تعرف على كيفية ضبط ساعتك على الوقيت الصيفي    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    التحالف يتصدى لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون    هل يبيع الزمالك زيزو لحل أزمة إيقاف القيد؟.. عضو الأبيض يكشف التفاصيل    مواعيد أهم مباريات اليوم الخميس 25- 4- 2024 في جميع البطولات    حالة الطقس غدًا.. أمطار رعدية ونشاط الرياح المثيرة للرمال والأتربة    تغير مفاجئ في حالة الطقس.. «الأرصاد» توضح سبب انخفاض درجات الحرارة    رحلة عطاء فنية| الاحتفاء بالفنان الراحل أشرف عبد الغفور بالمسرح القومي    فريد زهران: «رقمنة» دار الكتب الحل الجذري لاستيعاب زيادة عدد الناشرين    وفاء وايتن عامر في حفل زفاف ابنة بدرية طلبة    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    الاحتلال يعتقل فلسطينيًا من بيت فوريك ويقتحم بيت دجن    الهلال الأحمر يوضح خطوات استقبال طائرات المساعدات لغزة - فيديو    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    ثلاثة منتجات توابل مستوردة من الهند تسبب السرطان.. ما القصة؟    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    لبنان.. طيران إسرائيل الحربي يشن غارتين على بلدة مارون الرأس    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    الآن.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بعد آخر انخفاض    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    وزير الرياضة يتفقد استعدادات مصر لاستضافة بطولة الجودو الأفريقية    خبر في الجول – الأهلي يتقدم بشكوى ضد لاعب الاتحاد السكندري لاحتساب دوري 2003 لصالحه    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أخبار الفن|طلاق الفنان أحمد جمال من زوجته سارة قمر.. وشريف منير يروّج ل«السرب».. وهذه الصور الأولى من زفاف ابنة بدرية طلبة    مصير مجهول ينتظر "مؤتمر المصالحة الليبية" ..تحشيد عسكري روسي وسيف الإسلام مرشحا للقبائل !    مراقبون: فيديو الأسير "هرش بولين" ينقل الشارع الصهيوني لحالة الغليان    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    «زي النهارده».. بداية الحرب الأمريكية الإسبانية 25 إبريل 1898    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    تجديد اعتماد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ب«أزهر الاسكندرية»    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



3- إبراهيم عليه السلام
نشر في اليوم السابع يوم 08 - 09 - 2008

نبى الله إبراهيم عليه السلام هو الإنسان الذى اصطفاه الله من بين كل البشر ليكون خليله، والخلة هى شدة المحبة، مما يعنى أن الله اتخذ إبراهيم حبيباً، ولنا أن نتصور تلك المكانة التى وصل إليها سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإن غاية المتصوفين والعابدين هى أن يحبوا الله وينالوا رضاه عز وجل، أما أن يحبهم الله فهذا فوق آفاق التصور، فما بالك أن يختصه الله بالخلة والتى هى شدة المحبة، وكرمه الله بأن جعله للناس إماماً، وجعل فى ذريته النبوة، فإذا كل الأنبياء من بعده هم أولاده وأحفاده.
كان الناس فى الزمن الذى ولد فيه إبراهيم مقسمين إلى ثلاث فئات: فئة تعبد الأصنام، وفئة تعبد الكواكب والنجوم، وفئة تعبد الملوك؛ فانتشرت الفواحش، وعم الظلم والفساد فى الأرض، وغاب الحق والخير والعدل، وقبل ولادة إبراهيم كان أبوه قد مات فرباه عمه، وكان له بمثابة الأب، وكان عمه أعظم نحات لتماثيل الآلهة، فأضافت مهنة الأب إلى أسرة إبراهيم قداسة خاصة فى قومه، وكانوا من الأسر المرموقة فيهم.
كان إبراهيم منذ صغره رافضاً للأصنام التى يعبدها قومه، كان يراها لا ترى، لا تسمع، ولا تملك أن تستوى فى مكانها إذا قلبها أحد على جنبها، فكيف يمكنها أن تنفع وتضر؟! ظل إبراهيم طويلاً محاصراً بتلك الفكرة، مستعجباً فى نفسه.. أيمكن أن يكون كل قومه على خطأ، وهو وحده على الحق؟!
