كبير في سماء إيلات    ضياء رشوان: إسرائيل لن تضيع 46 سنة سلام مع مصر من أجل أشياء غير مؤكدة    الأمن يوافق رسميا على زيادة الجماهير في المباريات المحلية والأفريقية    مشاجرة بين شخصين تنتهي بجروح وقطع في الأذن بسبب أولوية المرور بالقليوبية    7 فئات لأسعار تذاكر أحدث حفلات المطرب العراقي كاظم الساهر    حسن الرداد: احرص على تنوع أعمالي الفنية وشخصيتي قريبة للكوميدي    الحوار الوطنى: ندعم مؤسسات وقرارات الدولة لحماية أمننا القومى ومصالح أهل فلسطين    في يوم الربو العالمي.. هل تشكل الحيوانات الأليفة خطرا على المصابين به؟    هتوصل للقلب بسرعة.. أجمل كلمات تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    الصين وفرنسا تؤكدان ضرورة حماية المدنيين في قطاع غزة    النفط يتراجع مع استئناف الحكومة الأمريكية شراء النفط لاحتياطيها الاستراتيجي    أثارت الجدل بإطلالتها.. مطربة شهيرة تظهر بفوطة حمام في حفل Met Gala    بالفيديو.. أسامة الحديدي: سيدنا النبي اعتمر 4 مرات فى ذى القعدة لهذا السبب    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    الشعب الجمهوري بالشرقية يكرم النماذج المتميزة في صناعة وزراعة البردي    انعقاد ثالث المجالس الحديثية بالمحافظات.. السبت المقبل 11 مايو    تحديد موعد انطلاق مهرجان أجيال السينمائي    زراعة عين شمس تستضيف الملتقى التعريفي لتحالف مشاريع البيوتكنولوجي    «عبدالمنعم» يتمسك بالإحتراف.. وإدارة الأهلي تنوي رفع قيمة عقده    تخفيض الحد الأدنى للفاتورة الإلكترونية إلى 25 ألف جنيها من أغسطس    بالفيديو.. خالد الجندي: الحكمة تقتضى علم المرء حدود قدراته وأبعاد أى قرار فى حياته    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    أماني ضرغام: تكريمي اليوم اهديه لكل إمراة مصرية| فيديو    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    وصفة تايلاندية.. طريقة عمل سلطة الباذنجان    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    البرلمان العربي: الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يقوض جهود التوصل لهدنة    وضع حجر الأساس لنادي النيابة الإدارية في بيانكي غرب الإسكندرية (صور)    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معارك التنوير..محمد أحمد خلف الله يشعل أم المعارك الفكرية عام 1947 ..الجامعة المصرية ترفض رسالته للدكتوراه حول "الفن القصصي في القرآن " وتحوله إلي عمل إدراي وتحرم مشرفها الشيخ أمين الخولي من تدريس علوم القرآن
نشر في اليوم السابع يوم 11 - 05 - 2020

كان صوت المفكر الدكتور محمد أحمد خلف الله حزيناً، وهو يعتذر للدكتور نصر حامد أبوزيد عن تلبية دعوته للحضور إلى إحدى محاضراته لطلابه فى كلية الآداب فى «علوم القرآن»، كان «أبوزيد» يتبع هذا التقليد فى محاضراته، حسبما يذكر فى دراسته المنشورة فى الكتاب التذكارى «الجامعة المصرية والمجتمع".

