استطعن أن يسطرن فى تاريخ مدينة عروس البحر المتوسط، قصص نجاح يشار إليها بالبنان، ليس فقط لكونهن سيدات يحملن مسئولية رعاية أسرهن وأولادهن، حتى اعتلين بهم سلالم النجاح، ولكن لأنهن أيضن تنافسن على مناصب النجاح التى يسعى إليها كل رجل، لديه الكثير من الأمور التى تسهل له حياته، أولها زوجة تساعده فى توفير حياة سهلة وبسيطة تمكنه من العمل بكل أريحية والحصول على فرص النجاح بسهولة. 4 سيدات فى الإسكندرية، اعتلوا المناصب الإدارية، وعاشوا قصص كفاح بدأت من الصغر، استكملوا فيها تعليمهم ودراستهم، وزواجهم وعملهم وتربية أسرهم، حتى أصبح لديهم أبناء يزيدون عن غيرهم بأن لديهم أمهات "بمية راجل".
أمل صبحى، كبيرة مذيعات قناة الإسكندرية، ومؤسسة نادى العاصمة الاجتماعى، تقول فى حياة أى سيدة تشبه ظروفها، كان البيت وتربية الأبناء هى النهاية الوحيدة لمثل ظروفها، فوالدها من أصل ريفى يعمل وكيلًا للزراعة، يصر على زواجها مبكرًا قبل إنهاء ثانويتها العامة، فتدخل الجامعة، وهى حامل فى نجلها الأكبر عمر، فتصر على استكمال الدراسة، وسط مسئوليات زواجها الذى يأتيها بنجلها الثانى، لتتوقف بعدها عن الدراسة عامًا، تصر بعدها على استكمال حياة ناجحة، تخوض فيها العمل مع الدراسة مع تربية الأبناء، فتعمل بإذاعة الإسكندرية، وتقتسم الأوقات بين عملها ودراستها وأبناءها، لتصبح الآن كبيرة مذيعات قناة الاسكندرية ومؤسسة نادى العاصمة الاجتماعى، وأستاذة أكاديمية فى جامعات مصرية وخاصة، وأم لثلاثة أبناء وجدة.
تقول أمل:تربية مدرسة الراهبات لى هى السبب فى تعليمى أمور كثيرة لم أكن أتخيل حياتى بدونها، فالعطاء المستمر، دون الشكوى والوقوف مرات ومرات بعد كل سقوط، هى أهم المبادئ التى التزمت بها فى مسيرة حياتى، كافحت مع أولادى حتى أصبح الأكبر منهم عمر يعمل الآن مخرجًا فى التليفزيون المصرى، والثانى مصطفى محاسبًا فى إحدى الشركات، وأخيرًا تخرج سيف الدين من قسم إدارة الإعلام، بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، لأشعر معه أنى قد أديت رسالتى فى تعليمهم وبدء حرب جديدة لمساعدتهم فى التعامل مع صعاب الحياة.
وتضيف أمل صبحى: كان من الصعب الاستسلام والاكتفاء بالزواج وتحمل مسئوليته فقط، دون استكمال دراستى ولذلك أصريت عليها، وبالفعل الدراسة والتعليم والعمل، هم من ساعدونى لاستكمال قصة كفاحى مع أولادى، بعد أن انفصلت عن والدهم، وعلمتنى إذاعة الإسكندرية، وأقطابها الذين كانوا يعملون فيها فى هذا الوقت الكثير من المبادئ والقيم والأخلاق التى حصل عليها أبناءى بالممارسة الفعلية والحقيقية لها.
