هدفنا "إصلاح حقيقي وجذري".. الرئيس السيسي يثمن صبر الشعب المصري وتحمله للضغوط    محافظ القاهرة يفتتح فعاليات ملتقى التوظيف والتدريب    في حواره ل البوابة نيوز.. نقيب الإعلاميين: لا نبخس دور عظماء المهنة مهما مر الزمن.. وحمدي الكنيسي صاحب فضل كبير.. النقابة تتصدى لفوضى السوشيال ميديا    سكرتير عام كفر الشيخ يتفقد المواقف لمتابعة تطبيق التعريفة الجديدة    نائب وزير المالية: الدين الخارجي تراجع 4 مليارات دولار خلال عامين    زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب شرق السعودية    نائب رئيس حزب المؤتمر: كلمة السيسي بمنتدى أسوان خارطة طريق جديدة للنظام الدولي    رئيس البرلمان العربي يهنئ المستشار عصام الدين فريد بمناسبة انتخابه رئيسًا لمجلس الشيوخ    فودين يُعدد مزايا هالاند فى تسجيل الأهداف مع مانشستر سيتي    عماد رمضان: تتويج منتخب الكرة الطائرة البارالمبية بالمونديال بداية لحلم «لوس انجلوس»    إنجاز جديد.. مصر تتوج بلقب بطولة العالم للأساليب التقليدية برصيد 54 ميدالية    مصرع تلميذ صدمته سيارة في قنا    التحريات : الغاز سبب وفاة عروسين داخل شقتهم بمدينة بدر    موعد بدء امتحانات نصف العام الدراسي 2025-2026 وامتحانات شهر أكتوبر 2025    إصابة 5 أشخاص باشتباه تسمم إثر تناول وجبة غذائية بقرية دلجا بالمنيا    ضبط نصاب انتحل صفة رجل دين بالإسكندرية    تأجيل محاكمة 6 متهمين بخلية مصر القديمة إلى جلسة 22 ديسمبر    «البست سيلر» .. حرفة أم علم أم فن؟    أسعار وطرق حجز تذاكر حفل عمر خيرت بهرجان الموسيقى العربية.. غدًا    6 أبراج تفضل أن تتعلم مدى الحياة    المخرج التونسي فريد بوغدير: «يوسف شاهين غير حياتي ونظرتي للسينما»    الثقافة هذا الأسبوع| انطلاق مهرجان الإسماعيلية وعروض فنية تجوب أسوان    معهد الفلك يكشف موعد ميلاد هلال جمادي الأول وأول أيامه فلكياً    جامعة المنوفية والتأمين الصحي يبحثان الإرتقاء بالمنظومة الصحية    منتخب المغرب يرفض مواجهة الأرجنتين لهذا السبب    مدرب الزمالك يتقدم باستقالتة والنادي يعلن رحيله    ياسمين الخطيب: «علمني أبي ألا أبكي أمام أحد.. فسترت آلامي كما لو أنها عورات»    آفاد التركية تنسق إيصال مساعدات سفينة الخير ال17 إلى غزة    الرئيس السيسي: كل بيت مصي فيه شهيد وجريح ودفعنا ثمن القضاء على الإرهاب    المديرة الإقليمية لمنظمة اليونسكو تشيد بجهود تطوير التعليم فى مصر    40 ندوة توعوية، محافظ الفيوم يتابع أنشطة الصحة خلال شهر سبتمبر الماضي    أحمد سعد يروج لحفله المقبل بألمانيا بطريقة مختلفة: مش هاقول جمهورى الحبيب    البنك التجارى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بمنتصف التعاملات    اندلاع حريق في مصفاة نفط روسية بعد هجوم بطائرات مسيرة    الاستخبارات التركية تساهم في وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    بتهمة خطف اشخاص السجن المؤبد ل4 متهمين و15 عاما لآخر بقنا    نتنياهو يعلن عزمه الترشح مجددا بالانتخابات العامة في 2026    «الرقابة المالية» تنظم ورشة لمناقشة تطورات السوق غير المصرفية    «الخارجية» و«الطيران» تبحثان توسيع شبكة الخطوط الجوية مع الدول العربية والأفريقية    زراعة المنوفية: تنقية الحيازات وضبط منظومة الدعم للمزارعين    وزارة العمل تعلن عن وظائف برواتب تصل إلى 9 آلاف جنيه    يونس: بيزيرا "هدية ثمينة" من جون إدوارد..