ومازلنا نتحدث عن العلماء الذين يأخذون بأيدي العباد. فإذا كان العالم ظنه بالله قوي، بحسب عبادته يكون مريديه، فهم يشربون مما شرب. وتحضرني قصة العلماء الذين ذهب إليهم الشيطان في صورة إنسان، فذهب إلي الأول وقال له: هل الله قادر علي أن يحشر جميع البشر من خلق سيدنا آدم إلي أن تقوم الساعة في فدان أرض، فرد العالم قائلاً: نعم إنه قادر. فسأله: هل يستطيع أن يحشر الله الناس في نصف فدان، فرد العالم: أظنه وسكت عن الكلام. فقال الشيطان: هذا العالم كفر بالله. فذهب إلي الثاني وقال له: هل يستطيع الله أن يحشر الناس في نصف فدان، فرد العالم نعم يستطيع، فقال له هل يستطيع أن يحشرهم في قيراط أرض، فرد العالم: أظنه وسكت. فقال الشيطان: وهذا أيضا كفر بالله. فذهب إلي الثالث وقال له: هل يستطيع الله أن يحشر الناس في قيراط أرض، فقال نعم، فقال له: وهل يستطيع أن يحشرهم في بطيخة فقال العالم: أظنه وصمت. فقال: هذا أيضا كفر بالله. فذهب إلي العالم الأخير وقال له: هل الله قادر علي أن يحشر الناس في بطيخة فقال له العالم: قادر، فسأله: وهل يستطيع أن يحشرهم في بيضة، فرد العالم: وتلك كمان، ده قادر مقتدر. وهنا قال الشيطان: هذا العالم لا يقدر عليه أحد. فهذا العالم كان يحسن الظن بالله كما قال تعالي «أنا عند حسن ظن عبدي بي». فإذا كان العالم علي أرض صلبة من الأفعال لا الأقوال تكون النتيجة إيجابية ولكن الظاهر في هذه الأيام لكثير من علماء هذه الأمة أن أقوالهم لا تأتي بثمار لأن شبابنا يرون أنهم يقولون ما لا يفعلون. وحين يلتقون بالصدفة التي يكون فيها صلاحهم بشيخ ولي مرشد لا يعرف إلا الأفعال، فأول ما يعلمهم، يعلمهم قول معلم البشرية الأول ويقول لهم قال - صلي لله عليه وسلم - «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي». قالوا، يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك بعد أن أرمت ( أي أكلتك الأرض)؟. قال رسول الله: «إن الله حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء». فهنا المصطفي - صلي الله عليه وسلم - يقول إن أعمالنا تعرض عليه حتي بعد مماته. وهذا علي عكس ما يريد البعض الترويج له حين يكفرون كل شيء وأي شيء، فالحياة تمتد بعد الموت علي عكس ما يعتقد البعض. ولنا في قصة الإسراء والمعراج أسوة حسنة، أن النبي - صلي الله عليه وسلم - في إسرائه وجد الأنبياء جميعا وصلي بهم إماما وحينما فرض علي النبي خمسين صلاة، قال له سيدنا موسي ارجع واسأل ربك التخفيف، فرجع وعندما عاد إلي سيدنا موسي قال له ارجع مرة أخري واسأله التخفيف، وتكرار الرجوع وصل إلي خمس صلوت، فقال له ارجع واسأل ربك التخفيف، فقال المصطفي - صلي الله عليه وسلم - إني استحييت منه. ونحن نعلم أن المدة الزمنية التي تفصل بين سيدنا موسي وسيدنا محمد كبيرة ولكن لولا سيدنا موسي لكنا نصلي خمسين صلاة ولا كان أحد يصلي إلا نسبة قليلة. فيعلم الشيخ أبناءه المقبلين عليه من الزمن الذي نحياه والذين يعانون من مشاكل حياتية كثيرة ومن الأبواب المغلقة أمامهم، ما هو قدر المعلم الأول - صلي الله عليه وسلم - فيتجهون إلي بابه عز وجل بعد مرحلة كبيرة من سماع أقاويل كثيرة مفرغة من مضمونها. وحينما يرون الصدق في كلام الشيخ المتحدث إليهم يتبعون، فالصدق لا يأتي إلا من ولي مرشد بإذن من الله. فالولي المرشد لا يأتي من فراغ فقد سمع قول المصطفي - صلي الله عليه وسلم - «جاهدوا تشاهدوا» وسمع أيضا قوله «من كانت بدايته محرقة فنهايته مشرقة». فإنه لا يأتي ويزدهر أياما معدودات ثم بعد ذلك يذهب ريحه ولكنه كلما مر به الزمن ثقلت موازينه في العلوم النبوية. فإنه يحب مدينة العلم وهو المصطفي - صلي الله عليه وسلم - ويحب بابها وهو الإمام علي ويحب مدينة الصدق ويحب بابها وهو الإمام أبو بكر الصديق ويحب مدينة الحق ويحب بابها وهو الإمام عمر بن الخطاب ويحب مدينة الحياء ويحب بابها وهو الإمام عثمان بن عفان. فكلهم أبواب للمدن التي أصلها المصطفي - صلي الله عليه وسلم -. فلن يأخذ مرتبة الولاية إلا إذا علم قدرهم وعلم عنهم بل أيضا يعلم قدر تابعيهم وتابع تابعيهم. فكلهم من رسول الله ملتمس كما قال الإمام البوصيري. فلقد علمهم رسول الله جميعا أن المؤمن هين، لين، سمح، بشراه علي وجهه. وعلمهم أيضا أن ييسروا ولا يعسروا، ويبشروا ولا ينفروا. فمن شرب من هذا البحر يعتقد أن الجميع سواء من خلق آدم إلي أن تقوم الساعة، فالكل مسلمون. فكل ديانة نزلت فوق ظهر هذه الأرض إذا طبقت وسلم معتنقوها بأن للكون إلهًا لأصبح الجميع يسلمون وجههم لله، ومن هنا جاءت كلمة مسلمون كما دعا سيدنا يوسف أن يتوفاه الله مسلما ويلحقه بالصالحين وحينما قال رب العزة عن أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم «ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين». وكم من عاقل أدلي بدلو ليدريها ولكن من وعاها؟ أولو الأبصار والأسرار حاروا ولو راموا الرقي لن يبلغاها ولو كانت قلوب الناس ملأي بحب المصطفي كانت وكاها.