يتذكر «أبوزيد»: «فى عام 1993 دعوت «خلف الله» لمحاضراتى فى «علوم القرآن»، فوافق بعد تردد من جانبه، وتشجيع من السيدة قرينته رحمها الله، وإصرار من جانبى، فى صباح اليوم الموعود اتصل بى، رحمه الله، لعدم قدرته نفسيا أن يطأ الحرم الجامعى بعد أكثر من 45 عاما من الغياب.. كان صوته حزينا"
كان اعتذار «خلف الله» دليلاً على أن جرحه الذى أصيب به يوم 31 أكتوبر،عام 1947 لم يندمل، بسبب معركة تنتمى إلى جنس معارك كتابى «الشعر الجاهلى» للدكتور طه حسين، وكتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ على عبدالرازق.
فى هذا اليوم - 31 أكتوبر1947، أصدرت "الجامعة المصرية" التى أصبحت «جامعة القاهرة» قرارا برفض رسالة الدكتوراه لخلف الله، بعنوان الفن القصصى فى القرآن الكريم، وتحويل صاحبها إلى عمل إدارى، وحرمان واحد بقيمة عظيمة في تاريخ الفكر الإسلامي المستنير هو الشيخ أمين الخولى المشرف على الرسالة من تدريس «علوم القرآن» أوالإشراف على رسائل تتصل بالقرآن.. يذكر أبوزيد:"استند قرار الجامعة فى معاقبة الأستاذ على أن قرار تعيينه بدرجة أستاذ فى 6 أكتوبر 1946 كان تخصيصا لكرسى «الأدب المصرى».. يضيف أبوزيد: «يقال إن معاقبة المشرف كان استجابة لاستجواب قدمه عضو فى البرلمان لوزير المعارف عن مصير الأستاذ الذى أشرف على هذه الرسالة".
انشغل الرأى العام المصرى بمثقفيه وسياسيه وصحافته وجامعته وأزهره وأحزابه بهذه القضية التى عكست صراع «المقلدين» و«المجددين» فى الجامعة وخارجها.. يروى «خلف الله» باختصار بداية قصته التى قادته إلى ما حدث معه فى هذه الأزمة.. يذكر فى كتابه «مفاهيم قرآنية»، سلسلة «عالم المعرفة»:"علاقتى بالموضوع تبدأ فى الثلاثينيات من القرن الماضى ، عندما كنت طالبا بقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة - الجامعة المصرية يومذاك، قائلا: «كانت هناك مادة دراسية هى الدراسات القرآنية، وكان الذى يقوم بتدريس هذه المادة الأستاذ الشيخ أمين الخولى، كان ينهج منهجا جديدا فى الدراسات القرآنية التى تليق بكلية الآداب التى كان يجب أن تقوم على أساس من دراسة القرآن دراسة أدبية، كان يقول: لقد درس الفقهاء القرآن، ودرس اللغويون القرآن، ودرس البلاغيون القرآن، ودرس الفلاسفة وعلماء الكلام القرآن، ولكن الأدباء لم يقوموا بهذه الدراسة، على الرغم من أن القرآن الكريم معجزة أدبية فى المقام الأول، وكان يقول: إن الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وضع حجر الأساس لهذه الدراسة".

يضيف «خلف الله»، أن الشيخ أمين الخولى «مايو 1895، مارس 1966" كان يقول: "إن الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، وضع حجر الأساس لهذه الدراسة عندما ذهب إلى أن القرآن الكريم يجب أن يفهم على الأساس الذى كانت تفهمه عليه العرب وقت نزوله، من حيث فهم الألفاظ اللغوية والعبارات الأدبية.
يتذكر: «كنت أسمع هذه الكلمات فتمتلئ نفسى بها، وكنت أشعر شعورا داخليا قويا بأننى من دون زملائى الراغب فى هذه الدراسة والقادر عليها.. كنا ندور فى محيط المفاهيم القرآنية، وماذا أبقاه القرآن الكريم على حاله؟ وماذا أخرجه وأعطاه معنى مجازيا أو معنى دينيا؟..كان هذا العمل يستلزم التعرف على استخدامات الألفاظ فى القرآن الكريم كله وإلا جاء ناقصا..كنت شغوفا بهذه العملية، وكنت من المتقنين لها، وكنت أعد نفسى لمتابعة الدراسة فى هذا الميدان، ووقع ما كنت أحدث نفسى بها، فلم أكد أتخرج حتى التحقت بالدراسات العليا، وتخصصت فى الدراسات القرآنية بالذات، كان موضوع دراستى الأولى لنيل درجة الماجستير هو جدل القرآن، وهو الكتاب الذى نشرته فيما بعد تحت اسم "محمد والقوى المضادة"، من حيث إن هذه القوى المضادة هى التى كانت تثير الجدل حول محمد، عليه السلام، وحول القرآن الكريم، وكان موضوع رسالتى الثانية لنيل درجة الدكتوراه "الفن القصصى فى القرآن الكريم".. وكنت أول من اقتحم ميدان الدراسات القرآنية من بين طلاب قسم اللغة العربية بكلية الآداب".
هكذا يوضح «خلف الله» رحلة تخصصه البحثى الذى جاء فى مدرسة «تجديد الفكر الدينى»، فى تفاعلها مع مقتضيات الواقع العربي الحديث، بوصف الدكتور يمنى طريف الخولى فى كتابها «أمين الخولى والأبعاد الفلسفية للتجديد»، مؤكدة أن الخولى بتجديده للفكر الدينى كان سائرا فى طريق سبق أن ترسمت معالمه، وتشكلت تضاريسه فى خريطة الفكر العربى الحديث، وبفعل جهود دؤوبة لرواد أسبق، يتقدمهم بجدارة الشيخ محمد عبده الأستاذ الإمام، إمام المجددين، وقائد جيش الهجوم على التقليد الذى هوى بمعوله على معاقل المرض الخبيث «مرض الجمود على الموجود»، وكان سلاحه الماضى فى كفاحه التجديدى هو «تآخى الدين والعقل فى الإسلام»..على هذا النهج مضى «أمين الخولى»، وتلميذه محمد أحمد خلف الله لكنهما نالا عقابهما الذي خسرنا بسببه كثيرا.. فكيف حدث؟.
..............................................................
2