وديكيداها بداية جديدة ل "فتوح"    إبراهيم العامري يكشف تفاصيل انضمامه لقائمة الخطيب في انتخابات الأهلي    قمة نارية في الدوري الإنجليزي بين ليفربول ومانشستر يونايتد.. تعرف على أبرز مباريات اليوم    اللواء طيار عمرو صقر: نسور مصر قادرون على تغيير الموازين    لماذا يُعد الاعتداء على المال العام أشد حرمة من الخاص؟.. الأوقاف توضح    استبعاد مدير مدرسة من منصبه اثناء جولة تفقدية لوكيل تعليمية قنا    توقيع وثيقة استراتيجية التعاون القُطري بين مصر ومنظمة الصحة العالمية    هيئة «التأمين الصحي الشامل» تناقش مقترح الهيكل التنظيمي الجديد    حملات طبية مكثفة لفحص وتوعية طلاب المدارس بدمياط    فوز البدايات.. ماذا حقق الأهلي في اختبار ييس توروب الأول؟    حالة الطقس بالمنيا ومحافظات الصعيد اليوم الأحد 19 أكتوبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 19-10-2025 في محافظة الأقصر    حكم الوضوء قبل النوم والطعام ومعاودة الجماع.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع بالتفصيل    رئيس شعبة المعادن: مكاسب الذهب في مصر 54.3% من بداية 2025    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    50 جنيهًا للحصة.. إجراءات جديدة من التعليم لتنظيم عمل المعلمين بنظام الحصة في المدارس 2025-2026    ياسر جلال: المسئول والفنان يتحملان ما لا يتحمله بشر.. وعندي طموح أخدم الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب: القرآن في مصر "19".. إجهاض محاولات التفسير الأدبي للقرآن
نشر في البوابة يوم 24 - 06 - 2016

شكرى محمد عياد... ناقد وقاص وأستاذ جامعى، عمل مدرسا بوزارة التربية والتعليم، ثم انتقل إلى مجمع اللغة العربية محررا فى العام 1945، وانضم إلى هيئة التدريس بجامعة القاهرة عام 1954، ثم عين أستاذا لكرسى الأدب الحديث فى قسم اللغة العربية فى العام 1968، وعميدا لمعهد الفنون المسرحية 1969، وله العديد من الدراسات النقدية والكتابات الأدبية، وحصل على جائزة الدولة التقديرية للآداب عام 1988، ثم جائزة الكويت للتقدم العلمى فى العام نفسه.
قبل أن تسأل ما مناسبة هذه المعلومات الأرشيفية الجافة عن شكرى عياد؟ ولماذا تأتى هنا فى سياق حديث مطول عن القرآن الكريم، سأقول لك: إنه صاحب اتجاه مهم جدا فى تفسير القرآن، وهو الاتجاه الأدبى، وقبل أن تقول: وهل يوجد تفسير أدبى للقرآن، سأقول لك إن الحكاية طويلة جدا.
فى العام 2010 صدر عن مكتبة الأسرة كتاب «من وصف القرآن... يوم الدين والحساب» لشكرى محمد عياد، دعك من الاسم واهتم قليلا بمقدمة الكتاب.
يقول عياد: هذا بحث سطرته منذ نيف وثلاثين عاما، وكانت مدرسة التفسير الأدبى تحاول شق طريقها فى حياتنا الجامعية والثقافية وسط أعاصير من سوء الفهم وضيق الأفق، ولم أكن راضيا كل الرضا عن هذا الذى كتبت، وكنت مع ذلك موقنا أن قلة نادرة من القراء هى التى يمكن أن تصبر على عمل كهذا، يحاول أن يفسر كتاب العربية الأكبر طبقا لمنهج يستمد من علوم اللغة والأدب كما يستمد من كتب التفسير المنقول والمعقول، ويرفد الدرس الأدبى بثقافة نفسية واجتماعية، ويبذل غاية الجهد فى استقصاء الوقائع ومقارنة النصوص قبل أن يقدم على إبداء الرأى».
