أصبح الشعب الأمريكى من أكثر شعوب العالم تشاؤماً من شهر سبتمبر, أو ما يطلق عليه "أيلول" بلغة إخواننا فى الشام، فشهر سبتمبر شهد على مر السنوات الأخيرة كافة الكوارث بدءاً من كارثة 11 سبتمبر الشهيرة, وانتهاءً بالكارثة الاقتصادية التى حلت عليهم أيضاً، والتى فى رأيى لن تقل خطورة عن الكارثة الأولى، إن لم تكن تزيد فى تأثيراتها الحالية والمستقبلية. الخسائر الأمريكية من وراء تلك الأزمة متعددة، ولكن الخسارة الكبرى هى فقدان عرش الزعامة الاقتصادية العالمية، خاصة وأن دولاً كثيرة بدأت تطالب وبقوة بضرورة فك الارتباط وقطع الحبل السرى مع الولاياتالمتحدة، والذى استمر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وجلب لهم الخراب على حد قول وزيرة الاقتصاد البلجيكية، والتى طالبت بضرورة البعد عن الفلك الأمريكى، وقالت "كفى هذا الخراب والدمار الذى لحق بنا". النموذج الأمريكى الاقتصادى والذى كان يبهر العالم، أصبح الآن محل سخرية وتهاوت وحداته الواحدة تلو الأخرى، مثل سقوط قطع الدمينو فوق بعضها البعض، بل أصبح الجميع يتسابقون للتنصل منه، ونرى ذلك واضحاً عندما نفت البنوك العربية والأوروبية والآسيوية أى تعاملات لها مع تلك البنوك الأمريكية، وكانت من قبل تفتخر، بأن تعاملاتها تتم مع البنوك الأمريكية الكبرى، مثل بنك "ليمان برازر" رابع أكبر بنك فى الولاياتالمتحدة، والذى أشهر إفلاسه فى بداية الأزمة وخرج بعيداً. وبحساب الخسارة والمكسب على المستوى التجارى، سوف يخسر العالم السوق الأمريكية التى دخلت مرحلة ركود أو كساد، لا يعلم إلا الله مداها ومتى ستنتهى، وبذلك سيكون على المصدريين من دول العالم المختلفة، والذين كانوا يعتمدون اعتماداً كبيراً على السوق الأمريكية كأكبر سوق استهلاكى فى العالم، أن يعدوا أنفسهم لمواجهة الانكماش المتوقع فى هذا السوق، كما خسر العالم أيضاً استثمارات كبرى من الشركات الأمريكية التى سوف تنكمش داخلياً خلال تلك المرحلة مؤقتاً، وبالنسبة للمساعدات الاقتصادية سيكون من الصعب استمرارها عند نفس معدلاتها، وعلى الدول التى تتلقى تلك المساعدات أن تؤهل نفسها بالعيش دونها. وبالنسبة للمكاسب التى من الممكن أن تتحقق من وراء تلك الأزمة، استمرار تدخل الدولة فى العملية الاقتصادية، وعدم ترك الحابل على النابل فى النشاط الاقتصادى، وثانياً لن يكون هناك تدخل مباشر من جانب المؤسسات المالية الأمريكية الكبرى فى توجيه النشاط الاقتصادى فى أى دولة من الدول الخارجية، والتى كانت تتأثر إلى حدما بالعوامل السياسية، ولم تكن محايدة بالصورة الكافية، وثالثاً لن يكون هناك تعظيم لكل ما هو أمريكى خاصةً بالنسبة للناحية الاقتصادية، ورابعاً سيكون هناك تحرر كبير من جانب الاقتصاديات النامية وعملاتها الوطنية التى كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسعر الدولار الأمريكى، وبصفة خاصة اقتصاديات الدول الخليجية، وخامساً سوف تسمح الأزمة الحالية للدول المختلفة فى إعادة صياغة سياسات الإصلاح الاقتصادى وفقاً للمعطيات الجديدة، خاصةً ما يتعلق منها بسياسات الخصخصة وبيع الأصول المملوكة للدولة، والتأنى فى قرارات البيع. وأخيراً من المتوقع أن تشهد عمليات العولمة المتسارعة والتحرير التجارى، والذى كان يواجه بمعارضات شديدة من جانب سكان العالم المتقدم والنامى تراجعاً كبيراً، بل ومن المتوقع أن يدخل فى عمليات تقييم شاملة. والتساؤل المطروح بقوة الآن، هل من الممكن أن تظهر قوى اقتصادية جديدة بنظريات جديدة تتوافق مع المتغيرات العالمية الجديدة، يراعى فيها مصالح دول العالم جميعاً دون أن تستأثر دول معينة بالمكاسب وأخرى لا تتحصل إلا على الفتات.. ورب ضارةٍ نافعة.