موعد تنسيق طلاب الدبلومات الفنية 2025، الحد الأدنى والكليات المتاحة    الجالية المصرية بفرنسا تنظم وقفة تضامنية لدعم مواقف الدولة    علاء الزهيري يفوز برئاسة اتحاد شركات التأمين لمدة 4 سنوات    الحكومة تدرس إقامة منطقة صناعية للجلود في برج العرب أو العلمين الجديدة    بأمر ال AI    «تنظيم الاتصالات» يصدر نتائج استطلاع الرأي لمستخدمي المحمول والإنترنت| تفاصيل    "أرسل ابنك للحرب إذا أردت استئنافها".. احتجاجات حاشدة فى مدن إسرائيل ضد نتنياهو.. عائلات الرهائن تحذر من عرقلة أى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة.. مظاهرات أمام منازل الوزراء لوقف الحرب.. ودعوات لمليونية    وزارة الدفاع الأمريكية تمنع أوكرانيا من استخدام صواريخ طويلة المدى    شوط أول سلبي بين البنك الأهلي والاتحاد في الدوري الممتاز    مدرب الزمالك: نتعامل مع ضيق الوقت قبل مواجهة فاركو.. وعلينا التأقلم مع البطاقات الصفراء    من "مينفعش يمشي" ل"لازم نبيعه".. كيف ناقض شيكابالا نفسه في ملف "زيزو" مع الزمالك؟    مصدر أمنى يكشف حقيقة وفاة محتجز نتيجة التعذيب داخل قسم شرطة بالقاهرة    قرار قضائي جديد بشأن استئناف "علياء قمرون" على تجديد حبسها    استلم جثمان ابن عمه من ليبيا.. فلحق به في حادث مأساوي بطريق كفر الشيخ    هيفاء وهبي تشعل مسرح فوروم دي بيروت بحفل كامل العدد | صور    مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يعلن أسماء المكرمين في دورته الثانية والثلاثين    "طالعة قمر".. نادين الراسي تخطف الأنظار بإطلالة جريئة    مراسل "الساعة 6": المتحدة تهتم بأذواق الشباب فى حفلات مهرجان العلمين    حالة الطقس غدا الإثنين 25- 8- 2025 في محافظة الفيوم    مصر تسعى لتعزيز الصادرات الدوائية إلى الأسواق العالمية    الغائبة الحاضرة.. CNN: ميلانيا ترامب بعيدة عن الأنظار رغم تأثيرها الواضح    نجوم الغناء العربى يدعمون أنغام برسائل مؤثرة عبر تليفزيون اليوم السابع    أفلام تنعش صالات السينما في الربع الأخير من 2025    وزير الخارجية يتابع مشروع توثيق المستندات ذات القيمة التاريخية بوزارة الخارجية    السكة الحديد تشغل القطار السابع لعودة الأشقاء السودانيين إلى وطنهم.. صور    النيابة العامة تطالب المواطنين الإبلاغ الفوري عن أي وقائع للتعدي على الحيوانات    النادي لم يتمكن من تسجيله.. جوهرة برشلونة يرفض الرحيل في الصيف    بعائد يتجاوز 121 ألف جنيه سنويًا.. كيف تستفيد من أعلى شهادة ادخار في البنك الأهلي؟    «ماس في فيشة».. حريق في فيلا الفنان محمد صبحي والحماية المدنية تسيطر عليه (تفاصيل)    الكشف على 665 مواطن خلال قافلة طبية مجانية بقرية الفالوجا بالبحيرة    اليونيسف: الأطفال والرضع في غزة يواجهون الموت جوعًا وسط تفاقم الأزمة الإنسانية    الجوازات تنهي إجراءات المرضى وكبار السن في دقائق.. صور    وزير الدفاع يلتقي عددًا من مقاتلي المنطقة الغربية العسكرية    المصريون في أوروبا يوجهون رسالة دعم قوية لمصر والقضية الفلسطينية    بعد تدخل وزير الرياضة.. جدل قانوني وتنظيمي يحيط الأهلي بعد التتويج بكأس السوبر السعودي    بعد 3 مباريات.. سون يفتتح أهدافه بالدوري الأمريكي    انطلاق البرنامج التدريبي لإعداد قيادات المراكز والمعاهد البحثية بمعهد إعداد القادة    استمرار فعاليات برنامج التبادل الطلابي