كانت هناك مدرسة فى التفسير الأدبى للقرآن الكريم إذن؟ وقبل أن تسأل أين ذهبت؟، سأقول لك إن هذه قصة تستدعى أن نعود إلى الوراء عدة عقود.
فى العام 1926 تحدث طه حسين بما جر عليه المشاكل، فى كتابه «فى الشعر الجاهلى»، قال : «للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا أيضا عنهما، ولكن ورود الاسمين فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخى».
لم يتوقف طه حسين، أكمل طريقه إلى ما يريده، قال: «فضلا عن إثبات هذه القصة التى تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب والمستعربة فيها، ونحن مضطرون إلى أن نرى فى هذه القصة نوعا من الحيلة فى إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية من جهة أخرى، والقرآن والتوراة من جهة أخرى».
ذاق طه حسين بسبب ما قاله ما ذاقه من صنوف المطاردة والاتهامات بالتكفير، وجلس أمام المحقق محمد نور بالفعل، ليجادله فيما قاله عن القرآن، صحيح أن عميد الأدب العربى لم يدن بشىء، لكن صحيح أيضا أن الكتاب تم حظره لسنوات طويلة، واضطر طه حسين أن يغير اسمه إلى «فى الأدب الجاهلى»، بعد رفضه أن يغير شيئا فى مضمونه.
بعد ما يقرب من 21 عاما، وتحديدا فى العام 1947 انتهى محمد أحمد خلف الله الذى كان يدرس فى جامعة فؤاد الأول (القاهرة فيما بعد) من رسالته للدكتوراه، كان عنوانها «الفن القصصى فى القرآن»، وحملت اسم أمين الخولى الذى كان رئيسا لقسم اللغة العربية بكلية الآداب مشرفا عليها.
فى هذه الرسالة حاول خلف الله أن يعيد بعضا مما ذهب إليه طه حسين، أكد على أن ورود الخبر فى القرآن الكريم لا يعنى بالضرورة وقوعه، فالتاريخ لم يكن أبدا من مقاصد القرآن، والتمسك بهذا يمثل خطرا على القرآن ذاته، بل يمكن أن يدفع الناس إلى الانصراف عنه، كما انصرفوا قبل ذلك عن التوراة.
مال خلف الله إلى أن القصص التى وردت فى القرآن الكريم لم ترد إلا للعظة والعبرة فقط، ولم يكن ما قاله هذا ناتجا عن تأمله أو تحليله هو، بل استند إلى ما جاء فى تفسير رشيد رضا الذى أطلق عليه « تفسير المنار»، حيث قال: أخبار التاريخ فى القرآن ليست دينا، فوقائعه وزمانه ومكانه لم يقصدها القرآن لذاتها، وإنما لبيان سنة الله فى الأرض والناس.
رشيد رضا نفسه كان قد بنى ما ذهب إليه فيما قدمه عن القصص القرآنى على ما قاله أستاذه الإمام الأكبر والأستاذ المعلم محمد عبده، وهو تفسير بالمناسبة تعيد مجلة الأزهر التى تصدر عن مجمع البحوث الإسلامية نشره على حلقات، وتقدمه على غيره من التفاسير.
فى تفسير محمد عبده للقرآن يمكن أن نقرأ الآتى: أنزل الله القرآن الكريم هدى وموعظة، وجعل من قصص الرسل عبرة وتذكرة لا تاريخ شعوب ومدائن، ولا تحقيق وقائع ومواقع».