"جريدة الإخوان" تطالب «خلف الله» بالتوبة وتجديد عقد زواجه والبكاء مدى الحياة..والباحث يرد:مستعد لحرق الرسالة بيدي لوثبت فيها مايعارض الإسلام والقرآن"

فى مقدمته للطبعة الثانية من «الفن القصصى فى القرآن الكريم» التى صدرت عام 1953، يكشف الدكتور محمد أحمد خلف ماحدث مع رسالته العلمية لنيل درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة والجدل الذي أثير حولها ووصل إلي حد اتهامه بالكفر.. يقول :"أن الرسالة حين عرضت على لجنة التقييم لتحديد موعد المناقشة، أبدى أعضاء اللجنة رضاهم عن مستواها الأكاديمى مع اقتراح بعض التعديلات، لكن بعض المعلومات عن الرسالة تسربت إلى الصحف، وكان هذا بداية الجدل الملتهب عن الرسالة والمنهج، وقوانين الجامعة التى تسمح بإجازة مثل هذه الرسالة فى مجتمع مسلم.. أثيرت شائعات عن رفض «أحمد أمين» – أحد أعضاء اللجنة –للرسالة بسبب ضعفها العلمى، وأشيع أيضًا أن العضو الثانى «أحمد الشايب» قرر أن الرسالة تتضمن أفكارا تتعارض مع العقيدة، خصوصا الزعم بأن القصص القرآنى مجرد سرد أدبى.. قيل أيضا إن الطالب فى الفصل الخاص بالمصادر زعم بأن القصص القرآنى مأخوذ من مصادر توراتية وأسطورية..
قدم «خلف الله» ردودا وشروحا لكل ما أثير ضده، لكن كل هذا لم يوقف الهجوم عليه، يكشف "نصر حامد أبوزيد» في دراسته المنشورة في الكتاب التذكاري "الجامعة المصرية والمجتمع ": «أرسل الاتحاد العام للمنظمات الإسلامية رسالة احتجاج إلى الملك فاروق وأرسلت نسخا منها إلى كل من رئيس الوزراء ووزير المعارف، ومدير الجامعة، وعميد الكلية وشيخ الأزهر، يطالب فيها الموقعون تقديم كل من «خلف الله» و«الخولى» إلى محاكمة أمام الدائرة القضائية المستعجلة لجرائمهم فى حق الإسلام والقرآن، والمنظمات الإسلامية المندرجة فى الاتحاد العام هى: جمعية الإخوان المسلمين، جمعية الشبان المسلمين، جمعية أنصار السنة، جمعية الشريعة، وجمعية الأخلاق الحميدة".
كتب «خلف الله» إلى جريدة «جمعية الإخوان المسلمين» أنه على استعداد لحرق أطروحته بيديه لو ثبت تتضمنها لأى شىء يعارض الإسلام أو القرآن، كما أعلن عن استعداده لمناقشة «أحمد أمين"..ردت جريدة الإخوان :"لو صحت العبارات المنسوبة إلى الرسالة لما كان حرقها كافيًا حتى لو تم فى حضور كل أساتذة الجامعة وطلابها، بل يجب على صاحب الرسالة أن يتوب إلى الله توبة نصوحة، ويعلن العودة إلى الإسلام، ويجدد عقد زواجه إن كان متزوجا، الأهم من ذلك أن يحرق الشيطان الذى أملى عليه هذا الشر، وأن يظل يبكى مدى الحياة لعل الله أن يغفر له".
توالى الهجوم وتوالت الردود من «خلف الله»، ولم يهدأ الجدل بعد قرار الجامعة برفض الرسالة، حيث أثار توفيق الحكيم القضية في عدة مقالات خلال شهر نوفمبر 1947 فى «أخبار اليوم » وجمعها في كتابه "يقظة الفكر"، وأطلق عليها وصف «النكسة الجامعية»، وتلقى من أطرافها رسائل نشرها في مقالاته ،وفي رسالة «خلف الله» شرح القصة، واختتمها بالتنبه والتحذير : «إن الدراسة الجامعية لا تستقيم إلا مع الحرية، وإنا لنعجب كيف يكون الأساتذة الجامعيون قادة الرجعية فى البيئات العلمية، وكيف لا يشعرون بأن ذلك الخطر كل الخطر على التقدم العلمى فى هذه الديار، ولعل العجب يأخذ حده ويبلغ منتهاه حين نعلم أن تلك الرجعية لا يقرها الدين ولا يرضى من رجاله العلماء..هذه هى قضية النكسة الجامعية»
علق الحكيم عليه: «الذى لست أفهمه هو موقف أساتذة الجامعة المصرية الذين يحكمون بالكفر على طالب، ويطفئون بأيديهم الجامدة مشعل الحرية الفكرية الذى هو صلب عملهم وعمود رسالتهم".

