تشكيل تشيلسي المتوقع أمام ريال بيتيس في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    تعليم البحر الأحمر تنهي استعداداتها لإجراء امتحانات الفصل الدراسي الثاني للشهادة الإعدادية    ريا أبي راشد تكشف سبب اهتمام مصوري مهرجان كان ب نجوى كرم وتجاهل إليسا    إيلون ماسك: الهبوط على المريخ هو الهدف الأول ل"سبيس إكس"    الخارجية الأمريكية توقف جدولة مقابلات تأشيرات الطلاب الأجانب وتستعد لتوسيع فحص وسائل التواصل الاجتماعي    موسكو: الاتحاد الأوروبي يستعد للصدام العسكري مع روسيا    الصين الآن.. مقتل 5 وإصابة 19 في انفجار مصنع كيماويات    مسئولة أممية: حريصون على تعزيز العمل المشترك مع الجزائر    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 28 مايو    رابط نتيجة الصف الثاني الثانوي 2025 في بني سويف فور ظهورها    رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2025 برقم الجلوس فور ظهورها في بورسعيد    الدفاع الروسية: اعتراض 112 مسيرة أوكرانية خلال 3 ساعات    الفاصوليا ب 70.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية الأربعاء 28 مايو 2025    مستقبل رونالدو بين حلم العودة و«مزاملة» ميسي.. والأهلي لمواصلة الرحلة    بعد هبوطه في 7 بنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأربعاء 28-5-2025    الإيجار القديم.. نقيب الأطباء: فسخ العقود بعد 5 سنوات كارثة.. وزيادة إيجار الوحدات المهنية 10% كافية    سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 28-5-2025 مع بداية التعاملات    الدبيبة تعليقا على عزم البرلمان اختيار حكومة جديدة: لا شرعية لمراحل انتقالية جديدة    أسعار الفراخ وكرتونة البيض في أسواق وبورصة الشرقية الأربعاء 28 مايو 2025    موعد وصول أليو ديانج إلى القاهرة للانضمام إلى الأهلي    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأربعاء 28-5-2025    منع ابنه من الغش.. ولي أمر يعتدي على معلم داخل مدرسة بالفيوم    فيديو| حكاية روب التخرج للعم جمال.. تريند يخطف الأنظار في قنا    صندوق النقد الدولي: مصر تحرز تقدما نحو استقرار الاقتصاد الكلي    المطبخ المركزي العالمي: إسرائيل لم توفر مسارا آمنا لوصول الإمدادات لنا    رئيس وزراء العراق: فضلنا أن نكون جسرًا للحوار لا ساحة تصفية حسابات    أبطال فيلم "ريستارت" يحتفلون بعرضه في السعودية، شاهد ماذا فعل تامر حسني    موعد أذان الفجر اليوم الأربعاء أول أيام ذي الحجة 1446 هجريًا    كواليس حريق مخزن فراشة بكرداسة    غموض موقف أحمد الجفالي من نهائي الكأس أمام بيراميدز    موعد أذان الفجر في مصر اليوم الأربعاء 28 مايو 2025    وجبة كفتة السبب.. تفاصيل إصابة 4 سيدات بتسمم غذائي بالعمرانية    مصطفى الفقي: كنت أشعر بعبء كبير مع خطابات عيد العمال    موعد مباراة تشيلسي وريال بيتيس في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    إدارة الأزمات ب «الجبهة»: التحديات التي تواجه الدولة تتطلب حلولاً مبتكرة    ظافر العابدين يتحدث عن تعاونه مع طارق العريان وعمرو يوسف للمرة الثانية بعد 17 سنة (فيديو)    رئيس جامعة عين شمس: «الأهلية الجديدة» تستهدف تخريج كوادر مؤهلة بمواصفات دولية    العيد الكبير 2025 .. «الإفتاء» توضح ما يستحب للمضحّي بعد النحر    ما حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد؟ الإفتاء تحسم الجدل    الكاس يوجه رسالة لجماهير منتخب مصر قبل كأس العالم للشباب    «لو الأهلي كان اتأجل».. نجم الإسماعيلي السابق ينتقد عدم تأجيل مباراة بيراميدز بالدوري    مدرب مالي: ديانج يمكنه الانضمام ل الأهلي عقب مواجهة الكونغو    سلاف فواخرجي تعلن مشاركة فيلم «سلمى» في مهرجان روتردام للفيلم العربي    هناك من يحاول إعاقة تقدمك المهني.. برج العقرب اليوم 28 مايو    البلشي يدعو النواب الصحفيين لجلسة نقاشية في إطار حملة تعديل المادة (12) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام    ولاء صلاح الدين: "المرأة تقود" خطوة جادة نحو تمكين المرأة في المحافظات    السيطرة على حريق شب داخل مطعم بمنطقة مصر الجديدة    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    وكيل صحة سوهاج يبحث تزويد مستشفى طهطا العام بجهاز رنين مغناطيسى جديد    «الرعاية الصحية»: التشغيل الرسمي للتأمين الشامل بأسوان في يوليو 2025    تنتهي بفقدان البصر.. علامات تحذيرية من مرض خطير يصيب العين    الاحتراق النفسي.. مؤشرات أن شغلك يستنزفك نفسيًا وصحيًا    لا علاج لها.. ما مرض ال «Popcorn Lung» وما علاقته بال «Vape»    حزب الجبهة الوطنية بجنوب سيناء يبحث خطة العمل بأمانة التعليم (صور)    سلمى الشماع: تكريمي كان "مظاهرة حب" و"زووم" له مكانه خاصة بالنسبة لي    حدث بالفن | وفاة والدة مخرج وتامر عاشور يخضع لعملية جراحية وبيان من زينة    الشركة المتحدة تفوز بجائزة أفضل شركة إنتاج بحفل جوائز قمة الإبداع    السعودية تعلن غدا أول أيام شهر ذي الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.. من شيد التماثيل على جزيرة الفصح؟
نشر في اليوم السابع يوم 25 - 05 - 2018

من الذى شيد تماثيل مواى على جزيرة الفصح؟ ولماذا؟.. هذا السؤال يجيب عليه بول أرون، فى كتاب "ألغاز تاريخية محيرة"، دار كلمات، وهندواى، والذى ننشره فى سلسلة "سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان".
يمكنك بمشقة أن تجد مكانا على سطح الأرض قريبا من جزيرة الفصح؛ وذلك نظرا لبعدها الشديد. حيث تبعد أمريكا الجنوبية عنها بأربعة آلاف وثلاثمائة ميل شرقا، فى حين تبعد تاهيتى بألفين وثلاثمائة ميل غربا. غير أنه بطريقة ما، وعلى الرغم من عزلتها الظاهرة عن حضارات أكثر تقدما على الصعيد التقنى، فقد نحت سكان الجزيرة مئات التماثيل الضخمة المكونة من حجر واحد على شكل بشر يتجاوز ارتفاع العديد منها ارتفاع بناية من ثلاثة طوابق. بعد ذلك قام نفس هؤلاء السكان، بطريقة ما، بنقل تماثيل المواى تلك برا، ونصبوا العديد منها على منصات حجرية، ووضعوا فوقها قوالب ضخمة من الحجر الأحمر.
كانت التماثيل لا تزال قائمة عام 1722 حين عثر المستكشف الهولندى ياكوب روخفين على الجزيرة فى عيد الفصح (ومن هنا جاءت التسمية). وكتب روخفين: لقد جعلتنا هذه التماثيل الحجرية نصعق من الدهشة للوهلة الأولى؛ لأننا لم نستطع أن نفهم كيف أمكن لهؤلاء الناس أن يقيموا مثل هذه التماثيل، التى كان ارتفاعها ثلاثين قدما كاملة وكانت ذات سمك يتناسب مع ارتفاعها.
وبعد أكثر من اثنين وخمسين عاما بقليل، توقف الكابتن جيمس كوك لفترة وجيزة فى جزيرة الفصح أثناء بحثه عن قارة، كان مشكوكا فى وجودها منذ زمن (ولكن لم يكن لها وجود)، فى جنوب المحيط الهادئ. وانتابت كوك الدهشة هو أيضا؛ إذ قال: استطعنا بصعوبة أن نستوعب كيف استطاع سكان هذه الجزيرة، الذين لم يكن لديهم أية معرفة بأى طاقة ميكانيكية، أن يقيموا مثل هذه التماثيل الضخمة، وبعد ذلك يضعون أحجارا أسطوانية كبيرة على رءوسها.