ويمكن أن نقرأ الآتى أيضا: جاءت القصص فى القرآن لأجل الموعظة والاعتبار، لا لبيان التاريخ، ولا للحمل على الاعتقاد بجزئيات الأخبار عن الغابرين، وإنه ليحكى من عقائدهم الحق والباطل، ومن تقاليدهم الصادق والكاذب، ومن عاداتهم النافع والضار، لأجل الموعظة والاعتبار، وعليه فحكايات القرآن لا تعدو العبرة، وهو أمر جيد لأن من شأنه أن يمنع المهتمين بالقرآن من السقوط فى جبر القرآن على مسايرة حوادث التاريخ وتحويله إلى كتاب تاريخ أو كتاب علمى، وأن تغنيه عن التكلف والتجاوز فى التخريج والتأويل والتوفيق، أو الحيرة والتساؤلات فى صدد تلك الماهيات والوقائع، وتجعل القرآن يظل فى نطاق القدسية من التذكير بالمعروف والإرشاد والموعظة والعبرة.
ما الذى خلص إليه محمد أحمد خلف الله من رسالته؟
عبارة مكتملة يمكن أن نتعامل معها على أنها خلاصة بحثه ودراسته، يقول: «من يعارض فى وجود القصة التمثيلية فى القرآن الكريم وأنها وليدة الخيال، وأن الخيال إنما يسود هذا النوع من القصص لحاجة البشر إليه وجريهم فى بلاغتهم عليه، والله سبحانه وتعالى إنما يحدثهم بما يعتادون».
رفضت الجامعة دراسة محمد أحمد خلف الله، وكانت طعنة موجهة إلى أستاذه أمين الخولى، وكانت هذه الضربة قاصمة لظهر محاولة تفسير أدبى للقرآن الكريم.
أكمل خلف الله طريقه، درس فى معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، وشغل منصب وكيل وزارة الثقافة المصرية، وشارك فى تأسيس حزب التجمع، وشغل منصب نائب رئيس الحزب، ورأس تحرير مجلة اليقظة، وواصل التأليف فى موضوع دراسته الأولى، فأخرج للمكتبة العربية كتب «الفن القصصى فى القرآن، والقرآن ومشكلات حياتنا المعاصرة، والقرآن والدولة، والقرآن والثورة الثقافية، وهكذا يبنى الإسلام، والأسس القرآنية للتقدم».
■ ■ ■
بالقرب من محمد أحمد خلف الله كانت هناك ضحية أخرى.
ما رأيكم أن نعود مرة أخرى إلى حديثنا الأول، إلى الدكتور شكرى محمد عياد، كان واحدا من تلاميذ أمين الخولى، وعندما أحاطت به الأزمات ابتعد كثيرا عنه، وعن المنهج الذى كتب به دراسته «من وصف القرآن... يوم الدين والحساب».
يوضح عياد ملامح منهجه ومنهج أساتذته الممتدين من محمد عبده ثم محمد رشيد رضا ثم أمين الخولى ثم، بقوله: «منهج التفسير اليوم فى الجامعة أدبى»، وقد تناول أستاذنا أمين الخولى فى مقاله عن التفسير البحث فى اتجاهات التفسير منذ نشأته إلى اليوم، وأوضح تأثر هذه الاتجاهات بالأغراض التى كان يقصد إليها المفسرون، ويعنون بتحقيقها أكثر من غيرها، وأورد نقد الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده لهذا الإكثار فى مقاصد خاصة، بأنه يخرج بالكثيرين عن المقصود من الكتاب الإلهى، وهو فى نظر الأستاذ الإمام، الاهتداء بالقرآن.
ما الذى قاله أمين الخولى، ويمكن اعتباره الأساس الأول لهذا المنهج، يقول الأستاذ الإمام المقصد الأسبق والغرض الأبعد هو النظر فى القرآن، الكريم من حيث هو كتاب العربية الأكبر، وأثرها الأدبى الأعظم، فهو الكتاب الذى أخلد العربية، وحمى كيانها وخلد معها، فصار فخرها وزينة تراثها، وتلك صفة للقرآن يعرفها العربى مهما يختلف به الدين ويفترق به الهوى ما دام شاعرا بعربيته، مدركا أن العروبة أصله فى الناس، وجنسه بين الأجناس، وسواء بعد ذلك أكان العربى مسيحيا أو وثنيا، أم كان طبيعيا دهريا لا دينيا، أم كان المسلم المتحنف، فإنه سيعرف بعروبته منزلة هذا الكتاب فى العربية، ومكانته فى اللغة، دون أن يقوم ذلك على شىء من الإيمان بصفة دينية هذا الكتاب، أو تصديق خاص بعقيدة فيه.
