"الله يرحمك يا عم جمعة"، هكذا داعب الموظف بالسجل المدني، بمدينة بنى عبيد بمحافظة الدقهلية، عم جمعة، منذ عدة أشهر بعدما توجه للسجل المدني، ليتأكد من حياته أو وفاته، بعدما فشل فى الإدلاء بصوته فى الانتخابات، وقدم مذكرة لمعرفة السبب فتبين أنه متوفى فى الملفات، ولما ذهب للسجل المدني، طلب استخراج وثيقة قيد وفاة لنفسه، فتأكد وفاته، فعزاه الموظف فى نفسه، "الله يرحمك ياعم جمعة كنت راجل طيب أوى". جمعة حسن إسماعيل محمد حسن 62 سنة، ومقيم بمدينة بنى عبيد التابعة لمحافظة الدقهلية، بدأ فى رحلة عذاب، بعدما تأكد أنه متوفى بسجلات الحكومة، وعاش مندهشا، ورفع شعار "الناس بتموت مرة وأنا بموت مرتين" ومضى فى طريقه لإثبات عكس ما فى دفاتر الحكومة. يقول عم جمعة خلال حديثه ل"اليوم السابع": "مأساتى بدأت أثناء عملية التصويت في انتخابات مجلس النواب السابقة، عندما ذهبت للإدلاء بصوتى فى لجنتى الانتخابية بمسقط رأسى وفوجئت بالموظف يبلغنى بأن صاحب البطاقة متوفى وطالبنى بمغادرة المكان". وأضاف: "توجهت عقب ذلك إلى السجل المدنى بمركز بنى عبيد وكانت إجابتهم بالنص "صاحب البطاقة متوفى يا حاج"، وكانت صدمتى "إزاى ده يا فندم.. أنا صاحب البطاقة"، وطلبوا منى مقابلة المسئول والذى أكد لى أن الكمبيوتر يقول أني متوفى. وسأل المواطن جمعة حسن إسماعيل مستغربا: "هل أخطاء الموظفين يتحملها المواطنون، هل لو الخطأ ده كان حدث لمسجل خطر أو إرهابى يا ترى كان هيحصل إيه ومين هيتحمل المسئولية". وأشار المواطن المغلوب على أمره إلى أنه بعد الواقعة أصبح محروما من حقه فى الدعم التموينى الذى تقدمه الحكومة لمحدودى الدخل، كما أنه محروم من الحصول على الخبز والمعاش، مطالبا أى جهة فى الدولة التدخل، مؤكداً أنه كل ما يطلبه هو إثبات أنه على قيد الحياة. يسافر عم جمعة يوميا إلى السجل المدنى للمنصورة، لإنهاء عملية معقدة من الأوراق، لإثبات حياته، وعدم وفاته، وفشل الأمر فى المنصورة، فتوجه إلى القاهرة، حيث يقطع مسافة تزيد عن 4 ساعات، للسفر إلى القاهرة، فكان يستيقظ فى الثالثة فجرا، لينوى السفر للقاهرة، وتبدأ رحلة العذاب، المليئة بالسخرية أحيانا، وبالحزن أحيانا أخرى ف"شر البلية ما يضحك على حد قوله". ويقول الميت الحى كما يلقب نفسه، "أنا خائف أن يحدث لى شيء أثناء سفري، أى مستشفى ستستقبل مواطن ميت فى السجلات، أخشى أن يحدث لى مشكلة فاضطر للذهاب لقسم شرطة مثلا، فيفاجأ الجميع أنى ميت، فتصبح قضية فوق القضية، ومصيبة فوق المصيبة، ولا أحد سيسمعنى حينها". ويضيف "عم جمعة" المعاش حاليا فيه أزمة كبيرة جدا، إذ إنه من المفترض أن يؤول لإحدى بناتي، بإعلام وراثة، وتم حذفى من بطاقات التموين، فلا أحصل على حصتى، فلا تصرف لى الدولة خبزا مدعما، وتم حذفى من دعم الغاز، ومن التأمين الصحي، أنا محروم من كافة المميزات التى تعين المواطن البسيط مثلى على الحياة، وفى ظل غلاء الأسعار لا أملك شراء تلك السلع من السوق الحرة، وأعيش على دخلى البسيط وهو المعاش، والمهدد بالإيقاف فى أى لحظة، بل وبقضية على الورثة الذين يصرفون المعاش حتى الوقت الحالي. وقال "كنت عامل وسقطت من على سقالة، وتم صرف معاش لى فى التضامن الاجتماعي، بسبب مرضي، وكان يعيننى إضافة للمعاش الآخر، على شراء الدواء، رغم أن 180 جنيها ليس مبلغا كبيرا، ولما توجهت للتضامن الاجتماعي قالو إن الرقابة الإدارية أخطرتهم أنى متوفى ولابد من حذف اسمى من المعاشات". وتوجه "عم جمعة" إلى مركز الشرطة لتحرير محضر، فطلبوا منه استخراج بطاقة أخرى، يقول "استخرجت بطاقة أخرى بكل سهولة، دون أى مشكلات، ومع ذلك وثيقة قيد الوفاة الخاصة بى موجودة، وحاليا أنا أصرف تموين لزوجتى فقط، بسبب أن الرقابة أيضا أخطرتهم أنى متوفى، أنا فى حيرة، ماذا أفعل؟!، مضى عامان ولم أجد حلا، أرسلت شكاوى لمدير الأمن، والمحافظ، وكان الرد اذهب للمحكمة، وذهبت للتموين، ولم يفيدنى أحد، والمعاش متوقف حتى الآن". واختتم المواطن "الميت الحي" حديثه بنداء للمسؤلين، قائلا "ارحموا المواطن المسكين، المريض، كيف أكون على قيد الحياة ويثبت أنى متوفى، رغم أنى حصلت على إفادة من مكتب الصحة أكثر من مرة، أنى على قيد الحياة، ومع ذلك فالدولة تعاملنى على أنى متوفى، أصبحت فى حيرة لا يعلم بها إلا الله، وكل ما أطلبه من وزير الداخلية، والعدل، والصحة، والتموين، والتضامن الاجتماعى، أن يعلموا أنى حي، ويعامولنى معاملة الحي، وأن ما تم حول وفاتى مجرد خطأ لا دخل لى فيه، وأتحمل أعبائه يوميا". عم جمعة