بعد فترة من التفكير، أخبر إبراهيم عمه أنه وقومه على خطأ وخرج وحده، ونظر إلى السماء ورأى كوكباً، أحس فيه أنه كبير صعب المنال، فتفكر وقال هذا ربى، فلما غاب الكوكب قال لا يمكن لربى أن يغيب، ثم رأى القمر منيراً فقال هذا ربى، فلما غاب أحس بأنه فى حيرة من أمره، إذ لا يمكن لله أن يغيب أبداً، ولم يتعرض له قومه فى ذلك الوقت لأن انتقاله من عبادة الأصنام إلى الكواكب كان مسموحاً به، حيث إن التنقل فى العبادة بين الوثنيات الثلاث فى ذلك الوقت لم يكن يمثل أى مشكلة. بعد ذلك رأى إبراهيم الشمس وتفكر، رآها أكبر وأكثر قوة وإشعاعاً، فلما غابت عرف إبراهيم أن الله أكبر من كل الذى يراه، وأنه أعظم من كل ما هو حوله سواء فى الأرض أو فى السماء، وأدرك حقيقة الله عز وجل.
كان واضحاً أن إبراهيم لم يكن مؤمناً بأى من الآلهة السابقة، ولكنه كان يتفكر ويتدبر فى الكون ليصل إلى الله الحق، وهو بهذه الطريقة أفند حجج الكافرين عابدى الكواكب، فأثبت لهم أن أى من الكواكب التى يعبدونها تغيب، ومن يغيب لا يستحق أن يكون إلهاً، وأن الإله الحق هو الله تعالى خالق كل شئ الذى لا يغيب.
لم يسكت عن إبراهيم عبدة النجوم والكواكب بعد ما استطاعت حجته أن تظهر الحق، فبدأوا فى جداله، وتهديده، فكان رد إبراهيم منطقيا وعاقلا، فسألهم كيف يخوفونه بما يشركون به من كواكب وهى لا تملك شيئاً لهم، بينما لا يخافون هم من الله عز وجل خالق الكون كله، فأيهم أحق بالإحساس بالأمن.
وبعد مواجهة إبراهيم لعبدة الكواكب، وبعد رده على كل حججهم، التفت إلى الذين يعبدون الأصنام من قومه، ولم يكن معه أحد يسانده فى مواجهتهم، فقد كان أبوه فى صميم الموضوع، فهذه مهنته وسر مكانته فى قومه، وبدأ الصراع بين إبراهيم وقومه بسؤال إبراهيم لهم عن سبب عبادتهم للأصنام، وردوا بأنهم وجدوا آباءهم يعبدونها، فبدأ فى جدالهم ومواجهتهم، واشتبك الأب والابن فى الصراع، الابن يقف مع الله، والأب يقف مع الباطل، دعا إبراهيم أبيه ليترك الآلهة التى يعبدها، فهى لا ترى ولا تسمع، وأن يعبد الله الحق، فانتفض الأب واقفاً وهدد إبراهيم فى ثورة عظيمة أنه لو لم يتوقف عن دعوته سيقتله رجماً بالحجارة، وطرده من بيته.
خرج إبراهيم من بيت أبيه، وهجر قومه وما يعبدون من دون الله، وقرر فى نفسه أمراً، فانتظر حتى جاء احتفال عظيم يقام على الضفة الأخرى من النهر، فخلت المدينة من الناس، وخرج إبراهيم إلى المعبد ومعه فأس حادة، ونظر إلى الآلهة المنحوتة من الصخر والخشب، وإلى الطعام الذى وضعه الناس أمامها كنذور وهدايا، فقال للآلهة ساخراً : لقد برد الطعام أمامكم.. لما لا تأكلون.. لما لا تنطقون.. ورفع الفأس وبدأ فى تحطيم الآلهة الكاذبة التى يعبدها الناس، حطم الأصنام جميعاً، وترك تمثالاً واحداً علق فى رقبته الفأس، وانصرف إلى الجبال بعد أن بر بقسمه أن يثبت لقومه بالدليل العملى على غبائهم فى عبادة غير الله.