الأمر ليس عند العرب فحسب، يقول أمين الخولى كما نقل عنه شكرى عياد: ليس هذا شأن العرب فحسب، بل إن الشعوب التى ليست عربية الدم أصلا، لكن وصلها التاريخ وسير الحياة بهذه العروبة، فارتضت الإسلام دينا، ثم اتخذت العربية لغة، حتى صارت تلك العربية أصلا من أصول حياتها الأدبية، حتى هذه الشعوب التى ربطتها بالعربية هذه الأواصر الوثقى، إلى أن صارت العربية عنصرا أساسيا وجانبا جوهريا من شخصيتها اللغوية الفنية، قد صار لكتاب العربية الأعظم وقرآنها الأكرم مكانة بين ما تعنى به، من دراسة أدبية وآثار فنية قولية، فألزمها كل أولئك تناول الكتاب بدراسة أدبية، تتفهم بها أصول ما ورثت من تلك العروبة.
على ما يقدمه أمين الخولى، فإن العربى القح أو من ربطته بالعربية تلك الروابط، يقرأ هذا الكتاب الجليل، ويدرسه درسا أدبيا، كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة، وتلك الدراسة الأدبية لأثر عظيم كهذا القرآن هى ما يجب أن يقوم به الدارسون أولا، وفاء بحق هذا الكتاب، ولو لم يقصدوا الاهتداء به أو الانتفاع بما حوى وشمل، بل هى ما يجب أن يقوم به الدارسون أولا، ولو لم تنطو صدورهم على عقيدة ما فيه، أو انطوت على نقيض ما يردده المسلمون الذين يعدونه كتابهم المقدس، فالقرآن كتاب الفن العربى الأقدس، سواء أنظر إليه الناظر على أنه كذلك فى الدين أم لا.
الأمر سيكون أكثر وضوحا الآن، فحتى هذه اللحظة الحديث عن تفسير أدبى للقرآن يمكن أن يكون طلسما، لكن ها هو أمين الخولى يكمل حديثه، صواب الرأى فيما يبدو أن يفسر القرآن موضوعا موضوعا، لا أن يفسر على ترتيبه فى المصحف الكريم سورا أو قطعا، ثم إن كانت للمفسر نظرة فى وحدة السورة وتناسب أيها، واطراد سياقها، فلعل ذلك إنما يكون بعد التفسير المستوفى للموضوعات المختلفة فيها.
للمنهج الأدبى فى تفسير القرآن قواعد وملامح وتفاصيل.
يقول الخولى: «إذا كان وجه الرأى أن التفسير الأدبى لكتاب العربية الأكبر، هو أول ما يجب أن يحاوله من لهم بالعربية صلة لغوية أدبية، سواء أكانوا عربا أم غير عرب، وإذا ما كان وجه الرأى أن هذا التفسير الأدبى ينبغى أن يتناول القرآن موضوعا موضوعا، لا قطعة قطعة، فعلى هذا الأساس يكون منهج التفسير الأدبى إذن صنفين من الدراسة، كما هى الخطة المثلى فى درس النص الأدبى، وهذان الصنفان هما: دراسة حول القرآن... ودراسة فى القرآن».
دراسة ما حول القرآن، تشمل دراسة تاريخ القرآن ذاته، وهى الدراسة التى أطلق عليها المتقدمون «علوم القرآن» والتى عالجها المستشرقون فى منهج آخر، كما تشمل دراسة البيئة المادية والمعنوية، التى ظهر فيها القرآن، وعاش، وفيها جمع وكتب وقرأ وحفظ، وخاطب أهلها أول من خاطب، وإليهم ألقى رسالته لينهضوا بأدائها، وإبلاغها شعوب الدنيا.
