قال الشاعر السماح عبد الله من حق الشاعر الكبير سيد حجاب أن يكون أكثرنا فرحًا بهذه الثورة، فهو الذى تنبئ بها منذ سنوات من خلال قصيدته الشهيرة "قبل الطوفان اللى جاى" فأراد بها أن ينبه السلطة لأن تُقوّم من نفسها قبل أن يدهمها الطوفان، ومن حسن حظنا نحن ومن حسن سوء حظ السلطة أنها كانت بلا عينين فلم تر، وبلا أذنين فلم تسمع، وبلا ذهن فلم تعِّ، فقامت الثورة التى ظل سيد حجاب يحلم بها عمره كله وظللنا نحن نحلم بها عمرنا كله. وأضاف السماح عبد الله - خلال الأمسية التى عقدت مساء أمس، الأحد، ببيت الشعر، للشاعر سيد حجاب - فى ميدان التحرير كان حجاب يسير بين الثوار، كنت أنا على يساره، وكانت اليسارية العتيدة فتحية العسَّال على يمنه، كان "يؤنجشها سون فا سو" كما يليق بالعشاق الصغار، وعندما رآه الثوار العشرينيون التفوا حوله وهللوا له وأعطوه الميكروفون ليهتف لهم، وكان على سبعينيته ممتلئًا حماسًا وحيوية وفرحًا، لا أعرف الشعار الذى قاله وقتها من كثرة ما استمعت إليه من شعارات الثورة، لكنه بالتأكيد كان أعظم من كل شعره ومن كل شعرنا، فأى شعر هذا الذى يمكنه أن يوازى فعل الثورة المتحقق على أرض الواقع؟. ووصف عبد الله فى شهادته التى قرأها سيد حجاب بصياد عادى كان يخرج كل صباح للبحر حاملاً سنارته وهو يقول يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، قانعًا بما يسوقه الله له من رزقه المقسوم وخبزته المرصودة، ولما خطى عتبة العشرين عامًا لاحت له على البعيد جنية البحر، أخذت لبّهُ وزغللت عينيه، فرمى سنارته على الشاطئ وخلع ملابسه وظل يضرب الموج وكلما اقترب منها تبتعد، لكنه غافلها وكتم أنفاسه وغطس حتى أمسك بتلابيبها، عندها عرف أنها ليست امرأة البحر المعهودة ولكنها جنية الشعر المستحيلة، وعرف أنه مأخوذ لا محالة، من يومها ولم يعد ولا أظنه سيعود، كان بين الحين والحين يخرج من البحر مبلولاً وبين يديه ورقات ديوان أو نغمات أغنية فرحًا بصيده الجميل، وهو أعرف الناس بأنه مصطاد وليس صائدًا، وبأنه مسروق وليس سارقًا تمامًا كما قال جده الصائد المتمرس صياد ورحت اصطاد صادوني، لكنه كان فرحًا بهذه الحال كفرح الصوفى حين تدور أناشيد الحضرة "ملعون أنا لو أحلب الكلمة...من ضحكة النجمة، وانسى أغنى لضحكة الإنسان". وأشار عبد الله، وفى عام 1966 كانت البداية الرسمية للشاعر سيد حجاب من خلال ديوانه "صياد وجنية" والذى كتب مقدمته العراقى عبد الوهاب البياتي، وبرغم الالتفات الإعلامى والحفاوة الكبيرة التى استقبل بها الديوان حتى أن البعض أطلق عليه "لوركا مصر" إلا أن كل ذلك لم يرض الشاعر الشاب الذى أدرك أن شعره ضل طريقه فبدلاً من أيصل للصيادين والعمال والفقراء وصل للمثقفين والنقاد والشعراء، وما حيلته ومن يريد أن يصل شعره إليهم لا يقرؤون ولا يكتبون؟، من هنا جاء قراره أن يتوجه إلى الناس مباشرة أن يذهب إليهم أينما كانوا، وكان أن غنى فغنى الناس معه، وشدا فردد البسطاء شدوه، "دنياك سكك حافظ على مسلك وامسك فى نفسك لا العلل تمسكك وتقع فى خية تملكك تهلكك أهلك يا تهلك دانت بالناس تكون إن درت ضهرك للزمن يتركك لكن سنابك مهرته تفركك وإن درت وشك والخير يجيك بالكوم وهمك يهون". وقرأ عبد الله من أشعار حجاب: تاج راس سلالات الجهالات الطغاة الصغار ذوى المقامات والمذمات اللصوص الكبار أصحاب جلالة العار أصحاب فخامة الانبطاح والسعار أصحاب سمو الخسة والانحدار أصحاب معالى الذلة والانكسار مضيفًا: هكذا كان يسميهم سيد حجاب قبل الثورة بسنوات وكأنه كان يرى كل شيء ويعرف كل شيء لكنه – وحده – قال كل شيء، ونحن سمعناه. وقد شهدت الندوة حضورًا كبيرًا، ظل حتى العاشرة مساءً، يطالب حجاب بقراءة العديد من أشعاره بدءًا من أول دواوينه وحتى آخرها.