لم يكد أول فرد يدخل إلى المعبد حتى صرخ من فرط ذعره مما حدث، وتجمع الناس على صرخته ليكتشفوا تحطم كل الآلهة ماعدا واحد، وبدأوا يفكرون فيمن عساه يرتكب مثل هذا العمل، وكان أول من خطر ببالهم هو إبراهيم الذى يحدثهم ويدعوهم إلى الله، فأحضروه وسألوه إن كان من فعل ذلك، فقال إن الذى فعل ذلك هو كبيرهم هذا فاسألوه إن كان ينطق، فدهش الناس، فهم يعرفون أن الآلهة لا تنطق، وهنا قال إبراهيم ، كيف تعبدون شيئاً لا ينطق، لا يسمع، أين ذهبت عقولكم، ألا تفكرون ؟! لقد حطمت آلهتكم وكبير الآلهة واقف ينظر، ولم تستطع تلك الآلهة أن تحمى نفسها، فكيف سيحضرون الخير لكم! ألزمهم إبراهيم الحجة، وأسكتهم بالدليل القاطع، وناقشهم بمنطق الفكر والعقل، فقرروا إعدامه فى النار.
كانت محاكمة مضحكة، وكانت حيثيات الحكم أن يحرقوه لينصروا آلهتهم، حين أثبت إبراهيم خطأهم، تهاوت حجتهم وانتهى جدالهم، ونهض كبرياؤهم وعنادهم، وقرروا إعدامه حرقاً.
بدأ الإعداد لحرق إبراهيم ، فحفروا حفرة عظيمة ملأوها بالحطب والخشب، وجاء الناس من القرى والمدن والجبال ليشهدوا إعدام من تجرأ على الآلهة، وأشعلوا فى الحفرة النار، وألقوا إبراهيم فيها، فصدر أمر الله جل جلاله إلى النار أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم ، وأطاعت النار فأحرقت قيوده فقط، وجلس إبراهيم فى النار كأنه يجلس وسط حديقة يسبح بحمد الله ويمجده، بينما كانت حرارة النار شديدة لدرجة اضطرت الناس لمشاهدة إبراهيم من بعيد حتى لا تزهق أرواحهم، وانتظر الناس طويلاً حتى تنطفئ النار، ليخرج إليهم إبراهيم منها سليماً أبيض الوجه، وليس عليه أى أثر للدخان أو الحريق.
حدث كل هذا وإبراهيم فتى دون العشرين من عمره، آتاه الله الحكمة والرشد منذ صغره، ثم اصطفاه على العالمين، وأغلب الظن أن اصطفاء الله لإبراهيم وتكليفه بالنبوة كان بعد تحطيمه لعبادة الأصنام والكواكب، وإن كان ذلك غير محدد فى القرآن ، وهكذا بعد أن أقام إبراهيم الحجة على عبادة الأصنام والكواكب بشكل حاسم، لم يبق إلا أن يقيم الحجة على الملوك المتألهين ومن يعبدونهم، فيأتى ملك كان يرى نفسه إلهاً ويعبده رعيته ليجادل إبراهيم فى أمر الله بعد أن سمع عن معجزته، فسأله عن إلهه الجديد الذى يدعو له، فأخبره إبراهيم أنه لا يوجد إله جديد أو إله قديم، بل هو الله عز وجل خالق الكون كله، فقال له الملك ما الذى يستطيعه ربك أن يفعله ولا أقدر عليه، فأخبره أن الله يحيى ويميت، فرد الملك بأنه يحيى ويميت، فيستطيع الإعفاء عن من حكم عليه بالإعدام، ويستطيع قتل من يريد، وهنا ابتسم إبراهيم لسذاجة ما قاله الملك وأدرك أن ما هو عليه من ملك جعله يحس بالكبرياء حتى وصل إلى ما هو فيه من كفر، ولكنه أراد أن يثبت له أنه يتوهم فى نفسه القدرة وهو فى الحقيقة ليس قادراً، فأخبره أن الله يأتى بالشمس من المشرق، فسأله إن كان يستطيع أن يأتى هو بها من المغرب، فالله وضع للكون نظماً وقوانين يمشى بها، فإن كان إلهاً فليغير تلك النظم والقوانين، وهنا أحس الملك بالعجز، وأسكته إبراهيم بالعقل والمنطق، فلم يعرف ماذا يقول، أو كيف يتصرف.. وانصرف إبراهيم من أمام الملك بعد أن بهت الذى كفر، وهكذا أسقط إبراهيم آخر حجج القلاع الكافرة.