بكلية الطب جامعة حلوان    الرئيس الفنلندي: صبر ترامب بدأ ينفد بشأن التسوية الأوكرانية    وزير البترول يبحث مع «إيناب» التشيلية التعاون في قطاع التعدين    لمدة 21 ساعة.. انقطاع المياه عن بعض المناطق بالقليوبية (تفاصيل)    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق ملتقى دهب واستمرار مهرجان مسرح الطفل وأوركسترا مصر الوطني يصل شرق الدلتا    وظائف بنك القاهرة 2025.. اعرف التخصصات المطلوبة وأهم الشروط    بمشاركة 33 شركة.. انطلاق مبادرة «سلامتك تهمنا» في الإسكندرية    عائشة تحقق حلم الطب.. نهاية سعيدة لقصة تلاعب إلكتروني كادت تسرق المستقبل    وزارة الصحة تعلن قرارا مهما بشأن صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية    أفضل 6 طرق لفقدان الوزن بدون ريجيم (تعرف عليها)    أيمن يونس يوجه رسالة غامضة: "الأسرار لازم تفضل ولما تتكلم تكبر مش تصغر"    التنكيل بالضفة... حملات اعتقالات واقتحامات إسرائيلية واسعة فى الضفة الغربية    "مباراة عادية".. المصري هيثم حسن يتحدث عن مواجهة ريال مدريد في الدوري الإسباني    يسري جبر: هذا جزاء من يتقن عمله    هل تعليق الصور على الحائط حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    بقرار من نتنياهو.. إسرائيل تصعّد حربها في غزة باستخدام روبوتات وغازات سامة    وكيل عربية النواب: حملات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة للتغطية على جرائم الاحتلال    تراجع أسعار الدواجن والطيور الحية اليوم الأحد فى أسواق الإسماعيلية    في ذكرى المولد النبوي.. أفضل الأعمال للتقرب من الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم    "سيد الثقلين".. سر اللقب الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده    دعاء الفجر | اللهم يسّر أمورنا واشرح صدورنا وارزقنا القبول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عواد مبعش أرضه!
نشر في اليوم السابع يوم 02 - 04 - 2011

ظلت قيمة الأرض عند الفلاح تساوى تماما قيمة العرض والشرف، وعلى مر الزمن وضع أمام عينيه المثل الشهير "إللى يفرط فى أرضه زى إلى يفرط فى عرضه"، وكان من يفرط منهم فى حبة من ترابها يوصم بالعار، ويوضع على ظهر الحمار بالمقلوب، ويجرس ويزف بالشوارع ويهتف الجميع من خلفه "عواد باع أرضه على طوله وعرضه"، وظهرت هذه الصورة فى الأعمال الدرامية كثيرا.
واليوم وبعد أن كثر عدد أبناء وأشباه عواد الذين فرطوا فى أرضهم، وهان عليهم عرضهم، فباعوها أو بوروها وشقوا قلبها، ووضعوا فيه الخراسانات المسلحة، ومنعوا عنها الحب والماء، فضاقت شرايينها، وتقطعت أوردتها، وتخلت عن لونها الأخضر، وما عاد وجهها ينبض بالحياة.
والكل يريد أن يحاسب عواد على جريمته الشنعاء، وفعلته النكراء، ولكنى أؤكد لكم أن عواد "ما بعش أرضه ولا فرط فى عرضه"، ولكننا نحن الذين وضعناه فى سلة المهملات، وتركناه نهبا للطامعين والمرابين، وتحت سطوة المرتشين والفاسدين، فعواد ومنذ سنين طوال لم يدب نبض السعادة فى قلبه، ولم يعرف الفرح طريقه، واختفت البسمة من حياته، وكانت آخر لحظة جميلة شعر بها يوم تسلم أرض الإصلاح فى الستينات، وما زالت صورة تسلم عقودها من عبد الناصر باقية فى الأذهان، يتحاكى بها مثل حواديت الشاطر حسن وست الحسن والجمال، ولكنها فرحة ما تمت خدها الغراب وطار وزفتها الحدادى والغربان.