فمن الذى شيد مواى جزيرة الفصح؟ ولماذا؟
اعتقد معظم العلماء أن المهاجرين البولينيزيين — الذين وصلوا إلى الساحل بعد رحلة طويلة، ولكن ليست مستحيلة، من إحدى الجزر فى الغرب، ربما فى الماركيز — هم حتما من شيدوها. ولم يتعامل الكثيرون بجدية مع تور هايردال، وهو عالم نرويجى قام فى أواخر الأربعينيات من القرن العشرين بصياغة نظرية تنصعلى أن هنود أمريكا الجنوبية قد استقروا على جزيرة الفصح وشيدوا المواي.
ولإثبات صحة نظريته، قرر هايردال أن يصنع طوْفا بدائيا ويعبر المحيط الهادئ بنفسه.
توصل هايردال لنظريته لأول مرة بعد ملاحظة أوجه تشابه بين أساطير سكان جزيرة الفصح وقدماء الإنكا فى بيرو. فقد هتف سكان الجزيرة بحياة كبير آلهة أبيض البشرة يدعى تيكى بوصفه مؤسسا لجنسهم، بينما تحدث الإنكا عن كون-تيكى — كبير الآلهة أبيض البشرة — الذى طرده آباؤهم الأولون من بيرو إلى المحيط الهادئ.
تذكر هايردال أن الأوروبيين الأوائل الذين زاروا الجزيرة فى القرن الثامن عشر اندهشوا من الوجود الغامض هناك لبعض السكان ذوى البشرة البيضاء الذين كانوا مميزين وسط البولينيزيين ذوى البشرة السمراء فى العادة. ولا بد أن تيكى وكون-تيكى كانا واحدا، ولا بد أن السكان البيض الأصليين لجزيرة الفصح كانوا من سلالته.
وفيما يبدو، ثمة روايات شفهية أخرى متداولة على الجزيرة كانت تدعم نظرية هايردال. فقد تحدث سكان الجزيرة عن جنس ذى آذان طويلة، كانوا يثقبونها ويضعون أحمالا ثقيلة فى شحماتها إلى أن تطول بشكل مصطنع. وتروى القصة أن ذوى الآذان الطويلة ظلوا يحكمون الجزيرة إلى أن ضاق بهم ذوو الآذان القصيرة ذرعا وأطاحوا بهم. ولما كان للمواى آذان طويلة تتدلى حتى مناكبهم تقريبا، فقد افترض هايردال بطبيعة الحال أنها قد شيدت على يد ذوى الآذان الطويلة. ومن أين جاء ذوو الآذان الطويلة؟ لم تدعْ حكايات سكان الجزيرة مجالا للشك فى هذا الشأن؛ فقد جاءوا من الشرق حيث لم يكن يوجد صوْبه سوى المحيط … وأمريكا الجنوبية.
وفكر هايردال أنه إذا كان ذوو الآذان الطويلة، وتيكى أو كون-تيكى، قد استطاعوا عبور المحيط الهادئ فى طوف خشبى، فإنه يستطيع كذلك. ومن ثم اتجه نحو الغابات الإكوادورية؛ حيث قام بصحبة فريقه بتقطيع كبرى الأشجار التى استطاعوا أن يجدوها، ثم قاموا بتقشير اللحاء، على الطريقة الهندية، وربطوا تسعة ألواح كبيرة من الخشب بواسطة حبال القنب العادية، دون استخدام مسامير أو أى شكل من أشكال المعدن. وفوق الطوْف قاموا بإضافة قمرة مفتوحة من الخيزران، وصاريتين، وشراع مربع.
قام الفريق بتكسير حبة من جوز الهند على مقدمة القارب الذى أسموه "كون- تيكى". وفى أبريل عام 1947، وبصحبة خمسة رجال وببغاء، أبحر هايردال من ساحل بيرو.