اتسعت شهرة إبراهيم فى المملكة كلها، تحدث الناس عن معجزته ونجاته من النار، وعن موقفه مع الملك وكيف أسكته فلم يعرف ماذا يقول، واستمر إبراهيم يدعو إلى الله تعالى، وبذل كل جهده ليهديهم، وحاول إقناعهم بشتى الوسائل، ولكن لم يؤمن به إلا امرأة واحدة اسمها سارة والتى صارت زوجته، ورجل واحد هو لوط والذى أصبح نبياً فيما بعد، وحين أدرك إبراهيم أنه لن يؤمن بدعوته أحد، قرر الهجرة، وقبل أن يهاجر دعا والده للإيمان، فتبين لإبراهيم أن أباه عدو لله، ولا ينوى الإيمان، فتبرأ منه وقطع علاقته معه.
سافر إبراهيم على مدينة تدعى أور، وأخرى تسمى حاران، ثم رحل إلى فلسطين ومعه زوجته ولوط، المرأة والرجل الوحيدان اللذان آمنا به، بعد ذلك ذهب إبراهيم إلى مصر، وطوال هذا الوقت خلال تلك الرحلات كان إبراهيم يدعو الناس إلى عبادة الله، ويخدم الضعفاء والفقراء، ويعدل بين الناس، ويهديهم إلى الحق والخير.
كانت زوجته سارة لا تلد، وكان ملك مصر قد أهداها سيدة مصرية تدعى هاجر لتخدمها، وكان إبراهيم قد أصبح شيخاً، ففكرت سارة فى تقديم هاجر لتكون زوجة إبراهيم ، وأنجب إبراهيم منها ولداً سماه "إسماعيل".
وعاش إبراهيم فى أرض الله مسافراً يعبد الله ويسبح بحمده ويقدس له، واستمر يدعو الناس إلى عبادته، ووصلت مرحلة العلاقة بينه وبين الله إلى درجة العشق وتأمل قدرته، فسأل الله أن يريه كيف يحيى الموتى ليرى عظمة قدرته، وليطمئن قلبه للإيمان، وتلك الطمأنينة مع الإيمان لا تكون إلا درجة من درجات الحب العظيم لله عز وجل، فأمره الله أن يأخذ أربعة طيور ويذبحها ويفرق أجزاءها على الجبال، ثم يدعوها، فإذا بالطيور ترجع كما كانت بإذن الله وتدب الحياة فيها مجدداً، وذهبت طائرة مسرعة إلى إبراهيم .
مر زمن لا نعلمه، ثم أوحى الله يوماً إلى إبراهيم أن ينقل هاجر وابنه إلى مكة، المكان الذى سيكون به بيت الله المحرم، فأمر إبراهيم هاجر أن تأخذ ابنهما وتأتى معه، وكان إسماعيل رضيعاً لم يفطم بعد.. وظلوا يسيرون وسط أراضى مزروعة، تأتى بعدها صحراء، ثم تجئ بعدها جبال.. حتى دخل إبراهيم إلى الجزيرة العربية، فقصد وادياً ليس فيه زرع أو ثمر، ولا ماء ولا شراب، كان الوادى يخلو تماماً من علامات الحياة، فأنزل إبراهيم زوجته وابنه هناك، وتركهما وأعطاهما جراباً فيه طعام وماء لا يكفى يومين، ثم تركهما وسار.. فسألته هاجر إن كان سيتركهم فى هذا المكان الموحش، فلم يرد إبراهيم ، وعندما تكرر عدم رده على أسئلتها، أدركت أن الله أمره بذلك وسألته إن كان الله أمره بهذا، فأجابها أنه كذلك، فكان جواب زوجته المؤمنة : إذن لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذى أمرك بهذا.