وتكمل أمل: بعد أن كبر الأولاد، وكبر عملى، أصبحت أشعر بالمسئولية تجاه المجتمع، وخاصة كل من يعمل معى فى مجال الإعلام، ونظرًا للظروف الاقتصادية التى كنا نرى الكثير يعانى منها، كان لابد من التفكير فى تقديم شئ للمجتمع، وهو نادى العاصمة الاجتماعية الذى بدأ مسيرته بمساعدة الدكتور ابراهيم العزازى رئيس المعهد العالى للسياحة والفنادق، والمهندس عبد الفتاح رجب، بقوافل الإطعام الخيرية، ثم بعد ذلك استكمل مسيرته فى الكشف على المرضى وعلاج 45 حالة من أصحاب مرض فيروس سى، بالإضافة إلى اللقاءات الثقافية التى أدركنا حاجة الكثير إليها. وتختتم صبحى قائلة: كل من يقابلنى فى الحياة أصبح ينادينى "ماما" وأنا فخورة بهذا النداء وأشعر بمسئوليته تجاه الجميع ورسالتى التى دائمًا أخبرها للكل"شارك بدل ما تتعارك" فالتعاون هو أساس نجاح كل شئ. أما الدكتورة ايمان مخيمر مدير حديقة الحيوان فى الاسكندرية، فهى حاصلة على بكالوريوس الطب البيطرى، وتزوجت عام 1983، من زميلها الذى عمل بالجامعة، لتبدأ هى حياتها فى حديقة الحيوانات التى كانت فى هذا الوقت تحتاج الكثير من العمل والرعاية، بالإضافة إلى مواعيد غير ثابتة، تجعلها تتحمل الكثير من المسئوليات مع إنجابها أبنائها هدير ويوسف ونور. وتقول إيمان: أنا حبيت شغلى كثيرًا، وأبنائى أحبوه معى على الرغم من كل الصعوبات التى كنت أواجهها، حتى أننى فى الكثير من الأحيان، كنت أحضر الحيوانات معى إلى المنزل لمساعدتها وإتمام رعايتها، ولن أنسى عندما رفضت زوجة الأسد إرضاع شبلها، فطلبت التصريح بأخذه معى إلى المنزل، وكنا نتناوب عليها الرضعات، حتى استطاع الوقوف والصمود وحده. وتضيف الدكتورة إيمان: بدأت فى الترقى فى حياتى العملية، داخل حديقة الحيوان، التى بدأت فيها مشرفة على الحيوانات، حتى وصلت إلى منصب مدير الحديقة منذ حوالى 12 سنة، خلال هذه الفترة مررت أنا وأسرتى بأمور ليس من السهل المرور بها، أهمها أن كل المناسبات السعيدة التى يحتفل بها المصرييون، لا نستطتيع التجمع فيها خاصة وأنها وقت العمل لدى بالحديقة، وبالتالى كنا نضع الخطط والبدائل،حتى نستطيع الاستمتاع سويًا، سواء من خلال تقسيم أعمالهم الفردية التى قد يستطيع عملها كل شخص لوحده إلى أن نلتقى جماعة للاحتفال. وتقول مديرة حديقة حيوان الإسكندرية: لدى الآن 3 أبناء وأصبحت جدة أيضًا ابنتى الكبرى هدير وهى صيدلانية ولديها من الأبناء عمر وياسين، ويوسف أيضًا صيدلى ولديه طفلة، ونور الصغيرة فى السنة الثالثة بكلية الطب، رسالتى معهم لن تتنتهى ابدًا، فهم علمونى قبل أن أعلمهم المشاركة والمساندة، وأصعب لحظات مرت بى معهم عندما كنت أنزل فى أيام المناسبات والأعياد، دون أن أراهم كباقى الأمهات وهم يرتدون اللبس الجديد. وأهم ما تحلم به إيمان مخيمر رغم ما وصلت إليه هو استكمال أبناءها قصص نجاحهم العملية والدراسية، والحصول على الدرجات الدراسية المتميزة وسط أسرهم الصغيرة بنفس مبدأ التعاون الذى عاشت معهم عليه. وتتحدث آمال عبد الظاهر وكيل وزارة التربية والتعليم بالإسكندرية، والتى هى أيضًا أم وجدة كافحت فى تربية أبناءها كثيرًا حتى قبل انفصالها عن زوجها الذى كان يعمل دائمًا فى البحر، ويمضى فيه أوقات طويلة،تعيشها وحيدة مع أطفالها قائلة: " البداية هو أنى أحب ما أعمل، لأن من يربط عقله بوجدانه بقلبه ينجح، ولذلك التحقت بالتربية والتعليم رغم حصولى على درجات عليا فى الثانوية العامة، ولكن رغبتى فى أن أصبح مدرسة مثل والدى الذى كان يعمل مديرًا لمدرسة، هو ما جعلنى أصر على أن أدخل كلية