كانت رحلة هايردال مغامرة بحرية نافست أحداث رواية "موبى ديك" فبرماح صيد الحيتان لا أكثر، قاوم فريقه قرشا حوتيا شديد الضخامة، حتى إنه عندما كان يغوص أسفل الطوف، كان رأسه يظهر على أحد الجانبين بينما يبرز ذيله بالكامل على الجانب الآخر. وصارت مياه الشرب آسنة إلى حد ما بعد شهرين، ولكن الأمطار سدت النقص فى مخزونهم منها. وغالبا ما كان الإفطار يتكون من سمك البينيت والسمك الطائر الذى كان يحط على متن القارب خلال الليل.
دفعت تيارات المحيط والرياح التجارية الطوف فى الاتجاه الغربى أكثر وأكثر، حتى تجاوز جزيرة الفصح بكثير. وبعد 101 يوم فى البحر، اصطدم الطوف بجزيرة غير مأهولة من جزر البحر الجنوبى شرق تاهيتي. ونجا الرجال الستة من الرحلة، وإن كانت موجة ضخمة قد أطاحت بالببغاء.
كان هايردال مبتهجا؛ فقد أثبتت بعثة القارب كون-تيكى أنه يمكن لطوف بسيط أن يعبر المحيط الهادئ. ولكن إمكانية أن يحدث ذلك لم تكن تعنى أنه قد حدث بالفعل.
فكان هايردال بحاجة لمزيد من الأدلة لإثبات أن سكان أمريكا الجنوبية قد استقروا على جزيرة الفصح.
فى عام 1955 ، انطلق هايردال مرة أخرى فى رحلة إلى جزيرة الفصح، وهذه المرة على متن سفينة صيد معدلة وبرفقة طاقم من العلماء المتخصصين. والمفارقة أن العلماء الذين جاءوا فى المرة الأولى بدعم من هايردال، إلى جانب أولئك الذين تبعوهم، قد انتهى بهم المطاف بتكذيب نظريته بشكل عام.
كان من أسباب ذلك أن تأريخهم بالكربون المشع قد حدد القرن الخامس الميلادى تاريخا لوجود الناس على الجزيرة، فى حين ارتفع أول تماثيل المواى فى وقت ما فيما بين عامى 900 و1000. غير أن ثقافة التياهواناكو فى مرتفعات بيرو وبوليفيا، حيث منشأ سكان الجزيرة حسب اعتقاد هايردال، لم يمتد تأثيرها إلى ساحل أمريكا الجنوبية حتى قرابة عام 1000 . فكيف أمكن لسكان أمريكا الجنوبية عبور المحيط قبل أن ينزلوا من الجبال أصلا؟
علاوة على ذلك، لم تجد البعثة أى أثر على جزيرة الفصح لفخار أو أقمشة، وهما أكثر المنتجات التى كانت تميز الثقافة البيروفية. فى المقابل، وجد علماء الآثار على جزر جالاباجوس — وهى سلسلة من جزر المحيط الهادئ تقع على مسافة أقرب كثيرا من أمريكا الجنوبية — العديد من بقايا الأوانى الفخارية، كان واضحا أن بعضها — على أقل تقدير — من نفس النوع الذى صنعه سكان أمريكا الجنوبية الذين سبقوا الإنكا.
ساهمت دراسات فى مجالات أخرى فى إلحاق مزيد من الضعف بنظرية هايردال. فقد قرر علماء النبات أن قصب التوتورا الذى يوجد على الجزيرة كان بعيدا عن النوع الموجود فى بيرو. أما البطاطا الحلوة، التى بالغ هايردال فى اهتمامه بها بوصفها حلقة وصل بأمريكا الجنوبية، فمن الممكن أن تكون قد جاءت من مكان آخر فى بولينيزيا.
أشار التحليل اللغوى كذلك بإصبعه إلى الغرب؛ فالعديد من كلمات سكان الجزيرة بدت مشابهة لنظيرتها البولينيزية، وأمكن بسهولة إرجاع الاختلافات بينهما إلى سنوات العزلة الطويلة. وقد تقرر أيضا أن كتابة رونجو رونجو تشترك فى ملامح كثيرة مع الكتابة البولينيزية أكثر من البيروفية.