ترك إبراهيم زوجته وابنه بالصحراء، وعاد راجعاً إلى كفاحه فى دعوة الناس إلى الله، ومر يومان.. وأحست هاجر وابنها الرضيع بالعطش، فذهبت هاجر للبحث عن ماء، فمشيت مسرعة إلى أعلى جبل اسمه "الصفا" وراحت تبحث عن بئر أو إنسان أو أى شيء، فلم تجد شيئاً، فنزلت من عليه مسرعة وجاوزت الوادى وصعدت أعلى جبل "المروة" ونظرت، ولكنها لم تر شيئاً، وراحت تذهب وتجئ سبع مرات بين الجبلين، ثم عادت بعد ذلك مجهدة تلهث من فرط التعب إلى ابنها الذى بح صوته من البكاء والعطش، وفى هذه اللحظة اليائسة، ضرب إسماعيل بقدمه على الأرض وهو يبكى فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم الذى لن ينضب، وشربت الأم وابنها الرضيع وصدق ظنها بالله، وبدأت القوافل تستقر بالمكان، وجذب الماء الناس، وبدأ العمران فى المنطقة الموحشة.
كبر إسماعيل قليلاً، وتعلق به قلب إبراهيم فابتلاه الله ابتلاء رهيباً، أوحى الله تعالى إليه أن يذبح ابنه الوحيد إسماعيل، كان بلاء عظيماً من الله لعبده المخلص المحب، فذهب إبراهيم إلى ولده وأخبره بما رأى من وحى الله، ويسأله فى لطف عن رأيه، فكان جواب إسماعيل هو جواب الأنبياء الثابتين الصابرين الطائعين لأوامر الله عز وجل، فيخبر أباه أن هذا أمر فبادر فى تنفيذه وستجدنى صابراً إن شاء الله، ولما سلما بأمر الله وفى اللحظة التى كان السكين فى طريقه لإمضاء أمره، أخبر الله إبراهيم ان اختباره قد انتهى، وفدا الله إسماعيل بذبح عظيم، وصار هذا اليوم عيداً لقوم لم يولدوا بعد، صارت هذه اللحظة عيداً للمسلمين، ليتذكروا دائماً معنى الإسلام الحقيقى الذى كان عليه إبراهيم وإسماعيل.
ومرت الأيام، وجاء يوم كان إبراهيم يجلس خارج خيمته، وكان يفكر فى ولده إسماعيل وقصة الرؤيا وفداء الله له بذبح عظيم، فأخذ يسبح بحمد الله ويشكره، فى نفس هذه اللحظة هبط على الأرض ثلاثة ملائكة هم جبريل وإسرافيل وميكائيل، متشكلين فى صور بشرية من الجمال الخارق، وكان لديهم مهمتان، تبشير إبراهيم ، ثم زيارة قوم لوط ووضع حد لجرائمهم، فسار الملائكة الثلاثة إلى إبراهيم وبادروه بالتحية، فنهض إبراهيم ورحب بهم، وأمر سارة زوجته أن تعد لهم عجلاً سميناً، لأنهم ضيوفه وشكلهم غريب عن المكان، وإن كانت هيئتهم لا يظهر عليها أثر السفر.
دعا إبراهيم ضيوفه للطعام وبدأ يأكل ليشجعهم، وكان إبراهيم كريماً لا يرضى أن يأتى ضيوف إليه ولا يكرمهم بأفضل ما لديه من طعام، وراح إبراهيم يأكل واسترق النظر إليهم فوجدهم لا يأكلون، فدعاهم للأكل ثانية، فوجدهم لا يأكلون ولا يمدون أيديهم للطعام، عندئذ أوجس إبراهيم منهم خيفة، ففى تقاليد البادية التى يعيش فيها، امتناع الضيوف عن الأكل يعنى أنهم يقصدون شراً بصاحب البيت، ولاحظ أنه لم يرهم إلا أمامه مباشرة، ولم يكن معهم دواب أو راحلة، أو حتى أى أحمال، وكانوا مسافرين ولا يبدو عليهم أثر ذلك، ازداد خوف إبراهيم ، فأخبره الملائكة عليهم السلام ألا يخف، وأنهم ملائكة الله أرسلهم إلى قوم لوط، فضحكت سارة فبشروها بأنها ستلد إسحاق، فاستعجبت لأنها عقيم وقد كبرت فى السن هى وزوجها، فبشروها أن بعد إسحاق سيكون لها يعقوب أيضاً، وأنه ليس هناك أى أمر على الله ببعيد، وهنا فرح إبراهيم وزوجته فرحة عظيمة، لقد كانوا يتمنون ذلك طوال عمرهم، ولكنهم سلموا بأمر الله، فلم تكن تلك البشرى شيئا بسيطا فى حياة إبراهيم ، إذ لم يكن له سوى إسماعيل الذى تركه فى الجزيرة العربية، أما سارة فكان حنينها إلى الولد عظيماً، ولكنه كان كحلم جميل مستحيل التحقق، فظلا يشكران الله على نعمه وفضله عليهما.