.........................................................................................

3

*الشيخ أمين الخولي مدافعا عن تلميذه:"لو لم يبق في مصر والشرق أحد يقول إنه علي حق .. لقلت وحدي وأنا أقذف في النار إنه حق لأبرأ ضميري"
................................

أرسل الشيخ أمين الخولي ردا علي ما أثاره الكاتب توفيق الحكيم في جريدة "أخبار اليوم " خلال شهر نوفمبر 1947، دفاعا عن تلميذ "محمد أحمد خلف الله" يشهد كل حرف فيه علي ضراوة المعركة "بين "التقليديين " و"المجددين".. ولأهميته نعرضه نصا:
"منذ حوالي عشرين عاما وأنا أدرس القرآن الكريم في كلية الآداب من حيث هو كتاب العربية الأكبر، وقد اطمأننت إلي أن الفهم الأدبي له يجب أن يتقدم علي كل رغبة في استفادة عقائد منه أوأخلاق، أو أحكام قانونية، فاتخذت لهذا الدرس منهجا أدبيا خالصا أذاعته ومضيت أضعه بين يدي طلبة الجامعة ، وأفرغ من نقدهم له وتمثلهم إياه ، ثم أتقدم لدرس موضوع من القرآن تطبيقا عليه ، أدعهم بعده ليتابع الدرس من له رغبة خاصة في دراسة هذا الكتاب العظيم ، وقد جعل غير واحد من الطلاب دراسته العليا في موضوعات قرآنية ، فكتب واحد رسالته للماجستير في "نشأة التفسير واتجاه تطوره" وآخر في "وصف القرآن ليوم الحساب " وثالث في "إعجاز القرآن"..كما كتب محمد خلف الله أفندي رسالته للماجستير في "جدل القرآن " ، واختار رسالته في الدكتوراه في" قصص القرآن .
إننا حاولنا رد درس الجامعة للبلاغة إلي الميدان الأدبي، وإبعاده عن الفلسفة وما أصاب البلاغة من جمودها وجفافها، فغيرنا من هذا الدرس ماغيرنا، ودعونا البلاغة فن القول، لنذكر دائما بأن الأدب قول فني لايخرج منهم درسه عن الأفق الوجداني، فكان ايثارنا لهذا سبب تسمية رسالة خلف الله "الفن القصصي في القرآن الكريم" ..وتقدم "خلف الله" لدرس"قصص القرآن" علي المنهج الأدبي الذي لايمكن أن تعني كلية الآداب بغيره، والقصص في هذا المنهج لون من ألوان البيان، وأسلوب من أساليب الأداء قد مضي فيه كتاب العربية الأعظم، ومعجزتها القولية علي خطة له هي التي حاول "خلف الله " تعرفها في رسالته تفصيلا .
فعرض أول ماعرض لما بين التاريخ والقصص من صلة، وماجري عليه القرآن في هذا، واطمأن أخيرا إلي أنه ليس قصصا لتعليم التاريخ، ولاسرد وقائعه مرتبة مستوفاة لتعرف منها الحقائق التاريخية، ولذلك لايلزم أن تكون كل حوادث القصص القرآني قد وقعت، بل منها ماهو تصوير وتمثيل للمعاني، واطمأن لهذه النتيجة بالاعتماد علي مقررات دينية تتصل بالمحكم والمتشابه وما إلي ذلك.
