مثلما صنع الحدث خلال حياته، صنع محمود درويش الحدث أيضا حتى فى غيابه، حين اجتمع ليل أمس الأربعاء فى ذكرى أربعينيته نخبة من الشعراء يتقدمهم الفلسطينى سميح القاسم، ليهدوه باقة من الأشعار فى هذه المناسبة. حيث نظمت وزارة الثقافة التونسية بالتعاون مع سفارة فلسطين فى تونس احتفالية وفاء لروح شاعر النضال والكفاح محمود درويش، بمركز المكتبة الوطنية بتونس، حضرها مثقفون وشعراء وسياسيون. وافتتحت ذكرى أربعينية درويش بمعرض لأبرز كتاباته، قبل أن يفسح المجال لأصدقائه من شعراء ومثقفين، ليتحدثوا عنه ويتذكروه وليقولوا أيضا فيه شعرا. وميز حضور الشاعر الفلسطينى سميح القاسم أبرز رفاق درب درويش الأمسية، التى أكد خلالها الحاضرون على أن وفاة درويش يجب أن تذكى روح المقاومة والكفاح انطلاقا من الإبداع الأدبى والفكرى. وقال سميح القاسم لرويترز "معتادون على فارغ يومى فى فلسطين. كل يوم نستفيق على شهيد أو اثنين، وهذه الأمة والأرض التى أنجبت درويش قادرة على مزيد من الإنجاب". وأضاف "وفاة درويش مثلما تعودنا معه هى حياة وولادة جديدة للمقاومة". أما الشاعر منصف المزغنى مدير بيت الشعر فقال متحدثاً عن الشاعر الراحل "الأربعينية ليست سوى محاولة لإطالة عمر درويش الذى لا يصلح للموت، كما لا تصلح فلسطين للنسيان". وأضاف أن "شعباً جاء لنا بدرويش لا يمكن أن يموت مهما طال الحصار والتجويع". وتم عرض فيلم تضمن بعض قراءات دوريش بالمسرح البلدى بالعاصمة منذ أعوام، أبرزها قصيدة "سجل أنا عربى" ليضفى على القاعة مسحة من الحزن، حين تردد صوته يدوى بين الحاضرين. وقرأ الشاعر التونسى الصغير أولاد أحمد قصيدة سماها "قصيدة حب جديدة لدرويش". وقال "كونى أحبك لا جدال.. إنما ماذا أقول..أما وقد سقط الحصان وسرجه ونفيت من الجليل إلى السماء.. الدقيقة قالت سأنتحر الدقيقة هذه.. محمود مات فما أنا بعده". وأضاف قارئا مقتطفات من قصيدة ثانيا "أولا السلام ثانيا عليك..لا أحبك لأنك تحبنى فحبى غريز.. لأجل هذا أمدحك مجانا وأسب أعداءك بمقابل". وقرأت الشاعرة التونسية جميلة الماجرى بعض أبيات نظمتها خصيصا لتهديها لروح درويش. وقالت "لقد آن للجواد الكنعانى أن يعود.. لقد كنت وحدك تعرف كيف تراوح بين موتين فى الموت تمضى وحيدا الى آخر القول والأغنيات". وقال القاسم بنبرة فيها كثير من التحدى للموت "أنا لست هنا لرثاء درويش لأنى لم أتعود عليه إلا حيا مفعما بالحياة". لكنه عبر عن أسفه لأنه لم يعد بالإمكان أن يقدم أمسية شعرية مشتركة مع درويش، مثل تلك التى قدماها معا بالمسرح البلدى بتونس حين مغادرة الفلسطينيينتونس للعودة إلى وطنهم. وقرأ القاسم بعض أبيات قصيدته "تغريبة"، التى تصور جزءا من علاقته بدوريش وبالوطن والأرض، وقال بتأثر "لبيروت وجهان وجه لحيفا، ونحن صديقان سجنا ومنفى قطعنا بلاد وراء البلاد وها نحن فى تعتعات الدوار نعود".