بعد مرور لحظات الفرح، وذهاب خوفه من ضيوفه، تذكر إبراهيم أنهم أرسلوا إلى قوم لوط، وكان يعلم أن إرسال الملائكة يعنى وقوع عذاب شديد، وكانت طبيعة إبراهيم الرحيمة لا تجعله يقدر على هلاك قوم من البشر، فربما رجع قوم لوط وأقلعوا عما يفعلون ويجيبون دعوة رسولهم، فبدأ إبراهيم يجادلهم فى قوم لوط، وأفهمه الملائكة أنهم قوم مجرمون، وأنهم لن يرجعوا عن فجورهم، فراح إبراهيم يحدثهم عن المؤمنين منهم، فطمأنوه أنهم لن يمسهم سوء، وأنهم أعلم بمن فى قوم لوط، ثم أفهموه أن أمر الله قد قضى فيهم، وأن يعرض عن هذا الحوار لأن الله قرر عليهم عذاب غير مردود.
مر زمن طويل، وأوحى الله إلى إبراهيم أنه قد حان الوقت لبناء بيت الله تعالى فى الأرض، والذى سيكون قبلة عباده، ورمز توحيده، كان إسماعيل فى ذلك الوقت قد كبر فى شبه الجزيرة العربية، وأصبح شاباً يافعاً، فأخبره إبراهيم أن الله أمره أن يبنى بيتاً، وطلب أن يعينه عليه، وكان طبيعياً من إسماعيل النبى الطائع لأمر الله وأمر أبيه إبراهيم ألا يتردد فى تنفيذ تلك المهمة مع أبيه.
أخذ إبراهيم وإسماعيل يحفران فى الأرض ليجدا الأساس القديم الذى بناه آدم عليه السلام (كان آدم بنى بيت الله لعبادته، ثم مات آدم ومرت القرون، فضاع البيت وخفى أثره)، وبذل النبيان العظيمان جهداً جباراً، فكان عليهما حفر الأساس لعمق غائر فى الأرض، وقطع الحجارة من الجبال القريبة والبعيدة، ثم نقلها، وتسويتها، وبنائها، وكان الأمر يستوجب جهد جيل من الرجال ولكنهما بنياها وحدهما معاً، فعندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم رسولاً فى الناس قال إن الكعبة عندما رممت وأعيد بناؤها آخر مرة فى عهده، لم يحفر أساسها كما فعل إبراهيم ، فما بالنا بجهد اثنين فقط لم يستطع جيل كامل من الرجال حفر الأساس كما فعلا.
كان إبراهيم وإسماعيل دائمى الدعاء أثناء البناء أن يتقبل الله عملهم، وأن يبعث فى الناس رسولاً منهم يعلمهم آياته، وبعد انتهاء البناء طلب إبراهيم من إسماعيل أن يحضر له حجراً مميزاً يختلف عن لون حجارة الكعبة، ليكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حولها، فذهب إسماعيل وهو جسده محطم من العمل، وبذل أقصى ما لديه من جهد ليلبى أمر والده، وعندما رجع وجد إبراهيم قد وضع الحجر الأسود فى مكانه، وعندما سأله من أين جاء به، أجابه أن من أحضره هو جبريل عليه السلام.
انتهى بناء الكعبة، ويأمر الله إبراهيم أن يؤذن فى الناس بالحج، ونحن فى كل عام نحج إلى بيت الله تلبية لدعوة الله ونبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، خليل الله، أبو الأنبياء جميعاً، وأول من سمانا بالمسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.