كذلك أظهرت قياسات الهياكل العظمية أن سكان الجزيرة كانوا مشتركين فى سمات كثيرة مع سكان جنوب شرق آسيا أكثر من سكان أمريكا الجنوبية، وخلص معظم العلماء إلى أن وصف الزائرين الأوروبيين الأوائل للناس ذوى البشرة الشقراء كان مبالغة حتمية. فرغم كل شيء، لم تذكر البشرة البيضاء إلا فى بعض الروايات الأولى لسكان جزيرة الفصح؛ وكتب آخرون، مثل كابتن كوك الذى اشتهر بيقظته ودقة ملاحظته أنه "من حيث اللون والملامح واللغة، فإنهم يحملون شبها بأهل الجزر الغربية حتى إنه لن يشك أحد فى انتمائهم لنفس الأصل".
أما بالنسبة إلى الحكايات القديمة عن تيكى وكون- تيكى، فقد كانت مجرد قصص، بحسب معظم العلماء، وكان يجب أن تؤخذ جميعا، حسبما قال بول بان: "على أنها مبالغة". وقد انتقد بان هايردال لاستخدامه الانتقائى للروايات الشفهية، والذى أتاح له التأكيد على تلك التى دعمت نظريته، وتجاهل القصص الأخرى؛ مثل أن هوتو ماتوا — أول ملوك الجزيرة — جاء من جزيرة تدعى هيفا — وهو اسم شائع فى جزر الماركيز — التى تبعد ألفين ومائة ميل شمال غرب جزيرة الفصح.
حتى رحلة القارب كون-تيكى المثيرة لم تكن بمنأى عن التساؤلات والتحقيقات العلمية اليقظة. فقد ذهب البعض إلى أن هنود ما قبل الإنكا قد استخدموا المجادف، وليس الأشرعة، وأن الساحل الصحراوى لبيرو لم يكن به أى من الأخشاب الخفيفة اللازمة لصنع الأطواف أو الزوارق الخفيفة. علاوة على ذلك، كان القارب كون-تيكى قد سحب لمسافة خمسين ميلا بحريا بعيدا عن الشاطئ؛ ومن ثم تجنب التيارات التى كانت ستحمل هايردال إلى مكان ما باتجاه الساحل إلى بنما، وليس إلى أى مكان قريب من بولينيزيا.
أدى هجوم التحليلات العلمية الذى بدأ مع بعثة هايردال فيما بين عامى 1956 إلى إجماع أقوى على أن البولينيزيين هم أول من استوطنوا جزيرة -1955 الفصح. فعلى عكس هنود أمريكا الجنوبية، كان للبولينيزيين خبرة واسعة بالبحار، واحتلوا جزرا أخرى مثل هاواى ونيوزيلندا. وذهب بعض العلماء إلى ما هو أبعد من ذلك بادعاء أن أى دليل على وجود اختلاط بين ثقافة أمريكا الجنوبية والثقافة البولينيزية (كبعض نصال الرماح المصنوعة على طراز جزيرة الفصح التى وجدت فى شيلي) يمكن نسبه إلى البحارة البولينيزيين الذين ربما يكونون قد جازفوا بالإبحار إلى العالم الجديد ثم عادوا إلى ديارهم.
كان فى ذلك القليل من العزاء لهايردال، الذى استمر فى الادعاء بأن المكتشفين كانوا يبحرون غربا، وليس شرقا. واستمر فى مقاومة الموجات التأريخية، بمعاودة زيارة الجزيرة والدفاع عن أطروحته حتى مع تضاؤل عدد المستمعين له أكثر فأكثر.
غير أن ذلك لا ينبغى أن يقلل من إنجازاته. فقد كان هايردال هو من رتب لأول بعثة علمية إلى جزيرة الفصح، وهو من أتاح للعلماء الذين رافقوه إجراء أبحاثهم بعيدا عن أى تحيز. وكانت بعثات هايردال التى حظيت بالكثير من الترويج والدعاية هى ما أوحت للعلماء الآخرين بالذهاب إلى هناك بأنفسهم ومواصلة البحث عن نحاتى المواي.