فالفلاح ذالك الصامت الصامد كشجر الكافور، تهزه الريح فيشتد عوده، ويضرب جذوره فى الأرض التى تعلم منها الصبر والجلد، بعدما صار منها وصارت منه، فقد رواها بعرقه تارة، وبدمه تارة أخرى، وأحرقت شمس الصيف وجهه وقفاه، وشقق الماء والطين والهواء كفيه وقدميه، ولطمته الأيام بالجوع والفقر والمرض، ولم يعرف من الفاكهة إلا أسماءها، ومن السكن إلا المعروش بالخوص والبوص والحطب، ومن الملبس إلا البفت والدمور وصوف الغنم، ومن الحذاء إلا البلاستيك، ولكنه مع ذلك عرف جميع الأمراض، فنالت منه وانتقصت من عمره، فكابدها حتى سقط من بيننا، صريعا دون أن تدمع عليه عيوننا.
ووسط كل تلك الأهوال عاش صابراً مثابراً حتى علم أبناؤه، فكان منهم الطبيب والمهندس والمحامى والمعلم، وانتظر يوما يردون فيه الجميل، وينتشلونه من فقره، ويقضون على عجزه أمام الحوادث والأيام، ولكن الذين حرم نفسه القوت والكساء من أجلهم، وعاش حافياً دون حذاء، كى يلبسوا ويطعموا ويتعلموا، كانوا هم أول من أنكر جميله، ونسى معروفه، وتنكر لحقوقه عليه، فتركوه وحيدا فى صراعه دون معين، يلهث خلف أمل كاذب، وحلم فى منام لن يتحقق.
ولم يطمئن نفسه أو يهدأ من روعه، إلا فرحة ظل ينتظرها بمحصول آخر العام، ولكننا لم نترك له حتى هذه الفرحة، فحرمناه منها وإلى الأبد، فجلبنا له بذورا لا تثمر، وفرضنا عليه أسمدة تقتل الزرع والحرث، ومبيدات مسرطنة أورثته وأرضه الوباء والمرض، وأصبح يحصد بدلا من الذهب الأبيض دودا أخضر، وبدلا من سنابل القمح والذرة حبوبا نخرها السوس والدود، وأكلت ثماره حشرات لم يرها ولم يسمع عنها من قبل، وأصبحت أرضه عاجزة موبوءة مريضة، يشقها بالفأس فتأبى أن تستجيب، ويرويها بالماء فتعصى عليه.
وها هو لا يجد حتى ماء النيل الذى كان يشرب منه، ويستحم فيه، ويغسل ملابسه، ويسقى حيواناته، ويروى أرضه التى لا يجد لريها اليوم إلا مياه المجارى، فحزن عليها وأصابه ما أصابها، من مرض وعطب، فخمل كبده، وضاق صدره، وتوقفت كليتاه، وزاد ضغط قلبه، ولا يجد مستشفى يعالجه، ويوم أن يذهب لطبيب من أبنائه يقسو عليه، فيسلبه ماله دون أن يعالجه.
ومع كل هذا فهو صابر لا يتبرم، ساكن لا يعلن العصيان، وما قام يوما بمظاهرة فئوية، ولم يطالب بمطالب شخصية، وكلنا نحاسبه على البناء فى الأرض الزراعية، رغم أنه لم يحلم يوما بالقصر، أو الفيلا والعمارة، ولكن الذى بنى هم أبناؤه الذين علمهم وتنكروا له، واستعروا من جهله، وعجزه ومرضه وفقره، ويمتلكون المال والقرار، فحاسبوهم هم، وحاسبوا أنفسكم، لأنكم قصرتم فى حق عواد الذى لم يبيع أرضه، ولم يفرط فيها، إلا بعدما فرطنا نحن فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.