وبحسب أن أقرر أنها مقررات فرع الأستاذ الإمام محمد عبده منذ أكثر من أربعين عاما من تقرير ماهو أوسع منها وأبعد مدي، إذ انتهي من أن القصص القرآني فيه ماهو مثل لا قصة واقعة، ومن أن للمؤمن حق تأويل هذه القصص علي أساس أن القرآن يعبر عن المعاني، ويصورها بالحكاية وأسلوب الحوار، كما فرغ من أن وجود شيء في قص القرآن لا يقتضي صحته، لأنه يحكي من حال الأقدمين الصحيح والفاسد، والصادق والكاذب، ولأنه يجري تعبيراته علي معروفهم ومنظورهم ولوكان خرافيا، كوصف الشيطان في قوله تعالي"طلعها كأنهار رءوس الشياطين" ومس الشيطان في قوله تعالي"الذين يأكلون الربا، لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس"، فليس في هذا وصف لصحيح من أمر الشيطان أومسه ،بل أوًل الأستاذ الملائكة بالأرواح والقوي، والشياطين وإبليس بدواعي الشر، وعرض في بيان طويل لتأويل قصة آدم كلها في سورة"البقرة" ثم أثر التأويل علي التسليم بحقيقة هذه الأشياء والأحداث، مقررا أن المؤول أعلي كعبا في الإيمان ممن يسلم، لأنه أكثر إطمئنانا وأقل تعرضا للشكوي
تلك هي أم المسائل التي أنكرها من قرأوا الرسالة في الجامعة، ولم يجتمعوا لمناقشة في ذلك كما يقتضي نظام تأليف اللجان لتقدير الرسائل، ثم مالبثوا أن اشتعلوا في العناد، فانطلقوا من طلبهم "تعديل بعض فصول الرسالة مع تقديرهم لجوانبها السليمة إلي طلب تطبيق أحكام الردة علي صاحبها" ..وتسرب الأمر إلي الخارج بيد من– لا أعرف – فتلقف ناس أخبارا طائرة، وحكموا علي مالم يروا ، ولم يقرأوا، بل أخفوا ماعرف ونشر، فكتب من سمو أنفسهم "جبهة العلماء" في عدد 741 و742 من مجلة الرسالة عن بحث خلف الله أمر جد خطير، وعدوه "وباء أشنع من وباء الكوليرا"، وتوالي مثل هذا الاتهام علي غير أساس، وخلف الله يكذب، ويبين ويتحدي فيضيع صوته في ضجيج عامي وأهوج".
يختتم "الخولي" رسالته إلي "الحكيم" بقوله :"المحنة كما تري عقلية، وهذا أهون جوانبها، ثم هي خلقية واجتماعية، خلقية لأسباب أيسرها، أن الذين قرأوا الرسالة تقولوا عليها بما يستحيل أن يكون فيها..واجتماعية تدفع مصر في سلم الرقي من أعلي إلي أسفل، فجامعتها ترفض اليوم ماكان يقرر بين جدران الأزهر وينشر منذ أربعين عاما، وتخضع البحث للأوهام لا للإسلام ،وأزهرها يسمع رجلا يعلن أن ربه الله، ورسوله محمد ودينه الإسلام، وكتابه القرآن، وأنه إنما يفهم في القرآن السماوي فهما ما، بل يفهم في متشابهه فهما ما، فلا يقال له، أخطأت أو أسرفت أو أو ..بل يقال له قبل أي تحر أوتثبت ،كفرت، ولماذا لأنك جعلت القرآن فنا."
يضيف الخولي:"الأمر إنكار للحق الطبيعي للحي في أن يفكر ويقو وإنه لحق عرفنا الإسلام يقرره ويحميه، فلو لم يبق في مصر والشرق أحد يقول إنه علي حق، لقلت وحدي وأنا أقذف في النار إنه حق، لأبرأ ضميري، ولا أشارك في وصم الإسلام اليوم هذه الوصمة".

الشيخ أمين الخولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.