أما دراسة ما فى القرآن فتبدأ بالنظر فى المفردات، وأصولها اللغوية، ومعانيها فى العصر الذى نزل فيه القرآن، ثم معانيها الاستعمالية فى القرآن، ثم بعد المفردات يكون نظر المفسر الأدبى فى المركبات، وهو فى ذلك ولا شك مستعين بالعلوم الأدبية من نحو وبلاغة، ولكن لا على أن الصيغة النحوية عمل مقصود لذاته، ولا لون يلون التفسير كما كان الحال قديما، بل على أنها أداة من أدوات بيان المعنى وتحديده، والنظر فى اتفاق معانى القراءات المختلفة للآيات الواحدة، والتقاء الاستعمالات المتماثلة فى القرآن كله، ثم إن النظرة البلاغية فى هذه المركبات ليست هى تلك النظرة الوصفية التى تعنى بتطبيق اصطلاح بلاغى بعينه، وترجيح أن ما فى الآية منه هو كذا لا كذا، أو إدراج آية فى قسم من الأقسام البلاغية دون قسم آخر، بل على أن النظرة البلاغية هى النظرة الأدبية الفنية، التى تتمثل الجمال القولى فى الأسلوب القرآنى، وتستبين معارف هذا الجمال، وتستجلى قسماته، فى ذوق بارع قد استشف خصائص التراكيب العربية، منضما إلى ذلك التأملات العميقة فى التراكيب والأساليب القرآنية، لمعرفة مزاياها الخاصة بها بين آثار العربية، بل لمعرفة فنون القول القرآنى وموضوعاته، فنا فنا وموضوعا موضوعا، معرفة تبين خصائص القرآن فى كل فن منها ومزاياه التى تجلو جماله.
بعد أن ينهى شكرى عياد ما ينقله من رؤية أمين الخولى عن التفسير الأدبى للقرآن، يقول إنه حاول أن يطبق هذه الملامح على دراسة الوصف القرآنى ليوم الدين والحساب، ورغم التزامه الشديد بهذه المبادئ، إلا أن هناك بعض المبادئ التى أضافها هو.
فخلف البحث فى المفردات والبحث فى الأساليب بحث آخر، لا يتسم التفسير الأدبى إلا به، وهو فى الغالب لم يغب عن أمين الخولى حين اشترط فيمن يقدم التفسير الأدبى أن يدرس بيئة القرآن المعنوية من عقائد ونظم اجتماعية وفنون متنوعة وأعمال مختلفة، إلى سائر ما تقوم به الحياة الإنسانية لتلك العروبة، ولا حين ألمح إلى أن للقرآن معانى ومرامى إنسانية اجتماعية بعيدة الهدف، أبدية العمر.
فوراء البحث عن المفردات والأساليب بحث فى المرامى الإنسانية والاجتماعية للقرآن، وليس البحث فى هذه المعانى مطلبا وراء التفسير الأدبى للقرآن، كالبحث فيما جاء فيه من التشريع مثلا، بل هو من صميم التفسير الأدبى، إذا أردنا أن ندرس القرآن درسا أدبيا، كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة، فليس ما يكفى الباحث حتى يتصدى لدراسة كتاب من عيون الأدب، أن يبين معانى ألفاظه، ووجوه البلاغة فى تعبيره، إذا لم يفرغ جهده فى بيان قيمته الإنسانية، بإبراز ما يضيفه إلى النفس الإنسانية من وعى جديد بذاتها، وإدراك دقيق لما حولها، إدراكا يمتزج فيه التفكير والوجدانى امتزاجا لا يتأتى فى غير الأدب الرفيع، ولئن كان هذا القول صادقا على الأدب فى عمومه، إنه على الأدب الدينى أصدق، فلا تجد أنك بحاجة إلى مزيد من التوضيح لهذا المعنى، ولا عليك إن كنت مؤمنا أو ملحدا، ما لم توصد دونه أبواب حسك، وتغلق منافذ نفسك.
■ ■ ■
هذه نظرة من النظرات الكثيرة فى تفسير القرآن، يمكن أن ترفضها تماما، ويمكن أن تتأملها، باعتبار القرآن كتاب العربية الأول، الذى فيه قمة البلاغة اللغوية، ليس شرطا أن تكون مؤمنا أو ملحدا فى هذه المساحة... المهم أن تقرأ بعقلك، وأعتقد أن القرآن يحتاج أحيانا إلى أن تراه بالعقل، وليس بالقلب فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.