رغم الإجراءات الكثيرة التى اتخذها مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، بحملة منسقة عالمية، تهدف لتخفيض أسعار الفائدة فى عموم البنوك للحد من حالة الانهيار التى تشهدها البورصات العالمية، إلا أن أزمة السوق المالية العالمية تبدو أكبر كثيراً من الإجراءات التى اتخذت لاحتوائها. أوروبا.. بنوك من ورق تطير فى الهواء وجاء قرار بنك إنجلترا المركزى خفض أسعار الفائدة نصف نقطة مئوية يوم الأربعاء، فى إطار تحرك منسق مع بنوك مركزية كبرى أخرى لدعم الاقتصاد العالمى وتخفيف حدة الأزمة المالية. وهذه الخطوة المفاجئة جاءت قبل يوم واحد من الموعد المعتاد للبت فى أسعار الفائدة، وقد خفض بنك إنجلترا أسعار الاقتراض إلى 4.5 فى المائة. وهذا يعد أكبر خفض فى أسعار الفائدة البريطانية منذ نوفمبر عام 2001، كما أنه أول خفض استثنائى منذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001 على الولاياتالمتحدة. وتزامن قرار بنك إنجلترا مع قرارات مماثلة من البنوك المركزية فى الولاياتالمتحدة وكندا وسويسرا والسويد، وكذلك مع البنك المركزى الأوروبى. بورصات تسبح فى مياه الخليج الأمر لم ينحسر عند هذا الحد، فالبورصات العربية عموما والخليجية خصوصا واجهت انهيارات كبيرة يعزوها المحلل الاقتصادى فى بورصة الكويت أحمد عبد الحسين النواف، إلى أن المؤسسات المالية الكويتية لا تزال فى منأى من الأزمة المالية الدولية، لكن ذلك لا يعنى أنها لن تتأثر فى المنظور القريب. وأضاف النواف أنه على الرغم من أن المؤسسات المالية الكويتية تتمتع بملاءة مالية ممتازة، فهذا لا يعنى أنها لن تتأثر من قريب أو بعيد من أزمات مالية بسبب ارتباط بعضها بالأسواق العالمية. وتحدث مضاربون كويتيون عن لجوء مؤسستين ماليتين محليتين إلى البنك المركزى لحمايتهما من إشهار الإفلاس، نتيجة الخسائر التى تعرضت لها أخيرا، وخسر المؤشر الكويتى 1.1% من قيمته. واصلت أسواق المال فى دول الخليج العربية تراجعها أمس، الأربعاء، لليوم الرابع على التوالى، وعلى رأسها سوق المال فى دبى التى خسرت نحو 10% عند الافتتاح، متأثرة بالمخاوف من انعكاسات الأزمة المالية الدولية فى المنطقة. وكانت سوق المال فى دبى قد خسرت 7.6% الاثنين و5.14% الثلاثاء. وشهدت سوق دبى خصوصاً انخفاض أسعار أسهم شركة إعمار العقارية بنسبة 10%. وتراجع قطاع العقار بأكمله 10%، بينما بلغت نسبة انخفاض قطاعى المال والاستثمار حوالى 14%. من جهتها، فتحت سوق المال فى أبو ظبى على انخفاض نسبته 2.7%. ومن جهة أخرى، تراجع مؤشر بورصة الدوحة بنسبة 8.3% خلال جلسة اليوم، الأربعاء، فى أكبر تراجع لها منذ سنوات عديدة. وصل مؤشر "سيكوريتيز ماركت إنديكس" إلى 1747.73 نقطة للمرة الأولى هذه السنة فى كل القطاعات، بينما تراجعت قيمة الأسهم فى البورصة السعودية، وهى الأكبر عربيا، بنحو ثمانية بالمائة فى تعاملات الثلاثاء، بعد أن كانت قد فقدت فى تداولات الاثنين قرابة عشرة بالمائة من قيمتها فى أعقاب إقفال دام طوال عطلة عيد الفطر. بورصة القاهرة.. سقوط أسهم موسم الخريف لكن الخاسر الأكبر عربياً كان مؤشر بورصة القاهرة الرئيسى نحو 16% من قيمته، حيث إن رأس المال السوقى للأسهم المدرجة بالبورصة المصرية