تقدم الرؤية المجمع عليها، والتى تقضى بأن البولينيزيين هم أول من استوطنوا جزيرة الفصح، تفسيرا جزئيا على الأقل للتماثيل الضخمة. فقد كانت عبادة الأجداد شائعة عبر أنحاء بولينيزيا؛ ومن ثم ربما كانت المواى نوعا من النصب التذكارية التى أقامتها قبائل أو عائلات الجزيرة لتكريم موتاها. ومن الممكن أن تكون قوالب الحجر الأحمر التى علت أكبر التماثيل قد نشأت من تقليد جزر الماركيز؛ حيث كانوا يضعون حجرا على تمثال المتوفى كعلامة حداد.
غير أنه كان هناك لغز آخر حول هذه المواى وقد لاحظه كوك خلال زيارته الخاطفة؛ فالعديد منها سقط من على المنصات، والبعض قطعت رءوسه عمدا فيما يبدو.
لم يقْدم شعب كرس مثل هذا الجهد العظيم لتماثيله على إسقاطها عمدا هكذا؟ ما الذى حدث فيما بين زيارة روخفين عام 1722 — حين كان من الواضح أنها لا تزال؟ قائمة — وبين وصول كوك فى عام 1784 ألقى هايردال بالمسئولية على المهاجرين البولينيزيين، الذين قال إنهم وصلوا قبل الأوروبيين وذهبوا للحربضد أحفاد المستوطنين الأصليين الذين أتوا من أمريكا الجنوبية.
واتجه مرة أخرى إلى روايات الجزيرة التى سردت قصة ثورة ذوى الآذان القصيرة ضد حكام الجزيرة ذوى الآذان الطويلة. وخمن أنه ربما يكون ذوو الآذان القصيرة قد أطاحوا بكل من ذوى الآذان الطويلة وتماثيلهم.
ولكن مرة أخرى، أدى غياب الدليل الأثرى إلى إضعاف نظرية هايردال؛ فلا يوجد أى آثار لمعمار أو لأعمال فنية من صنْع الإنسان تدل على اندفاع مفاجئ لتأثيرات ثقافية جديدة فى هذه المرحلة من تاريخ جزيرة الفصح، أو فى أية مرحلة أخرى.
لقد وجد علماء الآثار بالفعل كميات كبيرة من أنصال الرماح والخناجر، يعود تاريخها للفترة السابقة للاكتشاف الأوروبي؛ ما أدى بالكثيرين إلى استنتاج أن الحرب قد لعبت دورا بالضرورة فى الإطاحة بالمواى والثقافة التى كانت تعبدها. ويبدو أن ظهور "الرجال الطائرين" فى فن نحت الصخور فى تلك الفترة يشير أيضا إلى ظهور عبادة جديدة ربما تكون قد حلت محل عبادة الأجداد.
ويعتقد معظم العلماء أن أزمة بيئية ما قد أدت بسكان الجزيرة إلى الاقتتال من أجل الموارد التى كانت تزداد ندرة؛ إذ كانت الزيادة السكانية وإزالة الأشجار مشكلات خطيرة بالفعل بحلول القرن السادس عشر، حين شيد بعض من أكبر التماثيل.
وأشار بعض علماء الآثار أن الانهماك فى البناء ربما كان مدفوعا برغبة مستميتة تزداد إلحاحا فى التدخل الإلهى (من الأجداد). وربما يكون سكان الجزيرة قد فقدوا إيمانهم بأجدادهم حين عجزوا عن المساعدة، ودفعهم الغضب إلى إسقاط التماثيل.
وبالطبع سرعان ما جاء التدخل من الأوروبيين بدلا من أجداد أو آلهة سكان الجزيرة. فبحلول القرن التاسع عشر، كان التبشيريون وتجار العبيد قد اجتثوا فعليا ما تبقى من ثقافة جزيرة الفصح الأصليين ودينها. غير أن الأوروبيين (والأمريكيين أيضا) يستحقون الإشادة لجهودهم فى الحفاظ على الثقافة الأصلية لجزيرة الفصح، وإن كانت متأخرة. ففى ستينيات القرن الماضى، أعاد العلماء — وكان من ضمنهم بعض أعضاء بعثة هايردال — العديد من المواى الساقطة إلى منصاتها الحجرية. ولا تزال موجودة هناك حتى الآن تنظر إلى سكان الجزيرة (وكذلك السياح هذه الأيام).
ومن ورائها مباشرة، كما كان دائما، يقبع المحيط الهادئ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.