التربية وأن أصبح مدرسة. وتكمل آمال: " كنت دائمًا استمع إلى والدى وهو يحكى عن قيادته للمدرسة، وماذا تعنى كلمة قيادة واحتواء الناس، وبدأت فى التدرج بالعمل، من مدرسة أولى، إلى وكيلة وناظرة مدرسة، ثم مدير عام لإدارتين، حتى وصلت إلى منصب وكيل وزارة. وتضيف آمال: أهم الأمور التى ساعدتنى فى حياتى مع أسرتى وعملى، هو أنى أفصل بينهم، فلو كانت المشكلات على رمتها فى المنزل، كنت أعتبر أن العمل لا علاقة له تمامًا بها، وليس من حق أى طالب أو ولى أمر أو مدرس أن يعامل بطريقة غير الذى يستحقها منى بسبب مشكلاتى الأسرية، مما كان يعطى التأثير الايجابى لمعاملتى مع الناس جميعًا. وتكمل وكيلة وزارة التربية والتعليم: لدى الآن محمد والذى حصل على بكالوريوس تجارة ويعمل محاسبًا فى دولة السعودية، وابنتى منى التى تخرجت من كلية الفنون الجميلة، وتعمل مدرسة رسم، ومتزوجة من ضابط شرطة، ولديها الآن إياد وآدم. وأهم ما تنصح به آمال عبد الظاهر، أن لا يكون الإنسان على الهامش ليس فقط فى العمل ولكن فى كل لقاء وعمل يقوم به من أجل الإيجابية التى هى أساس النجاح قائلة: مفيش أقوى من الست المصرية التى تواجه التحديات فوق طاقة أى شخص. وتقول آمال: ولادى فخورين بى، وابنى دائمًا يقول لى "انتى بمية راجل، وكفاية نظرتهم ليا والفخر الذى أجده بعيونهم، بعد أن كنت أمًا وأبًا لهم. أما هدى عبد العزيز بيومى 44 سنة، فقد عانت من شلل الأطفال وهى فى الشهور التسع من عمرها، وحاول والدها مساعدتها كثيرًا خاصة مع الجهاز الثقيل الذى كانت ترتديه لدرجة أن فكر والدها الذى كان يعمل فى المصانع الحربية، فى صنع آخر لها بوزن أخف من مادة الاستانلس، وبلون حذاء وردى زاهى، لايشبه الذى كان يتم التعامل به فى هذا الجهاز، حتى استطاعت إجراء جراحة تخلصت فيه من الجهاز وهى لديها 16 سنة. وتقول هدى: تزوجت وأنا فى السنة الأولى من الثانوية ولم أكمل تعليمى، وعانيت الكثير وانا بحالتى الصحية وبعيدًا عن والدى ووالدتى الذين اعتمدت عليهم طوال سنوات عمرى وعجزى، حتى اننى كنت أخاف من حمل طفلى ونقلها من غرفة إلى أخرى، حتى استطعت الصمود مواجهة هذه الحياة بكل ما فيها. وتكمل هدى: فى بداية حياتى الزوجية لم يكن لدى أى خبرة بشئ، وكنت أعيش فى محافظة بعيدة عن أسرتى، ولم تكن لدى خبرة فى تربية الأطفال، ولكن نظرات الشفقة تجاهى من الجميع، هى التى جعلتنى أصمد أكثر وأكثر، حتى أنجبت باقى أبنائى وتحملت معهم وعشت معهم أصعب وأجمل لحظات حياتنا.
وتضيف هدى: أكملت تعليمى فى المنزل وحصلت على دبلومة الثانوية التجارية، وقررت خوض الحياة العملية وسط رفض واستنكار وسخرية كل من حولى، وبدأت مشروعى الخاص فى التجارة والاستيراد والتصدير، وفاجئتنا إحدى المديرات التى كنت إنهاء أوراق جمارك شحنة خاصة بى من عندها وأنا حامل وعاجزة قائلة: " اللى زيك يقعد فى البيت عشان عجزك" فرديت : العجز فى التفكير مش فى الإعاقة الجسدية.
وتقول هدى الآن لدى بنتين وولد الاولى خريجة صيدلة والثانى فى الفرقة الثانية من كلية الصيدلة، والثالثة مازالت تدرس فى تعليمها الأساسى، بالإضافة إلى موهبتها الغنائية التى أعمل على تنميتها، وأهم ما أركز عليه فى تربيتهم هو أن يكونوا متميزين وليسوا ناجحين فقط، لأن الإعاقة الجسدية لا تمنع أبدًا النجاح.
وتختم هدى قائلة : الآن لدى شركتى الخاصة التى يعمل فيها الكثير من الشباب، وأتمنى منهم جميعًا أن يكون لديهم طاقة أمل كبيرة، كما تمنيت من محافظ الإسكندرية، أن يكون لديه مستشار إعلامى للمعاقين، يتحدث باسمهم ويطالب بحقوقهم.