بلغت خسائره لشهر سبتمبر الماضى فقط نحو 623 مليار جنيه، بانخفاض نسبته 10.4% عن الشهر السابق، الذى بلغ فيه 695.2 مليار جنيه. ويرى مراقبون أن عدم الحسم من جانب الحكومة والبنك المركزى من البداية لخطة التدخل العاجلة التى اقترحتها الحكومة الأمريكية لإنقاذ المؤسسات المالية بتكلفة تقترب من 700 مليار دولار، جاء بالأثر العكسى على جميع أسواق المال فى العالم وأدى إلى استمرار حالة القلق فى الأسواق، خاصة مع الإعلان عن انهيار بنك ميتشوال، الذى يعد أكبر بنك أمريكى ينهار فى تاريخ الولاياتالمتحدة، لتنهى الأسواق العالمية تعاملات الشهر على خسائر قياسية. وأشار إلى أن السوق المصرية تأثرت بهذا الاتجاه الهبوطى ليهوى على نحو ملحوظ خلال تعاملات النصف الثانى من الشهر، وإن كانت قد تخللت الفترة بعض فترات الصعود القصيرة، لينهى السوق تعاملات الشهر عند مستوى 7059 نقطة بتراجع قدره 16.5%. ويرى محللون اقتصاديون مصريون أن البنوك المصرية خصوصا منها الصغيرة، والتى قدمت قروضاً لشراء سيارات وشراء عقارات، ستكون أول المتأثرين، حيث ستواصل زيادة نسبة فوائد القروض الآجلة من جهة، كما أنها قد تلجأ للدفع باتجاه الحصول على مديوناتها من صغار المستثمرين، وهو ما ينعكس بشكل تصاعدى لزيادة نسبة التضخم فى السوق المصرية والتى تقدر ب(23 %). هذه الأزمة تجعل البنوك مضطرة للجوء إلى حلين اثنين، لا ثالث لهما، إما الحصول على تغطية بنكية (سندات بنكية) من البنك المركزى المصرى، وهو أمر مستبعد فى المنظور القريب، أو ستحاول إجراء تكتلات تضامنية بنكية مع باقى البنوك، وبالتالى فإن البورصة المصرية خسرت خلال أقل من 3 أيام 25% من قيمة الأسهم، ما يعنى أن المضاربين فى البورصة إذا اشتروا أسهم بقيمة 10 آلاف جنيه فإن قيمة سند السهم تصل إلى أعلى بكثير عن 5 آلاف جنيه. وعلى هذا الوضع يمكن رسم صورة السوق المصرية على حالة من الانكماش فى قطاع البناء، وهو أكبر القطاعات فى البورصة انكماشا فى قروض البناء وشراء الأراضى والعقارات، وهو ما يعنى انكماشا فى إنتاج الحديد والأسمنت وباقى سلع الإنشاء، لكن الأرجح ما قد تشهده بعض البنوك المصرية المرتبطة ببنوك عالمية من اللجوء إلى إشهار إفلاسها. أسواق إسرائيل .. مصائب قوم عند قوم أما فى إسرائيل، فقد سجل مؤشر تى إيه-25 للأسهم (TA-25) ارتفاعا قدره أربعة بالمائة تقريبا، فى أعقاب إعلان البنك المركزى الإسرائيلى تخفيض معدل سعر الفائدة بمقدار 0.5 بالمائة ليصل إلى 3.75 بالمائة ، كما شهد سوق الأسهم المختصة بتداولات قطاع التكولوجيا الإسرائيلى ارتفاعا أكبر بلغ 6.75 بالمائة. والمشهد كما يصوره مختصون فى الشأن الاقتصادى يتكون من لقطتين، الأولى أسواق متخمة بالتضخم السلعى (سيارات، عقارات خدمات، سياحة، منتجات صناعية) من غير مشترين، لأن الجميع سيتجه نحو تأمين لقمة العيش فقط. المشهد الثانى: عبارة عن بنوك بلا ضمانات مالية ولا سيولة نقدية، فالجميع سيحاول الاحتفاظ بمدخراته النقدية قدر المستطاع حتى تمر الأزمة المالية الشبيهة بأزمة 1920 التى مرت بها البشرية، والتى أكلت الأخضر واليابس، وأنشأت كيانات ودول رأسمالية على حساب دول أضحت الأضعف اقتصاديا فى العالم، وهى ما أطلق عليها دول العالم الثالث.